2024-04-24 07:47 م

الأسباب الخفية للصراع في سوريا!!

2016-07-13
ترجمة :عقيل الشيخ حسين 

الكاتب :    Alexandre Aoun
عن موقع        Agoravox الالكتروني
انحلت عقد الألسن، وانفلتت الأهواء العاصفة من عقالها، والخبراء التافهون تكاثروا حول هذا الموضوع المعقد. لنعد منذ الآن إلى جوهر هذا الصراع، أي إلى معرفة الأسباب التي غالباً ما يتم تجاهلها عن سابق قصد وتعمد.
بين العام 1920 والعام 1946، كانت سوريا محمية فرنسية وشهدت في تلك الفترة عملية توزيع طائفي واسع النطاق على المستوى الإقليمي. فقد تكونت سوريا في ظل الانتداب الفرنسي من كيانات سياسية متمايزة هي: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة جبل الدروز، والدولة العلوية، وهي الدول التي أضيف إليها سنجق اسكندرونة (تخلت عنه فرنسا لصالح تركيا عام 1938 لضمان حيادها في الحرب العالمية الثانية). وكانت هذه السياسة الفرنسية سبباً دائماً لاحتدام التوترات بين الجماعات السكانية.
بعد الاستقلال في العام 1946، تم النظر إلى سوريا على أنها بلد ضعيف من حيث هي دولة. ولهذا، تكاثرت حولها المطامع الأجنبية.
وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده حافظ الأسد عام 1970، أصبحت الأقلية العلوية (أحد فروع التشيع) أقلية حاكمة في بلد تعيش فيه أكثرية سنية. هنالك إذن توترات طائفية متصاعدة. لكن الأسد قاد البلاد بالكثير من الحزم تحت راية حزب البعث، وهو حزب شاء لنفسه أن يكون طليعة للتغيير في المنطقة بهدف الانتهاء من فترة الإذلال الاستعماري. والحقيقة أن شعار "وحدة، حرية، اشتراكية" يستند إلى الإيديولوجيا القومية العربية التي اعتمدت من قبل جمال عبد الناصر.

توزيع إتني وديني في سوريا

وبعد ثلاثة عقود من حكم الأسد الأب، استلم الحكم بشار الأسد عام 2000، وكان بشار أقل صلابة من أبيه، حيث أنه طرح نفسه بشكل أساسي كإصلاحي يريد النهوض بالبلاد اقتصادياً وسياسيا.
لكن التوترات بين الجماعات المختلفة كانت قد بدأت تفعل فعلها في كامل المنطقة.
إن هذا الصراع يشكل المركز العصبي للمشكلات الدولية. ولهذا، فإنه يفسح المجال أمام ظهور دراسات منحازة وتبسيطية في الأعم الأغلب. علينا إذن أن نخرج من هذا السبات الذي لا يرى غير اللونين الأبيض والأسود، وأن نحاول إجراء تحليل دقيق ومحدد لأسباب الصراع.

السبب البيئي
 لم يلتفت أحد إلى هذا السبب مع أنه حاسم على الأقل عند بداية المشكلة. فخلال العقد الممتد من العام 2000 إلى العام 2010 ، تعرضت سوريا لموجة جفاف قاسية، خصوصاً في شرق البلاد (الحسكة، دير الزور، الرقة، والمنطقة الشرقية من محافظة حمص). كانت النتائج كارثية على مستوى الزراعة، وعلى مستوى السكان الذين يعيشون من العمل في الأرض. وعلى هذا، كانت سوريا مجبرة على استيراد الكثير من المؤن الغذائية لمواجهة هذه الأزمة. وقد هاجر الكثيرون هرباً من الأزمة وأملاً بالعثور على عمل في المدينة. وكانت هذه الهجرة من الريف عنصراً مفجراً للتوترات الداخلية. وقد عمد الرئيس بشار الأسد إلى اعتماد إصلاحات اقتصادية بهدف نزع فتيل الأزمة. ولكن النتائج لم تكن مضمونة في وقت أصبحت فيه التحركات الاحتجاجية أكثر انتظاماً في المدن السورية الكبرى.

الأسباب الاجتماعية
 يبلغ عدد سكان سوريا 22 مليون نسمة، تسعون بالمئة منهم مسلمون وعشرة بالمئة مسيحيون. 17 بالمئة من المسلمين هم علويون ما زالوا يسيطرون على القسم الأكبر من الهيئات الحكومية رغم عملية الدمقرطة التي دخلت فيها البلاد خلال الفترة الأولى من عهد الرئيس السوري.  
 لذا، فإن الأغلبية المحكومة ترغب في الحصول على تمثيل أفضل داخل الحكومة السورية. وللتوصل إلى صيغة توافقية، اقترح الرئيس الأسد عدداً من الالتزامات بهدف تهدئة المتظاهرين، ولكن هؤلاء اعتبروا هذه التعهدات غير كافية. وبدفع من "الربيع العربي" الذي لم يكن ربيعاً على الإطلاق، شعر المتظاهرون بأن الظروف مؤاتية وأنهم يتمتعون بالقدرة على التأثير من خلال الشبكات الاجتماعية وتظاهرات الشوارع. ثم اصبح الوضع أكثرتشنجاً مع تصاعد الانتقادات الموجهة إلى النظام. ومن هذا الوضع غير المستقر، استفادت القوى الخارجية وبدأت بالتدخل منذ بداية هذا الصراع الدامي وذي التداعيات الكارثية على الاستقرار في المنطقة.

أسباب جيوسياسية
وسواء شئنا أم أبينا، فإن بشار الأسد غير محبوب في المنطقة. فهو عدو لدود لإسرائيل ولم يتوقف عن تقديم الدعم المالي إلى حماس، وفوق ذلك ساند حزب الله خلال [وقبل] التدخل الإسرائيلي في لبنان عام 2006. وقد سعت الحكومة الصهيونية لاختيار معسكرها منذ بداية الصراع في سوريا. والواقع أن كثيراً من "المتمردين" المنتمين إلى جبهة النصرة  قد عولجوا من قبل الجيش الإسرائيلي وفي المستشفيات الإسرائيلية.
كما ارتفعت حدة العدائية بين سوريا وبلدان الخليج، حيث خافت ممالك النفط من النفوذ الإيراني في المنطقة. وهكذا، عمد الخليجيون إلى تقديم الدعم المالي إلى المتمردين السنة خلال الفترة الأولى من الصراع.

أما الغربيون التابعون للولايات المتدة والمعتادون على الخطاب المزدوج، فقد ضغطوا على بشار الأسد للقيام بالمزيد من الإصلاحات. وفي الوقت نفسه، قدموا المساعدة إلى المتمردين (لوران فابيوس وقوله بأن "جبهة النصرة تقوم بعمل جيد".
البلدان الوحيدة التي تقيم علاقات جيدة مع النظام السوري هي بالطبع إيران التي تسعى إلى إقامة هلال شيعي يمتد من طهران إلى البحر المتوسط، وحزب الله الذي يرسل المقاتلين إلى الجبهة السورية بهدف منع تقدم داعش نحو لبنان. ولا ننسى روسيا، الصديق القديم لآل الأسد منذ الحقبة السوفياتية. ثم إن روسيا تعتبر وصولها إلى مرفأ طرطوس والقاعدة الجوية في اللاذقية من الأمور ذات القيمة الرمزية. لكن الرهانات أكبر بكثير حيث أن الصراع في سوريا هو، بالنسبة لروسيا، وسيلة لتذكير العالم كله بأنها قد عادت بقوة إلى المسرح الدولي. والواقع أن المحور الروسي-الإيراني يقف بشكل متكافئ في وجه المحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. وهنا، تختلف المصالح رغم المفاوضات التي تظل بلا نهاية لأنها تشكل ستاراً لحق التدخل.

أسباب اقتصادية
عندما نعرف قيمة المصالح الاقتصادية في صراع معين، لا يمكننا أن نمر على هذا الصراع دون التوقف أمام تلك المصالح. فالمال هو عصب الحرب، وهذا القول المأثور المتوارث منذ بداية العالم ما زال يحتفظ بكل معناه. ففي العام 2010، اقترحت ممالك النفط  على سوريا إقامة خط للأنابيب يمتد من الإمارات والسعودية عبر الأراضي السورية وصولاً إلى تركيا بغية تزويد أوروبا بالغاز.  إنه مشروع مربح إلى حد كبير لكنه لا يأخذ بعين الاعتبار اقتراحاً إيرانيا مضراً بعملاء السعودية. فإيران تريد هي أيضاً بناء خط للأنابيب يصل عبر سوريا إلى السوق الأوروبية دون المرور بتركيا. وقد وافقت دمشق على المشروع الإيراني عام 2011، وقد ترافق ذلك مع بدء الصراع في سوريا (هل كان الأمر مجرد مصادفة ؟).

وبذلك، ذهبت من أيدي الخليجيين وتركيا أرباح ضخمة، فتحالفوا جميعاً ضد دمشق، وكثفوا دعمهم للمتمردين عبر مساندتهم عسكرياً ومالياً. وقد استفادت تركيا من حالة عدم الاستقرار المزمنة فعززت حربها ضد الأكراد الذين كانوا قد أصبحوا أكثر ميلاً للمقاومة.

أسباب الأزمة السورية يكتنفها الغموض، كما أنها مجهولة في الغالب من الرأي العام الذي يقتنع بسهولة بعمليات الشيطنة السياسية والإعلامية. فالواقع أن وسائل الإعلام التي تعمل في خدمة السياسات العدوانية تعمد باستمرار إلى الافتراء على النظام السوري وحلفائه. لذا علينا ألا نسقط في فخ القراءة الطائفية للصراع لأن أهل السنة في سوريا لم يثوروا كلهم على السلطة الحاكمة ولم ينضموا إلى صفوف داعش، بل إن الذين فعلوا ذلك هم أقلية نشطة يتم تحريكها من الخارج.
سوريا أصبحت شاحبة في هذه الأيام بعد أن كانت مفخرة الشرق الأوسط. وتوسع الصراع ينذر بحرب بلا نهاية في المنطقة. لقد تمكنت الأطماع الخارجية من تدمير البلد. فبالاتفاق مع بلدان الخليج، يقوم الغربيون بتسليح المتمردين الذي يقاتلون الآن من أجل إقامة الدولة الإسلامية. وآخر التطورات في هذا المجال هو قيام الولايات المتحدة بإرسال 2500 جندي أميركي لتدريب المتمردين، وذلك في تحد للسيادة السورية. وبذلك يكونون قد أقاموا رأس جسر للتدخل.
هذه الحرب هي كل شيء عدا كونها حرباً أهلية. والتقاء المصالح الاقتصادية والاستراتيجية يدفع بعض القوى الإقليمية والغربية للانحياز إلى صف المتمردين.
وتحت غطاء مكافحة الإرهاب، يلعب الغربيون لعبة مزدوجة غاية في الخبث. فهم يستغلون أزمة اللجوء التي نجمت عن الصراع، وهي أزمة غير مسبوقة تستحث المشاعر الحميدة، لإثارة نقاشات تتراوح بين خطابات حقوق الإنسان وخطابات الهوية.
أما مدة الصراع وقدرة المتصارعين على الاستمرار في الحرب فينتجان عن هيمنة العناصر الخارجية التي تغذي هذه الفوضى خدمة لمصالحها الخاصة.
المصدر: موقع "العهد" الالكتروني