2024-03-28 05:24 م

ليلة "سقوط" حلب...

2016-06-25
بقلم: سمير الفزاع
منذ اعلنت واشنطن وتركيا عن تشكيل غرفة عمليات كيليس لادارة الحرب على سورية، بدأ العمل على تهيئة المسرح اللازم لاسقاط حلب بالكامل، أو اطباق حصار على احيائها الغربية في الحد الادنى. لم يكن احتلال بلدة العيس وتلّتها باستخدام مقذوفات كيمائية الا واحدة من الخطوات التمهيدية لهذا الاطباق، ولكن مسرح العمليات اوسع من ذلك بكثير... حلب، كيف خططوا لاسقاطها؟ لماذا تراجعت واشنطن و"قوات سورية الديموقراطية-قسد" عن مهاجمة الرقة؟ ماذا يعني اجتماع وزراء دفاع سورية وايران وروسيا؟... اسئلة أحاول تقديم بعض اجوبتها في هذه العجالة. * حلب اولاً، ولكن: تبقى حلب الهدف الاثير على قلب واشنطن واردوغان وحلف العدوان على سورية وادواته الارهابية... الخطة الامريكية تقتضي باستغلال وقف العمليات القتالية، والمهلة الممنوجة لها لفصل الجماعات "المعتدلة" عن جبهة النصرة الارهابية، لتحقق قائمة اهداف منها: 1- فرض خطوط تماس ومناطق نفوذ لا يمكن مقاربتها او تجاوزها الا بالتفاهم مع واشنطن، واما البديل الآخر فيكون بالاصطدام معها والدخول في مسار مفتوح على كل الاحتمالات لهذه الحرب. 2- مراكمة عناصر القوة لكل الجماعات المسلحة سواء المرتبطة بها مباشرة مثل القوى الانفصالية الكردية او المرتبطة بالاتراك او السعوديين... ولكن في سياق توحيد قرار هذه الفصائل وجعله في يد واشنطن تمهيدا لمعركة تريدها او تتوقعها. 3- وضع اللمسات الاخيرة لخطة "تسلل" النيتو في الحرب على سورية، خصوصاً بعد ضعف المستشارة "ميركل" وانهيار المناعة الاوروبية امام ابتزاز اردوغان في قضية اللاجئين، ورضوخ ادارة اوباما لدعاة التدخل "النشط" في هذه الحرب، وعسكرة المناخ الاوروبي-الروسي، وتعويم النيتو على حساب القوة الاوروبية الموحدة، واستنهاض استراتيجية القواعد العسكرية... . 4- انهاء تفاهمها مع حلفائها على الارض –قوات سورية الديموقراطية- بعد ان "عثرت" عليهم بعد طول عناء مع معاراضات "فانتازية" وأخرى متطرفة من جهة، وتضارب مصالح مع بعض حلفائها خصوصاً في انقرة والرياض من جهة ثانية... واكمال نشر قواتها ومعداتها اللازمة لقادم الايام، والتعرف الى ردود افعال وخطوات ونوايا القيادة السورية وحلفائها... . * ليلة سقوط حلب: لماذا يستمر القصف الارهابي اليومي لحلب؟ هناك اهداف عديدة، ولكن اهمها ما تقاطع مع معلومات واحداث امنية غاية في الخطورة؛ إن هذا القصف كان يجب ان يكون في سياق غزو المدينة والسيطرة عليها، خصوصاً في ايامه الاولى عندما أسقط مئات الشهداء والجرحى، وهي ارقام كان منتظراً مضاعفتها مع بدء الغزو... لقد انتظرت واشنطن ساعة صفر دموية لا تبدأ من السيطرة على الرقة تحت غطاء قوات سورية الديموقراطية، لتكون حلب مسوّرة من الشرق والشمال والجنوب والغرب على نحو شبه كامل، ولا تنتهي مع الهجوم في ريف حلب الجنوبي-الغربي... مترافق مع سلسلة تفجيرات وغزوات ضخمة تضرب بيروت لتهز مناطق معارضة وأخرى مؤيدة لحزب الله، تكون خواتيمها واقساها في ضاحية بيروت الجنوبية... بالتزامن مع التفجيرات الدموية في طرطوس وجبلة وحمص والسيدة زينب... ومجزرة في الزارة، لتجتاح هذه المناطق وغيرها "اضطرابات شعبية" واسعة، وحالات تصفية وتهجير عرقي وطائفي ومناطقي، تدمر المعنويات وتهز وحدة الجيش وتماسك المؤسسات الامنية وتعطل عمل الدولة السورية وحلفائها... مع انهيار لسعر الليرة، وارتفاع جنوني للاسعار، وهجمات واسعة على نقاط الجيش العربي السوري وحلفائه في غوطة دمشق وريف اللاذقية الشمالي وحماه... بعضها باستخدام اسلحة كيميائية، والاهم، قصف عنيف على حلب بألآف القذائف والصواريخ المدمرة، مصحوبا بتقدم اكثر من عشرة الاف ارهابي نحو الزهراء والمخابرات الجوية، وخان طومان وصولاً الى الراموسه لقطع طريق حلب-اثريا تماما، وتقدم آخر من السكن الشبابي الى حلب الجديدة والحمدانية... بدعم اكثر من الفي جندي تركي والمئات من جنود الوحدات الخاصة الامريكيين والانجليز والفرنسيين... هكذا يتم تحييد اسلحة الجو والمدفعية والصواريخ الى حد بعيد في معركة تجري بقلب المدينة وفي وسط مليوني انسان تقريبا... تسقط حلب بيد "المعارضة المعتدلة"... وسيشتد الضغط على قوات الجيش العربي السوري في دير الزور لتنهار وتخلي المدينة، بعد "طرد" مجاميع داعش من الرقة الى دير الزور ودخول القوات الامريكية اليها دخول الفاتحين... ومن ثم تكمل "حملة الامل" بقيادة واشنطن ومشاركة النيتو والادوات الارهابية طريقها الى حلب "لانقاذ" السوريين من المجازر التي يرتكيها السوريون ضد بعضهم البعض...! * كيف جاء الرد؟: 1- تحريك حملة عسكرية من اثريا نحو الطبقة لمواجهة أي تقدم لواشنطن وحلفائها نحو مدينة الرقة، لكن دون الانزلاق الى معركة هناك لم يتحقق فيها هذا الشرط، أي توجه واشنطن الى الرقة. 2- توجيه حملة اخرى نحو السخنة –خط دفاع داعش الاول عن مدينة دير الزور- لمنع الاستفراد بحاميتها العسكرية البطلة، وشعبها المقاوم الصلب. 3- توجيه ضربة جوية مباغتة لقوات سورية الجديدة عند معبر التنف، قتل فيها العشرات من هذه القوات وبعض الجنود من "جيوش عربية"... كما حملت هذه "الغارات" رسالة مباشرة لواشنطن، أظهرت ضعف القدرات اللوجستية لسلاح الجو الامريكي في المنطقة إذ كان مضطرا لمغادرة الاجواء عدة مرات بسبب نقص الوقود، في حين استمرت الطائرات "المغيرة" بتنفيذ مهامها بكل سلاسة. 4- رفع مستوى التنسيق السياسي-العسكري بين سورية وايران وروسيا بما يتناسب مع الخداع الامريكي، وحجم المخطط الارهابي الضخم الذي سعت واشنطن اليه لتفجير المنطقة بأسرها ليتسنى لها تنفيذ مشروع الغزو المباشر لحلب... لم يكن اجتماع وزراء دفاع سورية وايران وروسيا في طهران، واجتماع وزير الدفاع الروسي بالرئيس بشار حافظ الاسد في دمشق الا رأس جبل الجليد لهذا المستوى الجديد من التنسيق. 5- توفير الحشد العسكري "اللازم" للبدء بعملية تطويق الاحياء المحتلة في حلب وعزلها وحصارها من جهة، بالتزامن مع توسيع طوق سيطرة الجيش العربي السوري وحلفائه على ارياف المدينة "الساخنة" من جهة ثانية. * كلمة أخيرة: معركة حلب، وكما قال السيد حسن نصر الله: أن "القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن بقية سورية ودمشق ولبنان والعراق والاردن... وان اسقاط ما تبقى من محافظة حلب والسيطرة عليها... جاء نتيجة لقرار إقليمي ودولي كبير جداً". وحتماً إسقاط هذا القرار الاقليمي والدولي الكبير جداً لن يتم بلا قرار اقليمي دولي مقابل، وتضحيات جسيمة توازي هذا الخطر التاريخي فعلاً على حاضر هذه الامة ومستقبلها... القرار اتخذ وجار التنفيذ.