2024-04-25 01:13 ص

الحقيقة الدامغة في الانقلاب العسكري التركي!

2016-07-22
بقلم: إيهاب شوقي
لسنا من انصار اضاعة السطور وبالتالي وقت من يتفضل بالقراءة في توجيه النقد لزملاء من الكتاب والصحفيين والباحثين، ولكن هناك ضرورات تبيح هذه المحظورات. وهذه الضرورات تتعلق بالبلبلة وتشتيت الذهن وحرف البوصلة وفقدان الثقة فيمن يكتبون كاشخاص بعينهم او في مهنتهم بشكل كلي. لهذا وبدون اطالة، فهي دعوة للتمهل ولاحترام القارئ وللانضباط والالتزام وتسمية الامور بمسمياتها، اي وضع فوارق بين التحليل والتقرير وبين الاستنتاج والمعلومة واستخدام اللغة المناسبة لذلك. ولعل الانقلاب التركي والذي لابد من التحسب والاحتياط كثيرا قبل وصفه بـ"الفاشل" كان مثالا لاذعا لذلك، حيث سارع الكثيرون بوصفه بالفاشل، في حين ان اردوغان نفسه يقول ان خطره قائم، وانبرى الكثيرون ومنهم اساتذة كبار في عالم التحليل والرصانة والموضوعية في تحليل اسباب فشله. وقد يقول قائل ان اردوغان واجهزته لهم ان يقولوا ما يحلو لهم ، وانهم يقولون ذلك لتبرير التصفية السياسية للخصوم وتسويغ اجتثاث المعارضة والاستيلاء الكامل على السلطة ومفاصلها واجهزتها، وهو قول وجيه، وقد يكون صائبا، لكن مجرد احتمال صدقه وخاصة وان هناك شواهد تؤيده، هو بمثابة اجبار على التمهل والتريث ولا سيما ان المعلومات المحجوبة اكبر كثيرا من المعروفة، كما ان هناك احتمال لان تكون الصور المصدرة للمقبوض عليهم والمنكل بهم بوصفهم قادة للانقلاب هي صور لمن هم مطلوبون للتصفية وان الانقلاب له قادة اخرون، وهذه الصورة المصدرة لارهابهم ولصرف الناس عن الالتحاق بهم، ولصرف اخرين من الجيش عن محاولة التفكير في اكمال الانقلاب، والا لماذا تنفذ هذه "المجازر" الجماعية في الاعتقالات؟ اليس هذا احتمال وارد؟ الا يكفي وجوده للتريث الى ان تكتمل الصورة؟ هناك حقائق يمكن الاتفاق عليها لانها اكتسبت هذه الصفة من الممارسة ولان العقل يرفض غيرها، ولكن هناك التباسات لا ينبغي تجاهلها والجزم بصحة احدها دون الاخريات. ولعل التداخلات الكثيرة في حقائق الوضع التركي هي التي ادت للالتباسات. ومن هذه الحقائق، ان اردوغان ديكتاتور كبير، ويسعى لفرض هيمنته بالكامل هو وحزبه وجماعته الاخوانية على جميع مفاصل السلطة في الداخل، ويسعي لتوسيع نفوذه وتمدده امبراطوريا في الخارج، وهو دأب السلاجقة والعثمانيين، ولم يبرز منه ما يخالف هذه السنة وما يدعو للقول ولو كمجرد احتمال انه استثناء من ذلك، بل يتأكد ذلك يوما بعد يوم ولا سيما بعد بدء الانقلاب، وما صاحبه من مظاهر ولغة خطابية واجراءات على الارض. وهو ما يخلط الامور بين كون الانقلاب داخلي وبين هوية المنقلبين، كماليين علمانيين ام اكراد وعلويين ام اتباع كولن، ام تحالف بينهم صنعته الضرورة، وكذلك يخلط الامور بين كون الانقلاب داخلي ام بمساعدات خارجية انتقامية من اردوغان من دول تستشعر خطورة توسعه. ومن هذه الحقائق ايضا ان الانقلاب كان متوقعا ومنتظرا كرد فعل طبيعي على سياسات اردوغان الجنونية والتي تنذر بتدمير تركيا قبل تدمير من اكتوى بنيران مخططاتها الاجرامية، وان انقاذ تركيا اصبح مهمة وطنية داخلية ومهمة امريكية وحلف اطلسية، وهو ما يخلط الامور بين كون الانقلاب داخلي بحت ام بمساعدة خارجية او على الاقل بضوء اخضر امريكي وحلف اطلسي، وهو مالانستطيع الجزم به لغياب المعلومات الاكيدة. وحقائق اخرى بان هناك تغيرات اخيرة في سياسات اردوغان بالاعتذار لروسيا وتلميحات بتعديل سلوكه الجيوسياسي وبوادر للقفز من المركب الغارق لما يسمى "حلفاء سوريا"، وهو مايخلط الامور بين كون الانقلاب انتقامي بتدبير شارك به خليجيون وامريكيون لخروج اردوغان عن الدور المرسوم له والاضرار بمصالحهم وتدابيرهم ام داخلي لقيادات ذات ولاء امريكي اقنعت الخارج بخطورة سياسات اردوغات وقدمت مسوغات دعمها وتوفير الغطاء السياسي لها حال نجاحها. اذن نحن امام احتمالات متعددة، يمكن تلخيصها بان الانقلاب وطني تركي يسعهي لانقاذ تركيا من مجنونها العثماني الذي سيدمر وحدتها والساعي لتمكين جماعته واقصاء باقي مكوناتها، والمتحالف مع الارهاب والغير مبال بارتداداته التي لاحت نذرها بتفجيرات في اهم مواقعها الحيوية. او ان الانقلاب عميل اتى لتخليص الغرب من خطورة سياسات اردوغان وبوادر استقوائه بتحالفاته مع الارهابيين واستخدامها في ابتزاز الغرب. او مزيج بين انه انقلاب داخلي بحت وبتعاون او بضوء اخضر من امريكا والناتو لكي لا يجهض مبكرا. واحتمال اخر يبدو هزلي وهو ان تكون حيلة او مسرحية اردوغانية مدبرة لتصفية خصومه، وهو اقرب للدعاية والخيال منه الى الواقع والسياسة، واذا ثبتت صحته يوما فنحن امام مسرح عبثي لا واقع سياسي يدفع دفعا لما حدث، بل ويدفع للسيناريو الحالي اكثر مما يدفع لنجاح الانقلاب في الاطاحة باردوغان بهذه السهولة والسرعة، وايضا في التسرع باعلان فشله بهذه السهولة والسرعة. لا نستطيع تأكيد فشل الانقلاب لمجرد ان اردوغان لايزال في قصره ويمارس التصفية والتنكيل بخصومه ولان ميليشياته الموازية للدولة وانصاره استطاعوا السيطرة على المواقع الرئيسية الاعلامية، واقصى مانقوله انه فشل ظاهري في الاطاحة به، ولكي يكون فشلا كاملا نستطيع اعلانه، ينبغي توفر معلومات اكيدة عن تمركز قوات الجيوش التركية في المحافظات المختلفة، وولاءات الصفوف المختلفة للجيوش، والاهم رد فعلها على ماحدث من تصدير اعلامي لصورة الجيش وتصفية القادة، وكذلك العقيدة العسكرية التركية وما اصابها بعد تغيرات دراماتيكية طلب من القوات بها مساعدة الارهاب وغزو الجوار، ثم اسقاط الطائرة الروسية ثم التقارب مع روسيا، وهل هي مع الناتو ام ضده، وما هي الهوية التركية، واين تقع المصلحة الوطنية. لابد وان نعي اننا امام ازمة عقيدة الا اذا افترضنا اننا امام جيش من المرتزقة! ليس امامنا اذن الا محاولة الاستنتاج باستبعاد الاحتمالات المختلفة. هل يستطيع اردوغان عمل جيش موال له ولتطلعاته ومغامراته العثمانية، وهل المجتمع التركي الذي يفرز الجيوش يكفل افراز هذا الجيش؟ هل استطاع اردوغان عمل هذا التغيير الثقافي بالمجتمع التركي في سنوات حكم حزب العدالة والتنمية؟ مهما كانت سيطرة حزبه على مفاصل الاقتصاد ومهما شكل من ميليشيات وتحالفات وانصار قادرة على التناطح الامني مع قوات الجيش، هل نستطيع ان نقول ان الثقافة التركية الشعبية اصبحت عثمانية او اردوغانية، وبالتالي سيفرز المجتمع جيشا عثمانيا جديدا. البادي للعيان لا يقول ذلك، ونتائج الانتخابات البرلمانية والتي حصد بها الحزب 49.4من الاصوات، مع الوضع في الاعتبار قدرة وخبرة التنظيمات الاخوانية في الحشد واحترافها في ذلك لا يقول بان الفوز ساحق كما يروج الاردوغانيين في تركيا وفي بلادنا العربية من عبيده ومنتفعيه، بل ومن تيارات يحلو لها الاتسام بالليبرالية او حتى من اليسار! اذن عدم قدرة اردوغان على تشكيل جيش اردوغاني او دولة اردوغانية يدحض الاحتمال الهزلي بان ما حدث تدبير اردوغاني. نحن اذن امام احتمالات ثلاثة قوية، وهي وطنية الانقلاب البحتة، او انه انقلاب عميل بحت، او انه انقلاب داخلي منسق مع الخارج. ولحل هذا اللغز، فان الامر يتطلب اما معلومات اكيدة، او بديل اخر، وهو استبعاد الاحتمالات عن طريق التداعيات ومايستجد من سياسات. واحتراما لانفسنا ولمن يتفضل بالقراءة، لم تظهر المعلومات حتى الان، والممارسات والسياسات المستجدة لا تفي بالغرض ولاترجح احتمالا على الاخر. اذن الحقيقة الدامغة حتى الان هي خطأ جميع التكهنات والتحليلات التي خرجت بحقيقة دامغة، بل ولم تكتفي بذلك بل وذهبت لتحليلها! اللهم الا كانت من قبيل المقامرة والمراهنات!