2024-04-25 09:57 م

وهل كان من المتوقع ان تكون القمة العربية عكس ذلك؟

2016-07-29
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
عقدت وانتهت القمة العربية في غضون ساعات وهي التي كان من المقرر ان تعقد على مدار يومين، ولعل عدم حضور العديد من الرؤساء ربما كان السبب الرئيسي في ذلك. وربما تمنع واعتذار البعض عن الحضور شكل إيجابية واحدة ربما تسجل لهذه القمة وهو الإبقاء على الوضع الذي وصل اليه النظام العربي الرسمي على ما هو ولم يتدنى الى ما هو أبعد من ذلك على الأقل من الناحية الشكلية. لا شك أن آل سعود لم يأخذوا مجدهم هنا ومن المؤكد ان وزير خارجيتهم الذي يناطح أينما ذهب لم يتمكن من تمرير اعتبار حزب الله منظمة إرهابية ولم يتمكن من تضمين البيان الختامي موقف ضد الرئيس الدكتور بشار الأسد ولم يتمكن أيضا من إضافة بند ضد الحشد الشعبي في العراق وان كان قد أشار بشكل غير مباشر اليه في الكلمة المسمومة التي القاها في المؤتمر. ولعل هذا يعود الى وقوف العراق والجزائر بحزم ضد هذا التوجه الى جانب الخيبات المتعاقبة التي مني بها آل سعود في سوريا والعراق واليمن وكذلك الى موقف الرئيس الموريتاني الذي ترأس القمة والذي لا شك انه عمل على إيجاد نوع من التوازن وتجنب الصدام العلني على الأقل وهذا ما انعكس في البيان الختامي الفضفاض الذي لم يأتي بأي جديد على الاطلاق واكتفى بالتمنيات والدعوات وعدم التحدث عن اتخاذ اية آلية لتحقيق أي من هذه التمنيات أو الدعوات. القمة أتت ضمن واقع عربي منقسم على نفسه بشكل لم يسبق له مثيل من ناحية الشكل والمضمون ووجود شرخ كبير وخلافات حادة وعميقة في المواقف السياسية والتي وصلت الى حد أن تطالب بعض الدول العربية علنا التدخل الأجنبي للعدوان على دولة أو دول عربية كما هو حصل في سوريا وليبيا واليمن. وتأتي ضمن واقع يكون فيه آل سعود "تحالف عربي واسلامي" وتحت قيادتهم يعتدون عسكريا ويحتلون أرض دولة عربية عسكريا بشكل مباشر كما هو الحال في اليمن. ولولا التدخل الروسي في سوريا بناء على طلب رسمي من الدولة السورية وقيادتها الشرعية والمنتخبة لرأينا نفس الوضع في سوريا، حيث تستخدم ادواتهم من النصرة وتنظيم داعش وغيرها من المجموعات الإرهابية التي جمعت من جميع ارجاء هذا الكون لمحاربة الدولة السورية. القمة العربية لم ولن تغير من الوضع الحالي في المنطقة. فالخلافات التي وصلت الى ذروتها والهجمة الامبريالية على المنطقة برمتها ولدت محورين متناقضين ومتعاكسين في المصالح والرؤى السياسية بما يخص المنطقة ومستقبلها والصراع الجوهري والتناقضات الرئيسية فيها. الانقسام يتجلى في أوضح صوره بين محور ممانعة ومقاومة للهجمة الامبريالية على المنطقة الذي تترأسه الولايات المتحدة وادواتها في المنطقة من رجعيات عربية بقيادة آل سعود بالإضافة الى تركيا أردوغان .محور رجعيات عربية متآمرة على القضايا القومية العربية والقضية الفلسطينية وتسعى الى التحالف مع الامبريالية العالمية وإسرائيل لتدمير الدول الوطنية واستنزاف قدراتها الاقتصادية والعسكرية لصالح المخطط الامبريالي الذي يسعى الى فرض هيمنته على المنطقة بالكامل بالقوة العسكرية وسياسة "تغيير الأنظمة" المناوئة والمتصدية لهذا المخطط. وهذا الصراع والتناقض انعكس في البيان الختامي للقمة التي لم تتضمن سوى عناوين دون الدخول في المحتوى والتفاصيل. القمة أكدت على ان القضية الفلسطينية ما زالت القضية المحورية في المنطقة حيث جاء في البيان الختامي " ويوكد القادة العرب مجددا على مركزية القضية الفلسطينية في عملنا العربي المشترك وعلى المضي قدما في دعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي الممنهج..." . كلام انشائي جميل ولكنه لا يساوي شيئا على أرض الواقع. فالدعم المالي الذي لا يصل منه الا القليل على الرغم من المفاخرة بتسجيل المبالغ التي تتبرع بها بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها. هذا بالإضافة الى ان وصول المبالغ ان وصلت تستخدم لابتزاز الطرف الفلسطيني سياسيا، الى جانب الحصول على نفوذ لهذه الدولة أو تلك والتي في كل الحالات تؤدي الى تشجيع والإبقاء على حالة الانقسام على الساحة الفلسطينية وجر الطرف الفلسطيني الرسمي في السلطة للتماهي مع مواقف الرجعية العربية وعدوانها على الدول الوطنية كما حصل في سوريا واليمن بشكل واضح. ولكن الأخطر من هذا كله هو هذا التقارب والتحالف العلني بين بعض الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والامارات وقطر ودولة الكيان الصهيوني الغاصب في التآمر على محور المقاومة وبالتحديد على إيران وسوريا وحزب الله اللبناني. الزيارات المتبادلة بين وفود الدول الخليجية الرسمية والغير رسمية التي كان آخرها الزيارة التي قام بها الجنرال أنور عشقي مع وفد من رجال الاعمال السعوديين الى دولة الكيان الصهيوني والاجتماع بالمسؤولين السياسيين من جميع الطيف السياسي الصهيوني وتم نشر صور عن الزيارة التي قام بها. ومع هذا فان السيد عشقي "المفكر" الذي يعشق الصهاينة أكمل خمسة لقاءات مع مسؤولين من الكيان الصهيوني وعلى رأسهم مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد في واشنطن، قبل زيارته الأخيرة العلنية الى إسرائيل. وتحدث الى التلفزيون الإسرائيلي موضحا ان إسرائيل ليست عدوة كما تحدث عن إيران باعتبارها عدوة وإنها تزعزع الامن والاستقرار في المنطقة. ولم يعد خافيا على احد ان دولة الكيان الغاصب تسعى الى التحالف مع ما تسميه "الدول المعتدلة" في المنطقة. ومن الجدير بالذكر هنا ان آل سعود وبالتعاون والتنسيق مع الكيان الصهيوني وقفا ضد "التقارب" الأمريكي الإيراني والمباحثات حول برنامجها النووي الذي أفضي في النهاية بتوقيع الاتفاقية بين إيران والدول الست الكبرى. آل سعود عملوا على حرف بوصلة الصراع من صراع مع العدو الصهيوني الغاصب الى صراعات طائفية ومذهبية وتوجيه الصراع مع إيران ومحور المقاومة. وقد استطاعت الى حد ما ومن خلال استخدام البترودولار ان تجر معها العديد من الدول العربية، الى جانب بث السموم المذهبية والطائفية للتأثير على عامة الناس من خلال الابواق الإعلامية التي تمتلكها وهي كثيرة كما عملت على اقفال عدد من القنوات العربية الفضائية لحجب الصوت الشريف الوطني والقومي المقاوم. واليوم يدخل آل سعود للتآمر على القضية الفلسطينية في محاولة تغليب وجهة نظر الكيان الصهيوني وخاصة فيما يختص بحق العودة والاعتراف الرسمي بدولة الكيان الغاصب والهرولة الى التطبيع معه علنا بعدما كانت الأمور تجري من تحت الطاولة. نحن نعتب على السلطة الفلسطينية وندين اللقاء الذي تم بينها وبين الجنرال السعودي عشقي في رام الله عند زيارته لدولة الكيان وعدم شجبها لمثل هذه الزيارة وكذلك عدم نفيها لما صرح به بأن زيارته جاءت بمبادرة فلسطينية "للوقوف على أوضاع المعتقلين الفلسطينيين ومواساة أسر الشهداء". في البيان الختامي " أعرب القادة العرب عن رغبتهم في خلق بيئة نابذة للغلو والتطرف، ومكافحة الارهاب أيا كانت صوره وتعزيز الامن والسلم العربيين بنشر قيم السلام والوسطية والحوار، وترسيخ الممارسة الديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الانسان". هذا الكلام المنمق لا يمت الى الواقع بصلة. ان كنتم تريدون حقا خلق بيئة نابذة للغلو والتطرف فعليكم اسكات أصوات الفتنة وتكفير الغير واحلال دمه وكم أفواه الدعاة في المساجد التي تحرض على الفتن المذهبية والطائفية البغيضة اللذين يتخرج معظمهم من المدارس والمعاهد التي أقيمت وما تزال تقام من قبل آل سعود في السعودية وارجاء الوطن العربي الى جانب الدول الغربية والاسيوية على وجه التحديد لنشر الفكر الوهابي التكفيري بحسب تقارير وكالات الاستخبارات ومراكز الأبحاث والدراسات العالمية. ولا بد للإنسان العادي مثلنا أن يتساءل كيف لدولة أو دول ان تكافح الارهاب والمجموعات الإرهابية وهي المصنعة والداعمة والممولة لهذا الارهاب الذي تمدد في ارجاء وطننا العربي والمنطقة بأكملها وتجاوز حدودها ليصل الى العديد من الدول الأوروبية والاسيوية كما دللت العديد من العمليات الإرهابية؟ وكيف لنا ان نصدق وبعض الدول المصنعة للإرهاب تدين عملية إرهابية في فرنسا مثلا بينما لا تدين إرهاب نفس المجموعة التكفيرية عندما تقتل 300 عراقي بعمليات انتحارية في نفس اليوم ونفس المكان، أو تقتل أكثر من 40 طفلا سوريا وهم خارجون من مدرستهم في حمص بعد انتهاء اليوم الدراسي؟ كيف لنا ان نصدق هذه الاكذوبة في مكافحة الارهاب لهذه الدول؟ مكافحة الارهاب تقتضي القضاء على الوكر وعش الدبابير والفكر الوهابي الذي ينتج هذه المخلوقات المسخة المتوحشة التي تذبح بالسكين الكاهن والشيخ والطفل والمرأة، وتأكل الأعضاء البشرية لقتلاها وتصور عمليات الذبح للأطفال. وتقوم بتدريب الأطفال على عمليات الذبح وتقوم بتصوير النشوة التي تنتابها بعد عملية الذبح مع التكبير. أي دين هذا الذي يحلل ذبح الاخر مع التكبير باسم الله عز وجل؟ البيان الختامي يتحدث عن" ترسيخ الديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الانسان". أين هي الديمقراطية في السعودية أو قطر على سبيل المثال؟ الحديث عن ترسيخ الديمقراطية يستدعي وجودها أولا فأين هي الديمقراطية في العديد من بلداننا العربية؟ كيف لدول ان تدعو لبناء الديمقراطية في سوريا مثلا وهي لا تمتلك دستورا لبلادها وتعتبر ما يقوله ملكها أو أميرها تشريع يجب على الرعية ان تستجيب له ومن لا يأتمر بأمر الملك أو الأمير يحلل دمه أو يسجن للعديد من السنوات في حالة نزول الرحمة والمكرمة الملكية عليه؟ واي احترام لحقوق الانسان ودول خليجية تتعامل مع رعية وليس مع مجتمع ودولة مواطنة؟ أي حقوق انسان تتحدثون عنها ودولة مثل البحرين المحمية السعودية تسحب الجنسية من بعض مواطنيها لأنهم انتقدوا سياسة القمع والتنكيل والتهميش التي تتبعها الدولة؟ أي ديمقراطية أو حقوق انسان في دولة تقيم حد السيف وقطع الرؤوس على مراجع دينية مسالمة أو على شاعر كتب أشعارا قبل عدة سنوات لأنها رأت فيه نقدا للسلطة أو تكفره عما ورد في كتاباته؟ القادة العرب في القمة يناشدون "الفرقاء في اليمن تغليب منطق الحوار والعمل على الخروج من مسار الكويت بنتائج إيجابية تعيد لليمن أمنه واستقراره ووحدة أراضيه في أقرب وقت". كلام جميل ولا غبار عليه ولكن الصراع في اليمن ليس يمنيا-يمنيا بل هو صراع بين الشعب اليمني وآل سعود ومن لف لفهم في "التحالف العربي الإسلامي" بقيادة آل سعود الذين اعتدوا على اليمن بعدوان عسكري مباشر ويحاربون ويقصفون الأراضي اليمنية ليلا نهارا دون توقف منذ آذار العام الماضي وحتى يومنا هذا، مما أدى الى تدمير الحجر والبشر فيها وارتكاب جرائم حرب باستهداف المدنيين بالقنابل العنقودية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وفرض حصار خانق على المواد الغذائية والطبية ومستلزمات الحياة الأساسية ومنع وصول المواد الغذائية الى اليمن المنكوب حتى من قبل المنظمات الدولية وتدمير كامل وشامل للبنى التحتية. هؤلاء الأعداء للشعب اليمني هم من يجب ان يتوجه لهم "القادة" العرب ان كانوا يريدون أن يوقفوا النزيف اليمني ويوقفوا الحرب المجنونة البربرية على الشعب اليمني. ما يريده آل سعود في اليمن هو الإسنسلام الكامل والرجوع الى عهد العبودية لآل سعود وهذا ما لم ولن يقبل به الشعب اليمني الابي الشريف. القوى السياسية والاجتماعية والقبلية في اليمن كانت على قاب قوسين من توقيع اتفاقية الشراكة والتفاهم العام الماضي في شهر آذار، لنقل اليمن الى مرحلة تؤسس لعهد جديد للنهوض في اليمن كدولة وطنية حرة من التدخلات الأجنبية الخليجية وكسر قيود العبودية لآل سعود التي كبلت اليمن لعقود من خلال ادواتهم وعملائهم في اليمن السعيد، وهو ما أثار حفيظة آل سعود الذين هبوا الى تكوين هذا "التحالف" الخسيس واستأجروا المرتزقة عن طريق شركة بلاك ووتر سيئة الصيت ودفعوا المليارات للدول التي ارتضت أن ترسل فرق من جيوشها لقتال الشعب اليمني. هذه هي حقيقة ما يدور على الأرض اليمنية والى حين ان يقرر آل سعود إعطاء الأوامر للسيد هادي وزمرته في الكويت الى الانصياع الى "منطق الحوار" وتغليبه والقبول بالوساطة الكويتية لن يكون هنالك سلام في اليمن وستبقى الحرب والدمار قائما فآل سعود ما زالوا يعتقدون انهم قادرين على الحسم العسكري وإخضاع الشعب اليمني عن هذا الطريق. السلام والامن والاستقرار عن طريق الحلول السياسية في سوريا واليمن والعراق وليبيا لن يتم دون وقف التدخلات للرجعية العربية والمحور المعادي للدول الوطنية التي تقوده وتحركه الولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر خدمة للمصالح الغربية ودولة الكيان الصهيوني في المنطقة. ان طبيعة الصراع لم ولن تكن في يوما من الأيام صراعات طائفية ومذهبية وأن اتخذت هذا الطابع على السطح. الصراع بالأساس هو صراع سياسي صراع بين الحق والباطل بين محور يريد مصلحة شعوب المنطقة والعيش بحرية وكرامة ومحور يريد ان يستعبد المنطقة ومقدراتها مستخدما أدواته في المنطقة أو بتدخله المباشر عندما تعجز الأدوات عن تحقيق ذلك. هذا الصراع أخذ ويأخذ صور ومظاهر مختلفة وينفذ بطرق مختلفة يشتد أحيانا ويخبو أحيانا أخرى نتيجة ظروف ذاتية وموضوعية. انه صراع قائم وسيبقى الى ان ينتصر الواحد على الاخر والنصر المؤكد والحتمي هو للشعوب في النهاية مهما طال الزمن.