2024-03-29 09:47 ص

"المذكرة الدبلوماسية" للخارجية الامريكية بشأن سوريا

2016-06-20
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
تناقلت وسائل الاعلام مؤخرا خبر مفاده ان 51 موظفا دبلوماسيا في وزارة الخارجية الامريكية قاموا بتقديم مذكرة دبلوماسية يطالبون من خلالها الرئيس أوباما بتوجيه ضربات عسكرية الان الى الجيش العربي السوري بهدف اضعاف النظام السوري لتسهيل الجهود الدبلوماسية للتوصل الى حل سياسي على حسب زعمهم. وبالرغم من أن الرئيس أوباما صرح بعدها على انه لا يوجد حلا عسكريا في سوريا الا أن وزير خارجيته السيد كيري صرح بانه من الضروري دراسة ما جاء في المذكرة. ولا بد من الإشارة الى أن قبل أيام معدودة من هذه المذكرة الدبلوماسية صرح السيد كيري من أن "وقف اطلاق النار" قد يتم اختراقه وعلى أن الصبر الأمريكي بدأ ينفذ موضحا من "أن على روسيا أن تتفهم ان صبر واشنطن بدأ ينفذ وعلى أن البيت الأبيض ما زال مقتنعا من أن المسؤولية تقع على كاهل بشار الأسد الذي يجب أن يحاسب". وعلى الرغم من التراجع عن هذه التصريحات النارية والتي تحمل في ثناياها تهديد واضح وصريح للدولة السورية ولروسيا حيث عبر الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض جون كيربي من أن هذا ليس تهديدا لروسيا وانما هذه التصريحات أتت لتعبر عن استياء كيري من عدم استخدام روسيا لنفوذها لتحقيق النتائج التي ترغبها واشنطن. هذه الدعوة للتدخل العسكري المباشر ضد الدولة السورية والجيش السوري على وجه التحديد يتأتى مع النجاحات التي حققها الجيش السوري وحلفاءه على الأرض بدعم واضح من روسيا الاتحادية وإيران التي قلبت موازين القوى والوقائع على الأرض تجلت في اندحار قوى الظلام والإرهاب من العديد من مواقعها. ويأتي أيضا بعد الفشل الأمريكي في فصل الجماعات التي تراهن عليها وتدعمها على أنها "المعارضة المعتدلة" من التناغم مع والقتال الى جانب تنظيم داعش وجبهة النصرة القاعدية المصنفة على لائحة التنظيمات الإرهابية بحس قائمة الأمم المتحدة. ولا بد لنا من الإشارة الى انه عندما كانت المجموعات الإرهابية التي كانت تعمل تحت المظلة الامريكية والإقليمية من السعودية وقطر وتركيا في وضع ميداني جيد في بداية عام 2014 كانت الولايات المتحدة من المتحمسين لإيجاد حل سياسي للازمة السورية لتواجد أوراق ميدانية كانت تحاول فرضها على طاولة الحوار أو المفاوضات وكان من نتيجة السقف السياسي العالي التي قدمته آنذاك للحل السياسي هو ما أفشل الوصول الى الحل لأنها كانت تسعى للحصول على الاستسلام الكامل للدولة السورية وتسلم مفاتيح السلطة ورحيل السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد. أما الان فلم تعد الولايات المتحدة أو حلفاءها وادواتها الإقليميين مهتمة بإيجاد حلول سياسية لأنها فقدت معظم الأوراق التي كانت تمتلكها وخاصة بعد الدخول الروسي على خط الازمة في سوريا والدعم العسكري الذي تقدمه روسيا الاتحادية للجيش السوري وحلفاءه في محاربة الارهاب على الأراضي السورية. والاجتماع الذي عقد مؤخرا في طهران والذي ضم وزراء دفاع الثلاثة دول أتى ليؤكد التنسيق الكامل واجراء عملية تقييم المرحلة السابقة ووضع الاستراتيجية المستقبلية بناء على نتائج تقييم المرحلة السابقة. ومن الواضح ان الاجتماع على هذا المستوى يعكس أهمية هذه المرحلة والمخاطر التي تتعرض أو التي ستتعرض لها سوريا في المستقبل القريب وخاصة مع الإعلان عن تواجد قوات خاصة أمريكية وفرنسية وبريطانية والمانية في الشمال السوري تعمل على دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية وبروز المخاطر الجدية على تقسيم سوريا تحت شعار الفيدرالية التي يسعى اليها جزء من المكون الكردي في شمال سوريا بدعم واضح من الولايات المتحدة ودول حلف الناتو باستثناء تركيا التي ترى في تشكيل أية سلطة كردية في المنطقة الشمالية لسوريا المحاذية للحدود التركية تهديدا للأمن القومي التركي. كما وأنها تأتي بعد المماطلة الامريكية وعدم وجود اية نية لديها للتنسيق أو التعاون مع روسيا في محاربة الارهاب على الأراضي السورية وحصر التنسيق والاتصالات لضمان عدم حدوث أي خطأ يؤدي الى الاشتباك بينهما في الجو وخاصة وأن الطائرات الامريكية والروسية متواجدة في الأجواء السورية. وترفض الولايات المتحدة التنسيق العسكري مع روسيا في معركة تحرير الرقة المعقل الرئيس لتنظيم داعش الذي يتقدم نحوها الجيش العربي السوري بدعم جوي روسي بينما يتقدم نحوها من جهة أخرى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة، وهي بالأساس وحدات حماية كردية طعمت بمكونات عربية لتغليفها بهذا المكون العربي حتى يتم استخدامها من قبل الولايات المتحدة كرأس حربة لتقسيم سوريا والحصول على موطىء قدم لها بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في الشمال السوري. وزارة الخارجية الامريكية تحولت الى بؤرة للمحافظين الجدد بتولي جورج بوش الرئاسة وبقي الحال على ما هو عندما جاء أوباما الى البيت الأبيض. وعندما تولت هيلري كلينتون منصب وزيرة الخارجية تحت إدارة الرئيس أوباما تمكن المحافظين الجدد ومجموعة الليبراليين الداعمين الى التدخلات العسكرية الخارجية للولايات المتحدة من فرض أجندتهم على السياسة الخارجية الامريكية وقاموا بتعزيز مواقعهم في وزارة الخارجية. وكانت هيلري كلينتون من أكثر الداعين والمتحمسين للتدخل العسكري في ليبيا لتغيير النظام بإسقاط نظام العقيد معمر القذافي من قبل حلف الناتو تحت قيادة الولايات المتحدة. وهذه الجوقة من المتعطشين الى فرض الهيمنة الامريكية على العالم باعتبارها الدولة "الاستثنائية" والأكثر قوة على الساحة العالمية والذي من الواضح انها لم تتعظ من الدرس العراقي أو الافغاني من محدودية القوة العسكرية مهما بلغت عظمتها، هي من شنت الحرب والعدوان على ليبيا وسوريا وأوكرانيا وروسيا والصين والبرازيل وفنزويلا والحبل على الجرار. أما وسائل الحرب والعدوان فهي تتغير وتتلون بحسب الظروف وتمتد من العدوان العسكري المباشر على الرغم من أن هذا الأسلوب أخذ بالانحسار في عهد الرئيس أوباما لصالح استخدام قوى إقليمية صديقة وعميلة للقيام بهذا الدور القذر كما يحدث الان على الساحة السورية أو باستخدام قوى محلية تدربت على ايدي المخابرات الامريكية ودعمت بالمال سواء أكانت أحزاب محلية أو منظمات مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية كما حدث في أوكرانيا ومؤخرا في البرازيل وما يحدث الان في فنزويلا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية. والهدف من وراء كل ذلك واحد وهو محاولات تغيير الأنظمة الغير متساوقة مع الاستراتيجية الامريكية والتي ترفض تنفيذ الاجندة الامريكية تجد نفسها محاصرة في أنظمة عقوبات اقتصادية ومقاطعة سياسية وفرض صعوبات في القطاعات المالية والمصرفية بهدف الخنق الاقتصادي وتردي وتدني في مستويات المعيشة والتضييق على الطبقات الوسطى الى جانب الطبقة المعدومة لتأليبها على حكومات منتخبة وتحريك الشارع من خلال عمليات احتجاجية مفتعلة على أمل أن يؤدي ذلك الى اسقاط الحكومات وتغيير الأنظمة بما يتلاءم مع المصالح والاملاءات الامريكية. وفي النهاية نود أن نؤكد على ان هذه المذكرة لم تأتي من فراغ باعتبارها أنها جاءت لتقرع الجرس والتنبيه الى ان الفترة الرئاسية القادمة بعد الانتخابات ستشهد عودة الى مرحلة التدخل العسكري الأمريكي المباشر في المناطق التي تعتبرها الولايات المتحدة مهمة "لتأمين مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي الدفاع عن القيم الديمقراطية" ( بمعنى اية منطقة في العالم بغض النظر عن قربها أو بعدها عن الشواطئ الامريكية). وهي بالتأكيد دعوة لاتخاذ خطوات ووسائل أكثر عدوانية وشراسة من تلك التي ميزت فترة رئاسة الرئيس أوباما. ويتضح هذا من الكم الهائل من الانتقادات التي وجهت الى الرئيس أوباما وسياساته من قبل كتاب ومنظري المحافظين الجدد وكذلك من "نيو ليبراليين" داخل الحزب الديمقراطي الى جانب مراكز الأبحاث الاستراتيجية المرتبطة بحلف الناتو والمجمع الصناعي العسكري والذي يسعى بإدامة الصراعات في منطقتنا وغيرها من المناطق الملتهبة وخلق بؤر توتر جديدة باستمرار لجني مليارات الدولارات من الأرباح التي يصرف جزء منها لشراء رجالات الكونغرس والشيوخ في الولايات المتحدة الى جانب الدعايات الانتخابية في الحملات الرئاسية. ولا عجب من أن كل هذه الجوقة من ديمقراطيين مشجعين للتدخلات العسكرية الى جانب المحافظين الجدد المتحكمين بالسياسة الخارجية في أمريكا الى جانب المجمع الصناعي العسكري يقفون خلف السيدة كلينتون وحملاتها الانتخابية فهي التي ايدت العدوان على العراق عام 2003 وحرضت الإدارة الامريكية للتدخل والعدوان على ليبيا وكانت تأمل بدور أكبر في التدخل في اليمن وهي الداعية والمؤيدة للدور العدواني لحلف الناتو تجاه روسيا وتصعيد الموقف في أوكرانيا وسوريا. وهذه الجوقة تنتظر بفارغ الصبر الانتخابات الرئاسية القادمة لبدء مرحلة أكثر عدوانية وشراسة للسياسة الخارجية الامريكية والعودة الى سياسة التدخلات العسكرية المباشرة، غير آبهه بان ذلك قد يؤدي الى مجابهة نووية مع روسيا الاتحادية، وإشاعة مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة وتعريض أمن المواطن الأوروبي والامريكي الى مزيد من العمليات الإرهابية ومزيد من الموت والدمار في منطقتنا. كل ذلك سعيا لتحقيق "الحلم الأمريكي" للسيطرة على العالم ونهب الثروات ومقدرات الشعوب. هذا الحلم الذي لم ولن يتحقق طالما ان هنالك شعوب تقاتل من أجل حريتها وكرامتها واستقلالها، مفردات غير متواجدة في قاموس الإدارات الامريكية المتعاقبة التي ما تزال تؤمن "باستثنائية" الولايات المتحدة وحقها في السيطرة على العالم.