2024-04-20 04:27 م

إستدارات وهمية .. و رسائل حقيقة

2016-08-19
بقلم: ميشيل كلاغاصي 
يبدو أن العديد من أطراف الحرب على سوريا قد تلقفوا رسالة الدولة الروسية بشكل ٍ خاطئ , بعدما خفّضت من تواجدها العسكري وسحبت بعضا ً من معداتها وأسلحتها من سورية , ووجدوا فيها فرصة ً لتصعيد الإعمال الإرهابية و إستغلال الهدن بعيدا ًعن سكة العمل الدبلوماسي والتقدم على مسار الحل السياسي, وعلى العكس فقد أفشلوا الجولة الثانية في جنيف, و إنطلقوا نحو مدينة حلب, وخاضوا هجوما ً عسكريا ً عنيفا ً, أرادوا به محاصرة المدينة بشكل كامل, لكن الجيش العربي السوري وحلفاؤه تمكنوا من إحتواء الهجوم و صدّه , فإكتفت العصابات الإرهابية بقصف المدنيين والبنى التحتية بشكل جنوني, ولم تستطع معه وقف القرار السيادي للدولة السورية بتحرير حلب , و تخليص أهلها و تخفيف مفاعيل الهجمات الإرهابية على المدينة, من خلال قرار الحسم السوري الكبير الذي إتخذته القيادة العسكرية في 1102015 .. واندفعت القوات السورية لإستكمال تطويق الإرهابيين في أحياء حلب الشرقية , بعدما تمكنت في تطهير منطقة بني زيد و أن تبسط سيطرتها على مبنى الكاستيلو و طريق الكاستيلو, الأمر الذي فرض وقفا ً مباشرا ً لإمداد و تسليح وعبور المسلحين إلى داخل المدينة و بالعكس. ووسط الحديث عن الإتفاق الروسي – الأمريكي , استغلت الإدارة الأمريكية كل حلفائها وأدواتها , بإصرار ٍ شديد على تغيير موازين القوى على الأرض في حلب تحديدا ً, فبدات سلسلة الهجومات الإرهابية الشرسة بتاريخ 3172016 و المستمرة حتى يومنا هذا , استخدمت فيها أعدادا ً كبيرة من الإرهابيين بقيادة جيش الفتح ومن استجلبتهم من مدينة إدلب و ريفها و من بعض الأرياف السورية و من ُاستحضروا من تركيا ,بالإضافة لما يسمون"المجاهدين الأجانب", و بالتأكيد تحت قيادة أمريكية مباشرة ,و قيادات ميدانية لضباط فرنسيون و بريطانيون وأتراك وسعوديون , وسط تزويد ٍ هائل بالاّليات و المدرعات و العربات المصفحة المفخخة, عبر الحدود السورية – التركية . موجات ٌ إرهابية غير مسبوقة , أسفرت عن فشل ٍ ذريع في فك الطوق وفي إحداث أي تغيير على الخارطة الميدانية , على الرغم من دخولهم مشروع ال1070 , والكيات العسكرية هناك , دخول ٌ كلفهم الكثير في الأرواح والمعدات , وتمّكنت الوحدات المدافعة عن المدينة من استرجاع و تطهير المشروع السكني , و دخول مثلث الكليات ولازالت المعارك الشرسة هناك و التي تبشر بإنهاء التواجد الإرهابي هناك وعلى كامل مساحة الكليات العسكرية خلال وقت قصير. على الرغم من قيام الولايات المتحدة الأمريكية من الإشراف على فك إرتباط تنظيم جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة , في خطوة مزدوجة تهدف لتجاوز مأزقها في فصل و فرز التنظيمات "المعتدلة" عن الإرهابية, تمّكنها من تقديم وفد ٍ معارض ليخوض غمار المعارك السياسية في جولة جنيف الثالثة في نهاية شهر آب كما تحدث المبعوث ديمستورا هذا من جهة , و من جهة ٍ أخرى سعت لترويض حليفها التركي بعد إنتشاله من السقوط في الإنقلاب العسكري في 1572016 , مقابل الإلتزام بأجندتها فقط نظرا ً لصعوبة و دقة المرحلة . يبدو أن رسائل الدولة الروسية قد ُأُسيء فهمها و تقديرها , و نسي البعض عودة 12 طائرة سوخوي بقرار من الرئيس بوتين إلى سورية , كذلك الإجتماع الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع سوريا و روسيا و إيران , بالإضافة لما حصل في إجتماع الرئيس بوتين و وزير دفاعه وتكليفه مهمة المساعدة على إستعادة السيطرة الكاملة على الكليات العسكرية و ما حولها , خلال مدة محددة بعد رفضه طلب وزير الدفاع في الحصول على مدة أطول , و من ثم التوجه نحو منطقة الراموسة و ما سُمي بثغرة الراموسة و خان طومان و الزربة و مطار تفتناز وصولا ً إلى سراقب وإدلب , و عليه قامت القوات الجوية الروسية بتكثيف غاراتها و التي وصلت إلى 3000 غارة جوية على مواقع الإرهابيين .. كان لا بد من إرسال رسائل جديدة , تتناسب مع مستجدات الميدان السوري وطبيعة المواجهة العسكرية الروسية – الأمريكية غير المعلنة , و طبيعة الصراع الدولي على الأراضي السورية , ووسط الحديث عن عودة العلاقات التركية – الروسية إلى شكلها الطبيعي وفق الجدول الزمني الذي وضعته موسكو , ووسط الإستدارة التي أوحى بها و أعلن عنها النظام التركي صراحة ً , في ظل صمت ٍ سعودي و عربي , وأوروبي كامل .. إذ تعلن القيادتين الروسية و الإيرانية عن تعاون ٍ عسكري غير مسبوق في العلاقات الإستراتيجية بينهما سمح للقادفات الإستراتيجية الروسية بالإقلاع من قاعدة همدان في طهران , و تنفيذ هجمات على مواقع الإرهابيين في سوريا , الأمر الذي أطاح بكل ما أُشيع عن تباين الرؤى أو الخلافات حول الشأن السوري , و كيفية و آلية دعم الدولة السورية في حربها على الإرهاب .. في وقت ٍ يُعلن فيه المارد الصيني عن استمرار حضوره و دعمه وتأكيده على التعاون العسكري مع الدولة السورية, من خلال زيارة عسكرية احتفظت بأسرارها بعيدا ً عن الإعلام, بالإضافة للإعلان العراقي عن تسهيله لعبور أجوائه أمام القاذفات و الطائرات الحربية الروسية. لقد أصبح من الواضح و الأكيد أن الإدارة الأمريكية لا تؤمن بالحل السياسي و لا ترغب به أصلا ً , وأن هدفها في سوريا هو تدمير الدولة السورية , و ما تفعله لا يتعدى استهلاك الوقت لحين تسليم الدفة للإدارة الجديدة .. يبدو أننا أمام مرحلة ٍ جديدة في الحرب السورية , و على أعتاب مفصل ٍ جديد و قفزة ٍ ميدانية ستعمل دون شك على تغيير الأحداث , عبر معارك شرسة ستؤدي إلى تغيير خارطة تموضع المحورين معا ً وفق عمل ٍ استراتيجي ٍ هام وخطير . فعلى الرغم من التوافقات والإتفاقات الروسية – الأمريكية غير الناضجة و غير الملزمة - كما يترجم الطرف الأمريكي إلتزامه بها على الأرض- , واستمرار تهرّبه في فصل التنظيمات الإرهابية , واستمرار دعمه و استثماره في الإرهاب , و منحه لأدواته الإرهابية الفرصة تلو الأخرى , وخداعه و مراوغته الدائمة , يكون قد أرسل رسالة ً خاطئة إلى الدولة الروسية و جعلها تكون أقرب إلى سوريا و إيران و حزب الله في محاربتها للإرهاب. يبدو من المناسب أن تكون رسائل موسكو وحلفائها عبر القاذفات الإستراتيجية مناسبة لتأكيدها قدرتها و رغبتها في التفاوض, في الوقت الذي تمتلك فيه بدائل موجعة وحقيقية لضرب العصابات الإرهابية. أصبح من الواضح أن التعاون الروسي العسكري الحقيقي مع الولايات المتحدة و الذي تحدث عنه وزير الدفاع الروسي لن يحصل, فالعلاقة بين القطبين الدوليين تنزلق بسرعة لتتخطى التنافس والخصومة وتصل حد العداء المباشر. أصبح من الواضح أن الإدارة الأمريكية لا تريد حلا ً سياسيا ً في سورية , و تصب جلّ إهتمامها في تدمير الدولة السورية وفي استنزاف جيشها الوطني , دون أن تملك أجندة واضحة أو أية خيارات في سورية!, و يبقى تقرّبها من الدولة الروسية يهدف إلى تحقيقها أهداف سياسية عجزت عن تحقيقها في الميدان, خصاصة ً بعدما أصبحت إدارة ً عاجزة ً مفلسة ً غير قادرة على إتخاذ أي قرار .. بما فيها تلك الخطط البديلة التي يهددون بها كل حين , وكان آخرها كلام نائب الرئيس روبرت مالي الذي أكد سعي إدارته لإطالة أمد الحرب و بإستمرار دعم التنظيمات الإرهابية , واستمرار الحرب بالوكالة في حال فشل التعاون مع الدولة الروسية , و لا يبدو أنه لا يتحرك بمعزل عن عنجهية بلاده و نهجها في التهديد والوعيد, في الوقت الذي يتحدثون عن مُهل وهدن تحت العنوان الإنساني.. متناسين إفتضاح أمرهم بتزويد الجماعات الإرهابية في شباط 2016 ب 1700 طن من السلاح قبل الهدنة اّنذاك و ب 3000 طن بعد الهدنة , وشاركت النظام السعودي في إرسال 2000 طن قبل بداية موجات الهجوم على حلب في 3172016. إن الحديث عن إنكفاء ٍ سعودي أو قطري هو مجرد حديث عن إنكفاء إعلامي ليس إلاّ , كذلك الحديث عن إستدارة تركية لا يعدو أكثر من كوميديا سلجوقية – عصملية ستنتهي بسقوط أردوغان حتما ً بمجرد سقوط مشروعه التوسعي في سوريا – هذا إن صدقت بالإستدارة – و يكفينا التذكير بإستمرار الدور التركي السلبي حتى أثناء وجود أردوغان في قمة سان بطرسبرغ الأخيرة, وسماحه بتدفق السلاح وأكثر من 2000 إرهابي ومدافع ثقيلة و دبابات وعربات الbmp , وتلك اللقاءات التي جمعت قادة المجموعات الإرهابية في أنقرة بهدف توحيد جهودها لفك الحصار في حلب .. فيما هو و وزير خارجيته ورئيس حكومته يتحدثون عن إستدارة وأخبار مفرحة في حلب. إن الحديث عن تفاهمات و إتفاقات و تسويات سياسية جديدة مع الإدارة الأمريكية , يبدو خياليا ً فالدولة السورية و حلفائها تبدو أكثر إصرارا ً على تحرير مدينة حلب بالكامل , ولن تعيقها أبواب الهدنة الإنسانية التي تحاول الإدارة الأمريكية و الأمم المتحدة و مبعوثها الولوج منها لوقف هذا القرار.. و ما الحديث عن جولة جديدة في نهاية الشهر الحالي سوى حديث عن جولة خيالية من الصعوبة بمكان إنعقادها , و إن عُقدت فلن تكون بأفضل من سابقاتها . بات من الضروري التأكيد على الإستدارة الكلامية والإعلامية للموقف التركي , والصمت السعودي والقطري و الأوروبي ليس إلاّ بأوامر أمريكية ,التي ستحاول استنزاف الوقت لحين رحيل الإدارة الحالية , عبر حفاظها - ما أمكن- على تموضع كل من دول المحورين المتصارعين على الأراضي السورية , في محاولة ٍ منها لتغيير ملامح النظام العالمي الكوني الجديد الذي بدأ يتشكل و ينطلق من دمشق ..