2024-04-19 10:47 م

الأسد يُحكم تطويق حلب

2016-07-19
بقلم: ميشيل كلاغاصي
عجبا ً..ً فلا يزال الباحثون والدارسون يُبجلّون إكتشاف كريستوف كولومبوس القارة الأمريكية , أو من سبقه إلى ذلك ؟ في الوقت الذي تجوز عليه اللعنات , فما من شرّ ٍ أصاب البشرية كذاك الذي عبر اّلاف الأميال وخادع تمثال الحرية , ليضرب أعناق الناس و يقطع رؤوسهم و يقدمها أضاحي ل" إله ٍ" يقتل و يزني و يسرق و يتحكم بحياة و مصائر الشعوب . ففي لحظة ٍ تاريخية ... تحول النظام العالمي ثنائي القطب إلى نظام ٍ أحادي , أعطى منفذي و مخططي مشروع السيطرة على العالم الفرصة للدفع به كنظام ٍعالمي جديد , يقوم على ركيزتين ونظامين الأول عسكري والثاني مدني يُفرض بالقوة .. إذ لم يتوان الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في الإعلان عن انطلاق المشروع في 21-1-1991 تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية .... لقد دفع انهيار الإتحاد السوفيتي جيوشه إلى الانسحاب من دول أوروبا الشرقية , ولقيام حكومات ٍ تعتمد الأنظمة المدنية فيها على نظام السوق بنكهة " الديمقراطية الغربية " .. و على حطام و رواسب النزعات القومية والعرقية .. لقد أراد المخططون أن يبدو الأمر على أن النظام الجديد يولد من رحم الواقع , و من تلقاء نفسه .. و أصبح أمرا ً راهنا ً سواء أعلنه بوش أم لم يعلنه .. فقد تربعت أمريكا على العرش كقوة ً عظمى ووحيدة , و أناطت بحلفائها و بالأمم المتحدة مهمة خدمة مشروعها و سياساتها و مصالحها .. و منحها الموافقة على القيام بعمل ٍ عسكري ضد أي دولة عضو في هذه المنظمة العالمية .. في ما هو اّت ..؟؟ . يقول " ديك تشيني " وزير الدفاع الأمريكي السابق بعد حرب الخليج :" لقد تغيرت صورة العدو القديم " .. إذ يقصد الصراعات العربية – العربية عوضا ً عن الصراع العربي – الصهيوني.. و كأنه يصف المشهد الحالي في هذه الأيام !. لقد اعتقدت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحربان العالميتان الأولى والثانية والباردة, أنه لا بد لفرض " الأمن " في النظام العالمي الجديد من اتحاد العالم وراء سياستها الخارجية.. والتي يتبلور دورها في خلق الاستقرار الدولي الجديد بقوة السلاح .. انطلاقا ً من اعتماد اقتصادها وحلفائها على النفط , و ضرورة إمداد الحلفاء الصناعيون به .. باعتبار أن النظام الجديد اقتصادي و رأسمالي بإمتياز .. إذ يعتبر ذلك تغييرا ً جوهريا ً عن نهجها السابق الذي اعتمد على مبدأ الردع و درء الأخطار. لقد قدمت نفسها كشرطي و كقائد عسكري لدول العالم .. عبر مقايضة الأمن العسكري و الاستقرار السياسي " الجديد " بعد خلخلة و هز ّ الأنظمة السابقة .. و أنه على حلفائها دعمها ماليا ً لتوسيع جهازها العسكري لضمان كسب المعارك, مقابل استمرار تقدم الحلفاء الصناعي و الاقتصادي.. دون المس بمكانتها المالية و الاقتصادية . لقد كان دائما ً على هيئة الأمم المتحدة, و من خلال بنود ميثاق تأسيسها حث ُّ الدول الأعضاء على إيجاد الحلول للمشاكل .. و مطالبتها بتجنب الأعمال العسكرية و الحربية . و لكن .. ما حدث فعليا ً , أنه تم خرق الميثاق الدولي بشكل فاضح ٍ و سافر ٍ .. و تم وضع حجر الأساس للشراكة " المتوحشة " , حيث يحصل الحلفاء – الأعضاء الدائمين – على مكاسب اقتصادية و سياسية , بعد لجوء الدولة العظمى إلى استعمال القوة العسكرية المفرطة. فلم يعد من الضروري – من وجهة النظر الأمريكية - استخدام الأسلحة النووية أو الكيميائية أو الجرثومية لكسب المعارك .. إذ أصبح من الممكن انتزاع سلاح أي بلد ٍ يمكنه أن يهدد الاستقرار الإقليمي أو الدولي ويشكل خطرا ً على إمدادها وحلفائها بالنفط والطاقة.. لتقوم القوة العظمى بانتزاعه منه بالقوة ( العراق ). كما أن سياسة الحصار و العقوبات و منع بعض الدول من الحصول على السلاح أثبتت فشلها.. و حصل ما لم يكن بالحسبان .. إذ شجّع ذلك على التطور الذاتي و النجاح في إنتاج و تصنيع السلاح ذاتيا ً ( الصين, إيران, كوريا الجنوبية, سورية و .....الخ ) .. و ساعد هذه الدول على القيام بخطوات ٍ ديمقراطية هامة .. و لم يعد بإمكانها هزُّ أو ضرب نظامه المدني . كما اتبع الأمريكيون سياسة تدمير البنى التحتية والإجتماعية والإقتصادية بالقوة العسكرية ( لبنان حرب تموز 2006 , وحروب " الربيع العربي " خاصة ً في سورية و العراق و ليبيا و اليمن ) .. و من ثم وضع تلك الدول تحت رحمة و وصاية البنك الدولي عبر مؤتمرات الدول المانحة و مؤتمر باريس 1 و باريس 2 الخاص بلبنان.. أو إعادة الإعمار لغير دول. لقد كانت سورية جريئة و ذكية و قوية .. إذ طرحت و تحت الحصار و العقوبات و الحرب الكونية .. مشروع إعادة الإعمار سوريا ً و بالقدرات السورية الذاتية. لقد أدخلت الولايات المتحدة الأمريكية العالم في دوامة عصرها الجديد – عصر الحروب – و حولتها من حروب باردة إلى ساخنة.. و أرادت أن تجر ّ إليها دول العالم . لقد كانت الحرب على سورية ستُشكل ضربة ً قاصمة إلى أغلب دول العالم – فيما لو نجحت – لكن ذكاء القيادة السورية و حنكتها و صمود شعبها و بسالة و قوة جيشها.. أوقف المشروع الكبير , و كان دافعا ً لبعض الدول الكبرى ( روسيا , الصين ) أن تُركّز سياستها على دعم و حماية النظام العسكري و المدني للدول المستهدفة عن طريق : 1 – اعتمادها لحظة ً مناسبة للوقوف في وجه القوة العسكرية الأمريكية ( روسيا الاتحادية ) .. و إعلان انتهاء القطبية الواحدة. 2 – التركيز على إصلاح المؤسسة الأممية, و حثها على الالتزام ببنود ميثاقها – ما أمكن – لحين انتهاء الحرب و تكريس النصر السوري نهائيا ً. 3 – دفع الدول في المنظمة الدولية للإهتمام بالإصلاحات الداخلية,وتحصين مجتمعاتها و التمسك بالديمقراطية. 4 – التكاتف و إحاطة سورية بكافة أشكال الدعم .. بإعتبارها ميزان الهزيمة أو النصر لمحور المقاومة, و لدول العالم الحر ّ و المتمدن. 5 – دعم الدول المستهدفة في منطقة الصراع المركزي في الشرق الأوسط .. " لبنان , إيران " : * فالأول عبر انتشاله من براثن مهلكة الدعم المالي - السياسي الأمريكي و السعودي " المشبوه , و صفقات التسليح العسكرية المشروطة والتافهة والكاذبة. * و الثاني..عن طريق دعمه في قضاياه المحقة ..كحفظ استقراره الداخلي , وأمنه الإقليمي , وحقوقه المشروعة في امتلاك الطاقة النووية السلمية .. لم يكن اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على مخططات و خرائط و حدود سايكس – بيكو1 , ليس إلاّ خطوة ً مرحلية لتكريس أركان النظام العالمي الجديد .. انطلاقا ً من نتائج حروب هذه المرحلة و الوصول إلى سايكس- بيكو 2 ... عن طريق هز ّ استقرار دول المنطقة, و إجبارها على دفع ثمن استقرارها " المشوه " الجديد. فلا ينتظر أحدكم مشاريع التشظي والتقسيم و الخرائط الجديدة .. بل راقبوا الأثمان التي ستدفعها شعوب و دول المنطقة مقابل استقرارها و خاصة ً السعودية و تركيا و الأردن .. في معارك تحضيرية و استباقية لحربها الكبرى القادمة والتي تستهدف الدولة الروسية القطب المزعج العائد في الوقت غير المناسب , وحليفه الصيني القوي و الذي تدين له بما لا تستطيع ولا تريد سداده. وهاهي تركيا تتعرض لهزة قوية , عبر محاولة إنقلاب ٍ عسكري غامض , تكلل بالنجاح الأولي الساحق و الذي ما لبث أن إنعكس فشلا ً عسكريا ً و مدنيا ً بطريقة ٍ دراماتيكية عكست ذهول الشارع التركي و متتبعي الإنقلاب و المتحمسين له في الداخل التركي والإقليم و العالم , و إذ لا يملك العالم أدلة ً أكيدة – حتى الآن - على تدّخل الولايات المتحدة الأمريكية , و إنقاذ عبدها أردوغان وأداتها الإرهابية الاقوى , و لم تأبه لمصير و حياة الشعب التركي كحد ٍ أدنى , ناهيك عن أدواره السيئة تجاه كافة دول الجوار و دول الإتحاد الأوروبي , و لم تأبه لتحويل تركيا إلى دولة "رابعة " الإخوانية , و تمكين أردوغان من تقليم أظافر المؤسسة العسكرية و القضائية و سمحت له بوضع كامل تركيا في سجن " العدالة و التنمية " .. و تداعيات ذلك على المشهد المحلي و الإقليمي و العالمي , أعتقد أنها أرادت إحداث هزة ٍ تركية تُفضي لضمان استمرار الدور الأردوغاني بما يضمن قدرتها على متابعة الحرب و الصراع الدولي في سوريا و على سوريا , إذ لا يمكنها أن تتجاهل مدى الإحتقان و إرتفاع منسوب الخطر الذي يحيق بأهم أدواتها , و الذي يؤدي سقوطه إلى هزة معاكسة و مدمرة لسياستها في الشرق الأوسط و في غمار الحرب الكونية , لعلها ارتضت تحويل أردوغان إلى بطل أسطوري و تحت نعالها , و لن تقبل بالهزيمة الفورية و الإستسلام أمام الرئيس الأسد و تحت نعاله . أما نظام اّل سعود فقد بلغ من الضعف ما جعله يحفر قبره بيده , و يحمل أكثر مما يحتمله ظهره كبعير صحراء أنهكته الدوامة الأمريكية ليحط في الحضن الإسرائيلي دون حراك , بإنتظار معرفة مصيره المجهول . أما العرش الأردني الذي لا يحتمل هز استقراره , فقد يأمل أن يُناط به دور ٌ جديد يسعى لإعادة ضخ الدم العربي في عروق ٍ أصيلة ٍ , تألمت بصمت لما أبصرت على الساحة الفلسطينية و السورية خصوصا ً , وقد يفضل إغلاق عينيه لحين إنتهاء كافة الإهتزازات. أما جديد سايكس–بيكو2 فقد عمد إلى هزّ استقرار راسميه و مبدعيه الأوروبيين , فجعل بريطانيا تهرب إلى الأمام و تهدد القارة بخروجها من إتحاد دولها , فيما يتألم الفرنسيون بصمت و يجترون مرارة خوفهم من جولات الإرهاب القادمة , في حين يبحث الألمان عن موطىء قدم ٍ بين العداء و الصداقة مع الدولة الروسية . دونما شك .. تبدو ملامح نهاية المرحلة الحالية تضع بصمتها في ستاتيك ٍ سياسي و ميداني للصراع الدولي في الساحة السورية , بعد استنفاذ الوقت و الفرص والجولات الإرهابية التي تكاد لا تنتهي , واعتماد الرئيس باراك أوباما إستراتيجية " اللاستراتيجية ".. و استنزاف الدولة السورية على أمل إضعافها لدرجة ٍ تكون فيها مستعدة لدفع ثمن استقرارها " المشوه " الجديد.. و تقبل بإملاءاتها و تصوراتهم في جنيف 1 ( هيئة حكم انتقالية ) و ما تلاه من نسخ ٍ غير مكتملة . لكن الدولة السورية في نهاية هذه المرحلة تبدو أكثر ثباتا ً و صمودا ً, و قدرة ً على فرض استقرارها النابع من نصرها السياسي – الميداني.. و ها هي الاّن تراقب ارتباكهم , و تدرك أن استقرارا ً مشوها ً ينتظر كل من اعتدى و تاّمر عليها .. و قد تستفيد بعض الدول العظمى من النصر السوري بحفظ ماء وجهها, فيما يتوجب على بعضها الاّخر تحصين نفسه مهما كان عليه من قوة ٍ ورفعة شأن ٍ. أعتقد أن سوريا قد عبرت النفق , و قادها الرئيس الأسد لضرب أوتاد نصرها النهائي في أرض حلب قلعة الشمال السوري , خصوصا ً بعد سيطرتها الكاملة على الكاستيلو و مدى تأثير ذلك على محاصرة الإرهاب و الإرهابيين في حلب .. وعلى كل المستهدفين خاصة ً الدولتان الروسية و الصينية أن يُحسنا الدفاع عن أوطانهم , وعلى الرئيس بوتين أن يُهيئ سبل الفوز , و بشجاعة و جرأة ٍ أكبر على الأرض السورية , لأجل شعبه وشعوب العالم قاطبة ً في الحرب اللا أخلاقية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية لإخضاع الكون و العنصر البشري لإرادة الشرّ الأكبر. و ستبقى سورية العظيمة قيادة ً و جيشا ً و شعبا ً نموذجا ً عالميا ً للبطولة و التحدي و التضحيات و النصر.. فلن تمر ّ مخططاتهم .. و ستبقى في أذهانهم أضغاث أحلام .. تدق في رؤوسهم كوابيس ليلية , و لهيبا ً أحمرا ً متوهجا ً يحرق إرهابهم و أدواتهم .. ولن ترض أن يكون زماننا صهيو – أمريكيا ً ... بل سيبقى سوريا ً , تدور في فلكه الأمة العربية و دول المنطقة و حتى العالم.