2024-04-20 11:37 ص

القائد العسكري لـ«النصرة» قتل .. لم يقتل .. انشق!

2016-08-19
عبدالله سليمان علي
أُعلن عن مقتله مرتين، ونعاه كبارُ قادة «الجهاد» في سوريا والعالم، على رأسهم زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، ليتبيّن لاحقاً أنه نجا من محاولتي القتل اللتين تعرض لهما خلال عام واحد، من دون أن تتضح الجهة المسؤولة عن القيام بهما. لكن على ما يبدو فإن سمير حجازي، أو أبو الزهراء رومية، أو فاروق السوري، أو أبو همام الشامي، وهي كلها أسماء لشخص واحد، لم يستطع النجاة بمنصبه كقائد عسكري عام لـ «جبهة النصرة»، إذ اضطر إلى مغادرته بعدما أعلن رفضه المطلق لعملية «فك الارتباط» مع التنظيم الأم «القاعدة».

وقد ثَبُت عدمُ مقتل أبي همام الشامي من خلال نشر رسالة وجهها إلى قيادته في «جبهة النصرة» يعلن فيها التخلي عن التنظيم وتسليم عدته وأغراضه إلى المسؤول الإداري. ووُقّعت الرسالة بتاريخ الخامس من شهر آب الحالي، أي قبل أسبوعين فقط. وقام بنشر الرسالة قيادي آخر في «جبهة النصرة» أعلن كذلك انشقاقه عنها بسبب «فك الارتباط»، وهو بلال خريسات المعروف بلقب أبي خديجة الأردني، والذي شغل مناصب عدة، منها الشرعي العام في الغوطة، كما يعتبر من القادة المتنفذين والمقربين من مجلس شورى الجماعة.
وكشف الخريسات أن قيادة «النصرة» أعادت الرسالة إلى مرسلها وهي «مغلقة»، أي من دون أن تكلف نفسها جهد الاطلاع عليها. وربما يعود ذلك إلى معرفتها بمحتوى الرسالة كون الشامي كان قد أخبر قيادته بقرار ترك الجماعة في أول يوم من ايام عيد الفطر، أي في مطلع تموز الماضي، كما جاء في رسالته المنشورة.
ويُستشف من الرسالة أن السبب وراء قرار الشامي ترك «جبهة النصرة» هو فك الارتباط مع تنظيم «القاعدة» باعتباره من الفريق الرافض لهذا القرار، حيث جاء في الرسالة أنه «بعد الاستخارة .. قررت إخباركم بأني قد تركت العمل تحت إمرتكم وفي جماعتكم جبهة النصرة»، موضحاً «أقول جبهة النصرة، لأني لم ولن أكون في التشكيل الجديد «جبهة فتح الشام»، مشيراً إلى أنه قام بتسليم كافة أغراضه إلى المسؤول الإداري.
كما يستشف من الرسالة أن الشامي كان قد عزل من منصبه كقائد عسكري عام قبل تاريخ الرسالة، وإلا لما كان اقتصر الاستلام والتسليم على «قبضة وسيارة وسلاح» كما ورد في الرسالة.
ويشير تضارب الأنباء حول مصير أبي همام الشامي إلى حقيقتين هامتين: الأولى أنه لا يمكن الوثوق بإعلان بعض الفصائل «الجهادية» عن اسماء قتلاها، خصوصاً تلك التي تكون في الصف القيادي الأول، لأن إعلان مثل هذه الأنباء قد يكون بغرض التمويه لحماية الاسم المعلن عنه من اي استهداف لاحق. والثانية أنه لا صحة لما حاولت بعض الجهات إشاعته من أن القيادات السورية في «جبهة النصرة» كانت أكثر حماسة لقرار فك الارتباط من القيادات الأجنبية، فالشامي، وهو أبرز القيادات السورية، آثر الانشقاق على القبول به.
ولا يخفى أن الغاية من إشاعة هذا الفرز بين مواقف السوريين والأجانب تكمن في محاولة «سورنة جبهة النصرة» وإظهار أن السوريين الذين يشكلون 60 في المئة من تشكيلها قادرون على حملها نحو «الاعتدال»، وهو ما ثبت عدم صحته، لاسيما بعدما ظهر أن بعض القيادات المصرية المخضرمة في «الجهاد العالمي» هي التي أمّنت الغطاء الشرعي لفك الارتباط تغليباً منها لمصلحة «مسيرة الجهاد» المستمرة زمنياً، والمتنقلة من بلد إلى بلد، على مصلحة أحد تجليات هذه المسيرة في فترة محدودة.
أما محاولتا القتل اللتان تعرضّ لهما الشامي، فكانت الأولى في شهر آذار من العام الماضي، حيث تعرضت سيارته لانفجار غامض وقع في قرية طلحة في ريف إدلب، وقد رُجّحت في حينه فرضيةُ أن يكون قد استهدف من قبل طائرات «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة. وأصدرت «المنارةُ البيضاء»، الذراعُ الإعلامية الرسمية لـ «جبهة النصرة»، بياناً أكدت فيه مقتل الشامي مع ثلاثة آخرين جميعهم من قيادات الصف الأول، كما قام الظواهري نفسُه برثائه، وهو ما دفع إلى عدم التعاطي الجدّي مع التسريبات العديدة التي تحدثت عن نجاة الشامي بعد تلقيه العلاج في أحد المستشفيات التركية.
ومع غياب أخبار الرجل وعدم تداول اي أنباء عن تحركاته، كانت قد ترسخت حقيقة مقتله، إلا أن المفاجأة جاءت بعد عام تقريباً، وتحديداً في شهر نيسان الماضي، عندما تمّ استهداف مقر لـ «جبهة النصرة» في ريف إدلب قتل فيه المتحدث الرسمي السابق باسمها أبو فراس السوري، حيث ومن دون أي مقدمات مسبقة، جرى تداول اسم ابي همام الشامي على أنه من قتلى هذا الاستهداف. ورغم أن هذه المفارقة تركت حيرة واسعة لدى بعض المراقبين، إلا أنها كرّست في الواقع حقيقة مقتل الشامي لأنه لم يكن ثمة داعٍ لإقحام اسمه في العملية الأخيرة.
إلا أن الرسالة الأخيرة جاءت لتؤكد أن ابي همام الشامي، القائد العسكري العام السابق في «جبهة النصرة»، لم يُقتل، على الأقل حتى تاريخ الرسالة في الخامس من الشهر الحالي، وأنه استطاع النجاة من محاولة اغتياله الأولى التي جرت في العام الماضي مع عدم إمكانية إثبات تعرضه لمحاولة اغتيال ثانية لعدم وجود أدلة تؤكد أنه كان موجوداً في المقر ذاته الذي قتل فيه أبو فراس السوري.
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية