2024-03-29 06:32 م

النكسة ما زالت آثارها مستمرة (4)

2016-07-04
بقلم: عبدالحميد الهمشري
كان للنصر الذي تحقق على الجيش الصهيوني في معركة الكرامة يوم 21 / 3/ 1968 على يد أبطال الجيش العربي الأردني وفصائل المقاومة الفلسطينية الأثر الكبير في بعث روح الحماس وإشعال روح المقاومة والتصدي للمحتل الغاصب .. فبعد أن اكتأبت النفوس وخارت القوى بعد نكسة حزيران وتساءل الناس عن أسباب ما جرى انتعشت الآمال وانبعثت الروح من جديد في الجسد العربي بعد هذه المعركة الخالدة ، وتولدت الثقة التي تزعزعت وكادت أن تؤدي بانهيار تام لمستقبل أمة بأسرها ، فكانت معركة الكرامة في أرض العزة والكرامة والتي مهدت الطريق لحرب الاستنزاف وحرب تشرين التحريكية في العام 1973 حيث برهنت للقاصي والداني أن هذا العدو من السهل بالإرادة والتصميم في حال وجود النية الصادقة للعمل ، هزيمته فلم يعد كما كان سائداً لدى قناعات الكثيرين بأنه الجيش الذي لا يهزم .. احتضنت الأمة بأسرها هذه المقاومة الفلسطينية والتحق بها عرب من مختلف الأقطار وكذلك من الشعوب الخيرة في هذا العالم ، لم يكن الانتصار الذي تحقق لكثرة بل بعزيمة رجال أبوْا الهوان فمرغوا أنف صلف عدونا وغروره بالوحل وتمكنوا رغم قلة الإمكانيات مقارنة بما يملكه العدو من إلحاق هزيمة بهذا الغاصب المحتل ، لم يكن يتوقعها إلا من خاضوها بإيمانهم المطلق بوطنهم وبعروبة أرضهم وقدسيتها رغم إدراكهم بأن وجود هذا العدو مرتبط أساساً بأطماع دول استعمارية تتحكم بالقوة والجبروت في مصير منطقتنا ، وأن الدعم المطلق من قبل تلك الدول لهذا العدو نابع من كونه قاعدتهم المتقدمة في شرقنا العربي الإسلامي.. والدروس المستفادة مما حصل في الكرامة أن التعاضد والتلاحم والإيمان بوحدة الهدف والمصير قولاً وعملاً هو الطريق الوحيد إلى تحقيق النصر على كل قوى الشر التي تتربص بالجميع وبلا استثناء وبسبر غور كل الفتن والأجندات الخارجية التي تتساوق مع مخططات العدو وتحاك في الدوائر المستديرة الغربية وفي كل محفل من محافلهم ولكل من يفكر بالسير على ذات النهج من كل الدول الطامعة والطامحة لبسط نفوذها الدائم على منطقتنا ، والأهم أن الإنسان العربي هو عامل النصر أولاً وأخيراً ، وأنه لن يعاد لوطننا العربي الكبير اعتباره إلا باحترام هذا الإنسان الذي كان مغيباً بقصد أو بدون قصد عن مسرح الأحداث .. وبدأ الترتيب للمقاومة الشعبية في الأراضي العربية المحتلة ، الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان السوري المحتل ، ولحروب استنزاف أرهقت العدو ، وأصبح هناك قناعة بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وقد كانت المقاومة الشعبية السند الأول لقوات العبور لجيش مصر البطل في سيناء يوم حرب العاشر من رمضان السادس من تشرين أول " أكتوبر" 1973حيث كانوا العيون التي ترصد تحركات العدو ومكان تجمعاته . ثقافة المقاومة في الأرض المحتلة ترسخت وامتدت جذورها لكل بيت بفعل تبني هذا النهج من دول الطوق العربي أولاً " مصر والأردن وسوريا ولبنان " ودول الإسناد في باقي الدول العربية خاصة العراق - الذي جرى تغييبه عن مسرح الأحداث باحتلاله من قوى التحالف الغربي ما أدى إلى تدميره وإشعال الفتن الطاتفية فيه تمهيداً فأنهي دوره ولو بشكل مؤقت بقصد وتعمد في الذود عن حياض الأمة من الأعداء المتربصين به إقليمياً في شرقيه والعدو الصهيوني في فلسطين ودولياً من دول العالم الغربي خاصة أمريكا - واحتضنت كذلك المقاومة الكثير من الدول الإسلامية والدول المؤازرة من الدول الصديقة والمناصرة للحق الفلسطيني والعربي ضد الهجمة الامبريالية والصهيونية الشرسة فتشكلت في سيناء منظمة سيناء العربية أعلن عن إنشائها وهو يفخر بما حققه الجيش العربي الأردني ورجال المقاومة الفلسطينية في أرض الكرامة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي أعلن بأن المقاومة الفلسطينية والعربية وجدت لتبقى وتستمر حتى تحقيق الانتصار على كافة مخططات أعداء هذه الأمة .. كان العدو يعتقد حين حرك دروعه ومشاته وطائراته إلى أرض الكرامة مجتازاً ضفة نهرالأردن الشرقية أنه ذاهب في نزهة ليفرض فيما سيحققه من مكاسب خلالها شروطه التي كان في قرارة نفسه أنه واثق من تحقيقها بفرض إرادته وإجبار المعتدى عليه لتوقيع صك الخضوع والاستسلام ، ففوجئ بإرادة صلبة وعزيمة صلدة لا تلين ، جعلته يجر أذيال الهزيمة والفشل في هذه المعركة ، وجعلت من يدعمونه يعترفون بأن ما لحق به في هذه المعركة من خسائر في المعدات والأرواح تفوق مجموع خسائره التي لحقت به في حرب السادس من حزيران " يونيو" أو ما أطلق عليها نكسة حزيران التي حسم فيه عدونا المعركة في أيام ستة فقط وأيقنوا بأن ما جرى قبل أشهر من هذه المعركة ما كان له أن يكون لولا التهاون في حجم المخاطر التي تحيط بدول المنطقة وضعف التخطيط والتخبط في اتخاذ القرار وغياب النهج الاستراتيجي في مجابهة تلك المخاطر والتي يمثل الكيان الصهيوني الركيزة الأساسية في وجودها وبأن الإنسان العربي لا يرضى بالذل والهوان والعبودية وأنه وإن كانت للباطل جولة فللحق في نهاية المطاف الغلبة ومحق هذا الباطل ، كما أيقن أعداء هذه الأمة بأن معركة لن تحسم الصراع الدائر ولن يثني من عزيمتها عن مواصلة المشوار ، مشوار النضال حتى تحقيق الانتصار . بطبيعة الحال ازداد التلاحم الذي كانت جذوره ممتدة منذ ما قبل المعركة إلى ما بعدها بين أخوة السلاح في الجيش العربي الأردني وفصائل المقاومة الفلسطينية ، وبدأت جموع الشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الأردن وكل الدول العربية بالالتفاف حول مشروع المقاومة وكانت هناك مواجهات يقوم بها السكان من مظاهرات ومصادمات مع جيش الاحتلال وأدواته تتخللها مواجهات بالسلاح طالت التجمعات السكانية في المدن الفلسطينية المحتلة في يافا وحيفا وتل أبيب وملبس والقدس بشطريها الشرقي والغربي والمغتصبات الصهيونية وغيرها من المواقع الصهيونية وكذلك في الأغوار غربي نهر الأردن. . وأخذت تلك المقاومة تنمو وتترعرع وامتدت أذرعتها لتطال مساحة فلسطين التاريخية كلها فكانت هبة يوم الأرض في 30 آذار "مارس" 1976 التي أطلق عنانها عرب الجليل من فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 احتجاجاً على محاولات دولة الاحتلال الاستيلاء على أراضيهم تمهيداً لإسكان مهاجرين صهاينة بها سقط خلالها العشرات بل المئات من الشهداء ، ناهيك عن آلاف من المصابين والأسرى الذين زج بهم في سجون الاحتلال ، وقد امتدت هذه المواجهات في هذا اليوم لتشمل كل فلسطين من بحرها إلى نهرها ومن شرقها إلى غربها ولا يزال يوم الأرض يجري الاحتفال به سنوياً في ذات المناسبة.. وبعد أن قام العدو الصهيوني بغزو لبنان ودخول قواته العاصمة بيروت من جزأيها الجنوبي والشرقي وحصاره للجزء الغربي عبر البحر غرباً والبر شرفاً وجنوباً حيث التواجد الفلسطيني والحركة الوطنية اللبنانية في بيروت الغربية وبعد 88 يوماً من القتال الدامي والشرس والحصار الشديد جرى ترتيب أمر خروج رجال المقاومة الفلسطينية من لبنان عن طريق البحر حيث جرى توزيع قياداتها وأفرادها إلى تونس واليمن بشطريه الشمالي والجنوبي آنذاك والجزائر والسودان.. اعتقد العدو الصهيوني أنه بابتعاد رجال المقاومة عن مناطق التماس في دول الطوق المحيطة بفلسطين أن الأمور قد دانت له ، لكن رياح المقاومة جرت بما لا تشتهي سفن الكيان الصهيوني ، حيث كان الترتيب لتأجيج المواجهات مع عدو لا يمكن تفكيك مخططاته والوقوف حائلاً أمامها إلا بالمقاومة الشعبية وبالعمل النضالي المسلح فكانت ولادة حركة المقاومة الإسلامية حماس في 14/1/1987 ومن ثم انتفاضة عام 1987 على ممارسات الاحتلال الهمجية ضد سكان الأراضي المحتلة في شطري فلسطين الضفة والقطاع ، وقد جرى الترتيب لها من قبل أسرى الحرية في سجون الاحتلال وبتنسيق متكامل بين قادة الميدان للوطن المحتل في الداخل والخارج، فانطلقت أولاً من غزة وفي ذات اليوم اشتعلت لتشمل جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة فكانت عارمة امتدت لكل الأحياء في المدن والقرى وكافة الريف الفلسطيني ، وقد لاقت دعماً شعبياً عربياً ونالت احترام الرسميين العرب وتأييدهم المطلق لها ، ونالت احترام العالم أجمع ووقف العدو مشدوهاً من ضراوتها خاصة أن وقودها هم أطفال الحجارة الذين ترعرعوا أو ولدوا في ظل حراب الاحتلال ، ولم تخبو جذوتها إلا بتوقيع اتفاق أوسلو الذي هو عبارة عن اتفاق سلام وقعته دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1993.. وهذا الاتفاق يعتبر منعطفاً في مسار القضية الفلسطينية حيث اعتقد في حينه بحسب ما أعلن أنه أنهى النزاع المسلح بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان العبري، ورتب لإقامة سلطة وطنية فلسطينية في الضفة الغربية وغزة حيث وقعه عن الجانب الصهيوني إسحق رابين وعن الجانب الفلسطيني الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات في البيت الأبيض الأميركي .. وقد بقيت الأمور تجري بصورة يمكن اعتبارها مقبولة حتى جرى اغتيال رئيس الوزراء الصهيوني اسحق رابين في 4/11/1995 من قبل متطرف صهيوني حيث استلم اليمين الصهيوني إدارة دفة شؤون الحكم في تل أبيب وانقلبت الأمور حيث تمادى العدو الصهيوني في صلفه وغروره وأصبح في حل من تنفيذ ما اتفق عليه في أوسلو وضاعف من اعتداءاته على التجمعات السكانية في فلسطين المحتلة وكذلك الاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية مقيماً مغتصبات صهيونية عليها وعلى الأماكن المقدسة الإسلامية خاصة المسجد الأقصى المبارك والتي كان أخطرها قد تمثل في قيام رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أرييل شارون في 28 /9/ 2000 باقتحام للمسجد الأقصى محاطاً بقوات كبيرة من جيش الاحتلال مما أشعل انتفاضة الأقصى المبارك التي سأتناول الحديث عنها في الحلقة القادمة والتي ستكون بعد عطلة عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمتين العربية والإسلامية باليمن والخير والبركات وقد تحررأقصانا من أسره وأشرقت شمس الحرية والتحرير على أرض فلسطين العربية وشعبها الأبي وكل جزء من أرض عربية محتلة من دياجير ظلام ونير الاحتلال وكل عام وأنتم بالف خير.