2024-04-19 01:42 ص

إتفاق كيري - لافروف .. النصرة تحت المبضع الأمريكي

2016-07-29
بقلم: ميشيل كلاغاصي
يتصدّر الحديث عن الإتفاق الروسي- الأمريكي واجهة الأحداث , ويشغل الساحة الإعلامية على مساحة العالم بإمتياز, وتتطلّع إلى نجاحه دول ٌ و شعوب ٌ كثيرة , فيما يعتبره البعض منصة ً جديدة لمتابعة الحرب الكونية على سوريا و العالم , بما يخدم أجندة المشروع الصهيو- أمريكي للمضي قدما ً في إشاعة الفوضى والرعب و استثمار الإرهاب و الفكر التكفيري حول العالم بغية إخضاعه والسيطرة عليه . لم يأت الإتفاق على نحو مفاجئ , ولم يكن مقترحا ً أمريكيا ً, إنما هو مقترح روسي ٌ- سوري ٌ مشترك أتى بعد المشاركة الروسية في الحرب على الإرهاب , رفضته الإدارة الأمريكية آنذاك.. ويأتي اليوم في سياق تطور الحوار الروسي - الأمريكي و بعد سلسلة لقاءات ٍ و إتصالات ٍ مكثفة جمعت الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف عبر محطات جنيف و فيينا و زيورخ و ميونخ , و لقاءات موسكو و جنيف .. وصولا ً إلى ما بدأ يتكشّف عن تفاصيل الإتفاق , و الذي حظي بموافقة و ترحيب الدولة السورية .. ولا يعني الإتفاق بالضرورة موافقة الطرفان على حل ٍ سياسي محدد ٍ واضح المعالم , أو على خطوات ميدانية تعكس تطابق الرؤى والأهداف بينهما , فمن المعلوم للجميع أن أهداف الدولة الروسية تنحصر في القضاء على الإرهاب , في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على الدولة السورية و إجتثاث البيئة الحاضنة للفكر المقاوم و ذراعها القوية المتمثلة بالمؤسسة العسكرية السورية .. وعليه يمكن التأكيد أن التوافق هو تفاوضي مع تباين و تضاد الأهداف . فبعد سنوات من صمود الدولة السورية , و مراكمتها الإنتصارات الميدانية والسياسية , تدحرجت أهداف الإدارة الأمريكية نحو إحداث تغيير ٍ في بنية النظام السوري و تلغيمه لصالح قوى ً تدعمها تحرص من خلالها على إضعاف الدولة السورية من داخلها , تفقد معه إمكانية تهديد أمن الكيان الغاصب ووجوده . في الوقت الذي تجد فيه واشنطن نفسها تستعجل الإتفاق قبل أن يُحدث الجيش العربي السوري تقدما ً و تغييرا ً كبيرا ً ومتوقعا ً في مدينة حلب , يفرض توازنا ً ميدانيا ً جديدا ً يُضعف موقفها في الحوار المباشر مع الروس و غير المباشر مع القيادة السورية . إن عاطفة وحماسة الشارع السوري و تمسكه بالحسم الميداني والنصر الكبير, تجعله يضع بعض إشارات الإستفهام – أحيانا ً- حول الدور الروسي وغيره من الحلفاء , و يقعون فريسة الإعلام المضلل لأعداء سوريا , اللذين ما فتئوا يروجون لتحول سوريا من لاعب أساسي في الصراع الدولي إلى مجرد ساحة ٍ و ملعب ٍ لهذا الصراع , غدت معه دولة ً محتلة من قبل روسيا و إيران! .. في الوقت الذي يتابعون فيه تصريحات و مواقف و إتفاقات روسيا المباشرة مع الإدارة الأمريكية , تلك الحماسة و الإندفاع نحو تحقيق النصر المدعومة بإيمانهم وثقتهم اللا محدودة بقيادة الرئيس الأسد و ببسالة و قدرة الجيش الوطني على الفوز و الإنتصار, و يغيب عن أذهانهم طبيعة العلاقة الإستراتيجية و التاريخية مع الدولة الروسية و التي يتم من خلالها التنسيق العالي في أدق التفاصيل والخروج بموقف واحد يعكس مصلحة دمشق بالدرجة الأولى و موافقتها بالدرجة الثانية . وإذ يعتقد البعض أن الإتفاق جاء بشروط ٍ تعكس الرغبة و المصلحة الأمريكية و بمبادرة منها , فيما يؤكد الحقائق عكس ذلك تماما ً, و يؤكد رضوخ الإدارة الأمريكية للطلبات الروسية لفصل المعارضات المعتدلة عن تنظيم جبهة النصرة , و أن هذا الإتفاق مرّ بمراحل ثلاث قبل أن يتطور و يتخذ شكله الذي أعلن عنه اليوم , فقد كان إتفاقا ً لتجنب الإصطدام جوا ً – بعد الدخول الروسي – تحول إلى موافقة أمريكية على تبادل المعلومات في مطلع العام 2016 , ويصل اليوم إلى المرحلة التنفيذية – التقنية , بجهود السيدان مايكل راتني وغاتيلوف . من اللافت للنظر في هذا الإتفاق أنه حظي بترحيب الدولة السورية بما يعني وجود تنسيق سوري – أمريكي - روسي للمرة الأولى منذ بداية الحرب . إن صبر القيادة الروسية ومرونتها و بعد نظرها , استغلته الإدارة الأمريكية لإستهلاك الوقت والتهرّب من تطبيق القرارات الدولية خاصة ما يتعلق بإستصدار لوائح التنظيمات الإرهابية في سوريا , خشية ً منها السقوط والهزيمة دون تحقيق أيا ً من أهدافها , خاصة ً بعد أن اصطدمت بتعنت ٍ تركي – سعودي – إسرائيلي , وصل حد تعارض مشاريعهم الخاصة مع مشروعها و مصالحها الكبرى , الأمر الذي استلزم بعض الوقت لترويض النظام السعودي و إجباره على الإلتزام بخدمة مشروعها فقط كتابع و عبد لا كشريك وحليف , فالمستنقع اليمني و العمليات الإرهابية التكفيرية المستلهمة من الفكر الوهابي السعودي, والتي ضربت دولا ً عديدة حول العالم وضعت النظام السعودي في موقف لا يُحسد عليه , أكده المرشح الرئاسي دونالد ترامب إذ صرّح أن النظام السعودي لن يبقى أسبوعا ً واحدا ً دون الحماية الأمريكية .. كذلك تعارض المشروع الإخواني – الأردوغاني و تعنته في فرض منطقة عازلة في الشمال السوري , حيث تسعى و تحرص الإدارة الأمريكية على التواجد العسكري المباشر وبدعم قوات الحماية الكردية و قوات سورية الديمقراطية و بعض الأشكال الجديدة التي لم تصمد طويلا ً , والذي أتبعته بإستقدام ما يسمى "ثوار كولومبيا " تلك المنظمة الإرهابية بحسب القانون الأمريكي نفسه.. أن مشروع تقسيم سوريا – أمريكيا ً- والضغط عليها يمر من الريف الشمالي لمدينة حلب حصريا ً , فكان لا بد من إزاحة أردوغان و إجباره على الإنكفاء نحو الداخل التركي عبر إنقلاب عسكري محسوب غير مكتمل ساهمت بقيامه و بإفشاله لضمان ترويض المشروع الإخواني عن طريق إبقاء أردوغان في سدة الحكم كزعيم مهزوم غير فاعل أو مؤثر لحين الطلب !. لقد اثبت الرئيس بوتين عبقرية ً سياسية في احتواء الموقف الأمريكي بكل هواجسه وحساباته الخاصة , و أبدى كل التوافق و التعاون مع الإدارة الأمريكية على محاربة داعش في سوريا و العراق , انسجاما ً منه مع موقف بلاده الثابت في محاربة الإرهاب , و في مساعدة و تشجيع الرئيس أوباما للحصول على فرصة الخروج بماء الوجه كبطل أمريكي – ديمقراطي , ساهم بالقضاء على التنظيم الذي أرعب ولا زال يسفك الدماء حول العالم بإرهابه , مقابل تنازلات سياسية أمريكية هامة , تصب مباشرة ً في صالح الحرب على جبهة النصرة و توابعها في سوريا . إن فشل كافة التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها في تحقيق أهداف الإدارة الأمريكية , جعلها تعتمد بشكل ٍ أساسي على عمل تنظيمي داعش وجبهة النصرة , على الرغم من خضوعهما لقرارات مجلس الأمن , والذي يعتبرهما منظمات إرهابية , كما يخضع تنظيم جبهة النصرة إلى لوائح التنظيمات الإرهابية أمريكيا ً .. إن تمسك الإدارة الأمريكية بما دعته " المعارضة المسلحة المعتدلة " جعلها تبحث عنها إلى أن دعاها الرئيس أوباما بنفسه " فانتازيا " , لقد أرهقت نفسها والعالم بالبحث , ووجدت ضالتها عبر إقناع جبهة النصرة بفك إرتباطها عن تنظيم القاعدة , الأمر الذي سيجعلها تبدو معتدلة ً بنظرها أولا ً.. محاولات عديدة قامت بها لإقناع زعيم الجبهة محمد الجولاني عن طريق دولة قطر , و مما يُشاع أن الجولاني وافق مؤخرا ً على فك الإرتباط , و قد يُعلن ذلك في مطلع شهر اّب القادم , على الرغم من مخاوفه من تقديم المزيد من التنازلات بعدها .. إن فك الإرتباط له وجهان أساسيان , الأول تنظيمي والثاني إيديولوجي , ولن يكون له أي تأثير على طبيعة الإيديولوجية التكفيرية للتنظيم , بالإضافة إلى حاجة الجولاني للحصول على موافقة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لإتمام الإنفكاك , فقد سبق للجولاني أن بايعه وفق القواعد الشرعية للتنظيمات التكفيرية .. وسط إحتمالية أن يكون الإنفكاك شكليا ً و ظاهريا ً فقط – فالضرورات تبيح المحظورات – من أجل استمرار حصول التنظيم على دعم وتأييد الولايات المتحدة الأمريكية . إن عزل جبهة النصرة قد يتم بصورة كاملة أو أن يحصل إنقسام بين من يقبل و يعتدل , و من لا يقبل و يُبقي على إرتباطه مع القاعدة , و قد تحتاج المجموعات المنفصلة لتسميات جديدة بدأ الحديث عنها ك " فتح الشام " و " شهداء التل " وغيرها ... و قبولها التوقيع على الهدنة ووقف العمليات ضد الدولة السورية , مما يمكّن واشنطن من الدفع بها إلى أروقة جنيف بقوة , و حصولها على مقعد هام في الحوار السوري- السوري , بالتأكيد هذا ما تراهن عليه الولايات المتحدة الأمريكية من جهة , و تدفع برهانها الاّخر عن طريق دعمها لقوات سورية الديمقراطية وقوات الحماية الكردية , في دعم و فرض مشروع تقسيم سورية و فرض الفدرلة أو مناطق الحكم الذاتي لتحصين أوراقها التفاوضية , لكن نعتقد أنها تواجه مأزقا ً كبيرا ً في كيفية قبول " النصرة المعتدلة أمريكيا ً" الحل الدولي ووفق قرارته التي تتحدث عن علمانية الدولة السورية !.. يبدو أن تنظيم جبهة النصرة يدخل غرفة التشريح و ينتظر ولادته الجديدة وفق المبضع الأمريكي. أما الدولة السورية فيبقى تعويلها و إصرارها على تحرير أراضيها و مواطنيها و إنهاء الوجود الإرهابي عليها , بفضل سواعد بواسلها , وعمليات المصالحات الوطنية و الشعبية التي لم تجد لها الولايات المتحدة حلا ً إلاّ عن طريق العرقلة و إلى حين , فقد رأى العالم شغف و توق السوريين في مناطق سيطرة الإرهابيين لدخول الجيش العربي السوري إلى مناطقهم و تحريرهم و منحهم فرصة العودة إلى حضن الوطن , بالإضافة لحديث الرئيس الأسد عن منح كل من يُلقي السلاح و يعود إلى حضن الوطن العفو المُطبق و الذي لازال مفعوله قائما ً. إن تعامل الدولة السورية مع كل المستجدات بواقعية تامة وحرص ٍ شديد على التوصل إلى حل سياسي يلبي تطلعات الشعب السوري , دعاها للترحيب بالإتفاق الروسي – الأمريكي و دون شروط مسبقة في الجولة الثالثة القادمة لمباحثات جنيف والتي أعلن عنها المبعوث الأممي في أواخر شهر آب القادم .. في الوقت الذي ستخضع المجموعات الرافضة من النصرة و داعش لضربات الجيش السوري و الروسي دون الحاجة إلى تنسيق مع الطرف الأمريكي , فيما يخضع ضرب المجموعات " المعتدلة " للتفاوض و موافقة مع الولايات المتحدة الأمريكية . إن عزل النصرة عن القاعدة و تحويلها إلى معارضة معتدلة , يأتي في سياق تعهدات ٍ أمريكية سابقة , يتم بموجبها إغلاق الحدود التركية , ووقف دخول المرتزقة والأموال والأسلحة ومنع سرقة النفط السوري , و ذلك بموجب الطلبات السورية – الروسية , بالإضافة لتعهداتها بتطبيق القرار الأممي 2253 الخاص بمحاربة الإرهاب .. إن ضراوة المعركة السياسية و قدرة الأطراف على التفاوض مرهونة ٌ و خاضعة ٌ دون شك للتطورات الميدانية و التغييرات الحاصلة فيه .. فالتحول الميداني سيتبعه تحول ٌ بنيوي سياسي دون شك , و على السوريين أن يسعوا إلى الحوار فيما بينهم لا أن يتخذ الحوار شكل التفاوض ..فالقرار 2254 يتحدث عن عملية سياسية انتقالية تقوم على تفاهم السوريين فيما بينهم. إن صمود و طريقة إدارة الدولة السورية و الرئيس بشار الأسد الحرب على سوريا منحتها القدرة على لعب دور ٍ إقليمي و دولي أساسي في ولادة النظام العالمي الجديد.. إذ يؤمن السوريون أن الحرب على سورية أوشكت على النهاية , و من بوابة الإنتصار و تحرير مدينة حلب , والذي بدأت بشائره و تداعياته تعد بالنصر الكبير, و بات على الإدارة الأمريكية أن تفكر جديا ً في إنتشال مرتزقتها و سوقهم إلى غير بلدان و غير حروب , فسورية التي لم يعرف التاريخ لها إنكسارا ً أو هزيمة ً لن يجرؤ اليوم على فعلها , و يكفي الغزاة أن نالوا شرف المواجهة و الموت على يد رجال الله على الأرض السورية وأسود الجيش العربي السوري . أخيرا ً... وقبل عدة أيام سأل الإعلامي في صحيفة ال SBS الأسترالية الرئيس الأسد في مقابلة ٍ خاصة , عمّا يريد أن يكتبه التاريخ عنه ؟ , فقط أفسحوا المجال للتاريخ كي يجيب بنفسه , و إنظروا إليه ينحني أمام عظمة هذا الرجل الذي حمى وطنه و قاده نحو بر الأمان و النصر في حرب ٍ كونية لم يعرف التاريخ لها مثيلا ً.