2024-04-20 10:28 ص

نبوءات الأسد تتحقق .. وبدأ الربيع الأوروبي ؟

2016-06-28
بقلم: الدكتور خيام الزعبي*
الأحداث الاخيرة في اوروبا تذكرنا بالمثل العربي الشهير .. " طباخ السم لابد أن يتذوقه" ! يبدو أن طلب البريطانيين للخروج من عباءة الإتحاد الأوروبي أخذ يتعزز، بعد أن عقدوا العزم على السير في نهج الإنفصال دون الالتفات لأي دعوات تطالب بالتريث بمجرد إعلان نتيجة استفتاء الشعب البريطاني، على البقاء أو الخروج من الإتحاد التى جاءت برفض البريطانيين البقاء، وتفضيلهم الإنفصال عن أوروبا، في هذ الإطار انفجرت الدعوات للمطالبة بإنفصال بلدان ومناطق عديدة عن محيطها الكبير والاتجاه نحو الاستقلال، وقد أثارت هذه الدعوات المخاوف من بدء ظاهرة التفتت الأوروبي، وما سيتبعه من مخاطر ستؤثر على مكانته السياسية والإقتصادية . قرار البريطانيين بـالإنفصال عن الإتحاد الأوروبي كان بمثابة لحظة ثورية فارقة تشبه إضرام التونسي "بوعزيزي" النيران في نفسه عام 2010 ، كما يعد هذا القرار جزءاً من الإنفجار الشعبي ضد الطبقة السياسية الفاسدة التي جلبت لبريطانيا غزو العراق والحرب على سورية والأزمة المالية عام 2008، في هذا السياق وقع أكثر من 45 ألف شخص طلبا يدعو إلى استقلال العاصمة البريطانية لندن نفسها، عن باقي أجزاء الدولة البريطانية، كما أعلنت رئيسة وزراء إقليم أسكتلندا، أن هناك نية لإجراء استفتاء حول انفصال أسكتلندا عن المملكة البريطانية المتحدة، والشيء نفسه فيما يتعلق بأيرلندا، ولم يقتصر الأمر على الداخل البريطاني وحده، بل امتد إلى العديد من الدول الأوروبية الأخرى، مثل هولندا، التى تزايدت فيها حدة مطالبات اليمين المتشدد بضرورة ترك الإتحاد الأوروبي، كما أن أهالي ولاية تكساس الأمريكية يفكرون في الاستقلال عن الولايات المتحدة، نظرا للثراء الفاحش الذى تتمتع به . -مشاهد الربيع الأوروبي : وتعود المشاهد الأولية للربيع الغربي إلى: - انفضاح قضية الديون اليونانية وسقوط الحكومة اليونانية ودفع باباندريو الثمن السياسي لمحاولة الإنقاذ الاقتصادي لليونان ولإمتصاص الغضب الشعبي. - تظاهرات الشباب والسخط الشعبي في انكلترا وفرنسا واليونان وأسبانيا وغيرها من الدول. - اجماع شعبي أوروبي بضعف القادة السياسيين والسياسات المطبقة لا تلبي طموحات الأجيال الجديدة في فرص عمل وتعليم وعلاج وتأمين وغيرها . - غزو اقتصادي غير مسبوق لأوروبا للصين وفائض في خزائنها يتجاوز ثلاثة آلاف بليون دولار. - نشوء طبقات متوسطة وفقيرة ، وهجرة المال والإستثمار خارج دول القلق والكوارث. -أسباب الرغبة البريطانية في الإنفصال: أ-القيود السياسية المفروضة على السيادة البريطانية، لأن خروجها يحرر السلطة القضائية من أحكام القيود القانونية، ولا سيما المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بحيث تصبح أحكامها غير ملزمة للمحكمة العليا البريطانية. - القيود الإقتصادية، إذ يتذمر البريطانيون من الرسوم الأوروبية التي تثقل كاهل خزينة بريطانيا حيث يجب عليها دفع نحو 55 مليون جنية إسترليني يومياً فى الوقت الذى تعتمد فيه على سياسة تقشفية بسبب العجز في موازنتها. - مشكلات الهجرة واللاجئين، فالأرقام الرسمية تتحدث عن تدفق 286 ألف أوروبي إلى سوق العمل البريطاني واستفادتهم من نظام الإعانات الاجتماعية وهو ما يقلق لندن، وتشكل عبئاً كبيراً عليها، ويقـف وراء هـذه الأزمـة واستمـرارهـا وتفـاقمهـا بشكـل أسـاس النظـام الـتـركـي الـذي يسعى مـن خـلالهـا إلى دق إسفين في جسد الإتحاد الأوروبي كنوع من الإنتقام بسبب رفضه ح البحث في طلب تركيا الانضمام لهذا الاتحاد . -بريطانيا وتبعات الخروج على الإتحاد الأوروبي : لم تخل ردود الفعل الأولية من قادة الإتحاد من التهديد والتلويح بمستقبل مظلم ينتظر بريطانيا بدون الاتحاد الأوروبي، وهنا أتوقع ان نرى بداية ربيع أوروبي قريباً وبداية مطالب شعبية في كل دولة للنظر الى مصالحها منفردة وهنا سوف يقل الضغط والتركيز على منطقة الشرق الأوسط لإنشغالهم في المشاكل الداخلية، وبداية إقامة علاقات مختلفه مع الدول العربية, كما سيترك تأثيره على خريطة السياسة الدولية وإعادة توزيع الأدوار طبقاً لمصالح كل دولة وعندها تدفع أوروبا ثمن تبعيتها لأمريكا ومعاداتها للأنظمة العربية ، وبالتالي إنهيار الإقتصاد الأمريكي وبداية إستقلال ولايات أمريكية. على صعيد آخر إن ما خطط له الغرب وصرف المليارات لتدمير الدول العربية سوف يذوق كأسه سواء من مشاكل إقتصادية وإنهيار بورصات عالمية فضلاً عن إنتشار االإرهاب والصراعات السياسية الداخلية، وربما ينقلب عليها قيادات الإرهاب الذين دربوها ودعموها، إذ أصبحت أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول الغربية، تستيقظ من نومها على كابوس مرعب يطرق أبوابها، لينذرها بأفواج الجهاديين اللذين غادرو أراضيها طلباً للشهادة في سورية، وان عدد منهم عاد الى بلاده وهم يحملون أفكار تشدديه قد تؤدي الى عمليات إرهابية شبيهه بما يحدث في سورية او العراق، وهذا ما جعل عددا من كبار مسؤولي الإستخبارات الغربية يهرعون إلى دمشق لمناقشة نشاطات "الجهاديين الغربيين" مع نظرائهم في نظام الأسد. -المكاسب والخسائر: - تتركز أهم الخسائر في تدهور العلاقات التجارية بين لندن والإتحاد الأوروبي، وخسارة بريطانيا ميزة تنافسية كبيرة في قدرتها على جذب الإستثمارات كونها عضواً في الإتحاد. - صعوبة في الحفاظ على التجارة مع الدول الأخرى الأعضاء بالإتحاد لأنها تشكل 54% من تجارة السلع. - عزل الإقتصاد البريطاني، وسيخسر الإتحاد نحو سدس ناتجه الإقتصادي دفعة واحدة، في المقابل قد يحرم الإنفصال بريطانيا من تجارة السوق الموحدة للإتحاد الأوروبي وسيتطلب منها أن تبرم إتفاقات تجارية جديدة مع بلدان العالم وعلى الجانب الآخر، يرى مؤيدي الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي إن بريطانيا ستكون في وضع أفضل فيما يتعلق بالتجارة مع العالم من خارج الإتحاد الأوروبي، خاصة أن مصادر نمو الإقتصاد العالمي الآن تأتي من الدول الناشئة وليس من الإتحاد، وأنه ينبغي على أوروبا أن تكون سوقاً مشتركة وليس بلداً مشتركاً، فيحتفظون بالمكاسب الإقتصادية دون تحمل مشاكل المهاجرين. -الإتحاد الأوروبي والحرب على سورية: إن تعاون الإتحاد الأوروبي جنباً إلى جنب مع أمريكا في حرب يخوضها حلف شمال الأطلسي ضد ليبيا عام 2011، وكان المبرر لهذه الحملة الصليبية هو تحرير الشعب الليبي من دكتاتورية القذافي، آملين بذلك أن البلاد سوف تندمج وتصبح أقرب إلى "اتحاد من أجل المتوسط"، والحرب على سورية، كان "عذر" الإتحاد في مساعدة الجهاديين والمجموعات المسلحة هناك، من أجل تحرير الشعب من ما وصفوه بـ "دكتاتورية" النظام السوري معتقدين أن هذا النوع من المغامرات العسكرية من شأنه أن يعود عليهم بفوائد متعددة، ومن أجل مواجهة انتقادات أفعاله حول هاتين الحربين، نشر الإتحاد الأوروبي خطاباته الإنسانية في المنطقة، ولكن مع مرور الزمن تبين أن كلاً الحربين كانتا بعيدتين كل البعد عن الإنسانية، وهو الأمر الذي أسفر عن معاناة إنسانية حقيقية بدلاً من إغاثة هذه الشعوب، والأسوأ من ذلك، أنه بدلاً من تعزيز الأمن داخل الاتحاد الأوروبي، قاموا بإضعافه، ليتبين بأن مخططات الغرب في سورية هي بذور زرعت الفشل وحصدت الفشل والفوضى والعنف على نطاق واسع، وما رأيناه في أوروبا، وخاصة فرنسا التي شكلت جزءا من مظاهر ارتداد الإرهاب التكفيري نحو العمق الاوروبي. -الدلالات التي تنذر بقرب إنهيار الإتحاد الأوروبي: أ- إغلاق الحدود وإعادة السيطرة عليها، ووقف اتفاقية شينغن، وضعف الدعم السياسى لمؤسسات الإتحاد الأوروبي، بالإضافة الى أزمة اللاجئين، وما يعانيه قادة القارة من الضعف والإنقسام وعدم القدرة على طرح رؤية ذات مصداقية، كما أصبح الإتحاد غير قادر نهائياً على تقاسم المسئوليات. - تصدع الإتحاد ليس وليد اللحظة بل إن أزمات عديدة ساهمت فى وصوله إلى الحالة الآنية وكان بدايتها فى العام 2008 والأزمة الاقتصادية مروراً بالأزمة الأوكرانية، وأخيراً أزمة تدفق اللاجئين التى تهدد بنهاية الإتحاد، خاصة بعد وجود نية لوقف الاتفاقية التى تتيح حرية التنقل بين الدول الأعضاء. -تنبؤات الرئيس الأسد ومستقبل الإتحاد الأوروبي: ثار تصويت البريطانيين، على خروج بلادهم من الإتحاد الأوروبي، حالة من الجدل الواسع بين السوريين، فمنهم من أيد بريطانيا في قرارها ومنهم من عارض الفكرة ووضع سيناريوهات محتملة لتفاقم الأزمة على الصعيد البريطاني مستقبلاً، ومنهم من يرى أن لهذا القرار تأثير مباشر على أزمة اللاجئين السوريين العالقين على الحدود البريطانية. مع بداية الأزمة في سورية وقف الرئيس الأسد مخاطباً السوريين والعالم قائلاً "من يعتقد أن الأحداث الجارية في سورية ستبقى تداعياتها محصورة ضمن الجغرافيا السورية فهو واهم لأن ما خطط له من زرع للفوضى والإرهاب في سورية سيعم المنطقة بأسرها وتداعيات الأحداث الجارية ستكون كارثية على الصعد الإجتماعية والعقائدية والفكرية في العالم بأسره"، كما أكد الرئيس الأسد في آذار العام الماضي خلال لقائه بوفد حزبي بلجيكي بأن "أوروبا ستتفكك إذا سقطت سورية"، واعتبر ما قرره البريطانيون هو "انتصار" للنظام السوري ، مشدداً على أن "بعض الدول الأوروبية ترتكب خطأ فادحاً في تحالفها مع دول داعمة للإرهاب"، مضيفاً أن "سورية تشكل خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف والإرهاب، وهي الوحيدة التي تواجه الإرهابيين على الأرض، وإذا سقطت سورية إنهارت الدول الأوروبية". كما وصف الإعلام السوري تصويت خروج بريطانيا من الإتحاد بـ"الصفعة" للتكتل الموحد، ونصر لروسيا لأن تلك سياسة إنتهجها بوتين وتبنتها روسيا، ومن خلفه إنتصار لإيران وللنظام السوري، وبالتالي إضعاف تأثير واشنطن في دوائر صنع القرار الأوروبية وتقوية موقف الرئيس الروسي وتشجيعه على المزيد من التحدي للسياسة الغربية.
khaym1979@yahoo.com