2024-04-25 01:08 م

جنوب السودان في ربيعه الدامي

2016-07-17
عقيل الشيخ حسين
لم يكد جنوب السودان يحقق انفصاله عن الشمال بدفع معلن من قبل قوى الهيمنة، حتى دفعته هذه القوى إلى حرب أهلية مدمرة على طريق تحويله إلى أرض محروقة تمهيداً للاستيلاء على ما يمتلكه من ثروات في مجالات المياه والنفط وغيرهما...
لجنوب السودان ربيعه أيضاً. وقد بدأ هذا الربيع مع استفتاء كانون الثاني/يناير 2011، حيث صوت سكانه بشكل كاسح لصالح الانفصال عن السودان، ثم أينعت أزهار ذلك الربيع إلى أبعد حد مع الاستقلال التام في تموز/يوليو من العام نفسه. حيث تم الإعلان عن ولادة "جمهورية جنوب السودان" بعلمها الذي -ربما لأن ثورتها كانت ثورة ملونة إلى حد بعيد- تشعشع فيه ألوان سبعة حول نجمة صفراء.   
آمال عريضة
السنتان الأوليتان من عمر هذه الجمهورية مرتا بسلام. وسط ابتهاج الدوائر الإمبريالية، الغربية والإسرائيلية، وانشراح الأنظمة والأجهزة والمؤسسات العربية التي تدور في الفلك السعودي والخليجي. وكان ذلك طبيعياً جداً، لأن نظام عمر البشير كان ما يزال قريباً يومها من محور التحرر والمقاومة...
وأيضاً، وسط الآمال العريضة للسكان بمستقبل زاهر في ظل الرفاه الاقتصادي والحرية والديموقراطية وما إلى ذلك من مكاسب موعودة.
وبعد السنتين، ظل الفرحون والمنشرحون على فرحهم وانشراحهم، بل ازدادوا فرحاً وانشراحاً لأن الأمور كانت تسير في جنوب السودان وفق ما يشتهون وبحسب ما يقتضيه مخططهم الجهنمي الهادف بعد تمزيق السودان، إلى تمزيق جنوب السودان.
 ففي تموز / يوليو 2013، عمد رئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت، إلى إقالة نائبه رياك مشار من منصبه كنائب للرئيس مع عدد كبير من قيادات الصف الأول في «الحركة الشعبية لتحرير السودان».
من يشعل الحرب في جنوب السودان؟
وبهذا أصبحت الأجواء ممهدة لإندلاع الحرب التي قسمت جنوب السودان إلى معسكرين متحاربين اعتباراً من كانون الأول / ديسمبر 2013 محولة ربيع الجنوب السوداني إلى فصل كالح وعامر من جميع الجهات بالجثث وألوان الدم والدمار والمآسي.
قتل عشرات الألوف من السكان وتم تهجير مئات الألوف، في القتال الذي اندلع بين أكبر قياديين في الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي ذراعها المسلح المعروف باسم الجيش الشعبي. وكان هذا الجيش قد قاتل الجيش السوداني لمدة عشرين عاماً، في إطار تحركات انفصالية دامية حرض عليها البريطانيون منذ خمسينات القرن الماضي، أي بالتزامن مع استقلال السودان عن الاستعمار البريطاني في العام 1956.
حرب جديدة
وقد تواصلت المواجهات المسلحة لمدة عام ونصف، وانتهت في آب/أغسطس عام 2015 باتفاق لوقف إطلاق النار تم توقيعه في الخرطوم. وبموجب الاتفاق، عاد  مشار إلى جوبا واستلم منصبه القديم كنائب للرئيس، وأعقب ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية.
لكن ذلك لم يكن كافياً لعودة الاستقرار إلى جنوب السودان. ففي أوائل تموز/يوليو الحالي، وقع اشتباك في جوبا بين قوات موالية لسلفاكير وقوات موالية لمشار قتل فيها العشرات. ثم انتقلت المواجهات إلى مناطق أخرى وسط مطالبات دولية بوقف إطلاق النار واتهامات بأن المتحاربين يرتكبون جرائم حرب في جنوب السودان.
وتشير الأخبار الواردة إلى أن الهدوء قد عاد حالياً إلى العاصمة بعد اتفاق على وقف لإطلاق النار. لكن الواضح أن هذا الاتفاق وغيره من الاتفاقات السابقة ليست غير محاولات لالتقاط الأنفاس والعودة مجدداً إلى الاقتتال. لأسباب منها التنازع المفتوح على السلطة بين قادة يتعرضون، فوق ذلك، لضغوطات داخلية من أمراء حرب  يسيطرون على عشرات الميليشيات التي يتشكل منها الجيش في جنوب السودان. وضغوطات خارجية تصدر عن دوائر الهيمنة الدولية والإقليمية، وفي طليعتها الكيان الصهيوني وأنظمة الخليج(الفارسي)، خدمة لأهداف استراتيجية على صلة بثروات الجنوب في مجالات النفط والمياه والأراضي الزراعية والغابات والمناجم وغيرها.
وبالطبع، فإن دوائر الهيمنة التي تؤجج هذا النوع من الصراعات  في المنطقة تحت عناوين طائفية أو إتنية، تعيد ما يجري في جنوب السودان إلى صراعات بين  عشرات القبائل التي يتكون منها النسيج الديموغرافي في البلاد. وهي تتناسى في ذلك، أن هذه القبائل التي يتكلم أفرادها بمئات اللغات يحدث لها أحياناً أن تتصارع لما لا يحصى من الأسباب، لكنها كانت متحدة بوجه عام طيلة العقود التي كانت المؤامرات الدولية والإقليمية مركزة على زرع الفتنة بين جنوب السودان وشماله. وعندما تحقق الهدف الانفصالي، تركزت الجهود على تفتيت جنوب السودان، وهو الأمر الذي يبدو أنه يتجه بنجاح نحو الغاية المرسومة.
وليس من قبيل الصدفة أن تتعرض القوات الصينية العاملة في قوة حفظ السلام لقصف أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. فدوائر الهيمنة التي تعمل على تحويل جنوب السودان ومناطق أخرى في إفريقيا إلى أرض محروقة، تخشى بوجه خاص من توسع النفوذ الصيني في القارة السوداء، خاصة وأن الإستثمارات الصينية غالباً ما تتفوق على الاستثمارات الغربية نظراً إلى كون الاستغلال والجشع هما سمات أساسية للإستثمارات الأخيرة.         
عن موقع "العهد" الالكتروني