2024-03-28 08:51 م

هل انتهت الاشتراكية حقًا، في روسيا؟

2016-08-19
بقلم: السيد شبل
طبعا المتلقي المحلّي، الذي استعاض عن عقله النقدي، بجهاز استقبال لكل ما يبثه الإعلام المحلي المغتصَب بدوره من الإعلام الدولي المملوك كليًا لمؤسسات المال العالمية، سيندهش عندما يعلم أن "الحزب الشيوعي الروسي"، هو ثاني أكبر قوة سياسية فاعلة في البلاد، اليوم، وهذه اللحظة. لأنهم، عندما غرسوا في عقله أن الروس قد انقلبوا كلية على الإرث الاشتراكي لديهم (انقلبوا بمعنى أزاحوا، لا انتقدوا وطوروا)، وأنهم صاروا يلعنون دور الدولة (كممثل ديمقراطي عن الشعب) في العملية الاقتصادية، وأنهم أصبحوا أسبق شعوب العالم تسفيهًا من شعارات (العدالة الاجتماعية، والرعاية الصحية المكفولة، والتعليم المجاني..).. وأن الروس تحوّلوا إلى معادين لأنفسهم، يسبقون إلى الترحيب بماكينات النهب الرأسمالية الاحتكارية العالمية!.. صدق، وآمن، وأخذت يطنطن بمثل ذلك، ويحشره في كلامك من خلال عبارة: "الاشتراكية هُزمت في بلادها، وكفر بها شعبها". لكن الحقيقة غير ذلك، وكلما مرّ الوقت تتغير أكثر، وتتخطى أيام الهوس التي هيمنت في مطلع التسعينات، ففي هذه اللحظة، يحتل "الحزب الشيوعي الروسي"، خليفة "الشيوعي السوفيتي"، المكان الثاني من حيث الأعضاء في مجلس النواب (الدوما).. بعدد 92 نائب من أصل 450 (أكثر من 20%)، بحيث يلي، من حيث الترتيب، حزب "روسيا الموحدة" بقيادة "بوتين ومدفيديف".. ويتقدم متفوقًا، بفارق، على الحزب الليبرالي، وعلى أحزاب أو جمعيات أخرى، تتصالح مع اقتصاد السوق، وتهمّش من الصدام مع ماكينة النهب الدولية، وتعتبر أن الزمن تخطى الحديث عن حقوق الفقراء في مواجهة ناهبيهم!. الحزب قدم في 2012، منافسًا على كرسي الرئاسة أمام بوتين (غينادي زوغانوف)، وجاء في المركز الثاني.. وهذا للدلالة، على أنه كحزب حاضر، في اللعبة السياسية الروسية، ومؤثر، لدرجة أنه يوزع التكريمات على قادة البلدان (طبعًا العالم الثالث)، وتحظى مؤتمراته بتغطية واسعة. رؤية الحزب ضاغطة على السلطة الروسية في اتجاه تحرير الاقتصاد الروسي من التبعية لمؤسسات المال العالمية، ودافعة نحو دور أكبر للدولة في الرعاية الصحية وتوفير فرص العمل وضمان التعليم المجاني، وتطالب بتعزيز القطاع الصناعي من الاقتصاد، وزيادة عدد العاملين في الصناعة، وإنشاء نقابات "تدافع عن حقوق العمال.. لكنها، في سياق آخر، مؤيدة لسياسة السلطة الخارجية، فالحزب مثلًا، يعتبر أن التدخل في سورية يأتي في سياق المقاومة للإمبريالية الغربية التي تريد أن تبتلع العالم، وتدعم عصابات مسلحة تنشر الفوضى والدمار، وتعارض الحركات الأوكرانية المعادية لروسيا، باعتبارها حركات عنصرية يمينية فاشية يدعمها العقل الأوروبي الاستعماري (والحقيقية، هكذا.. بالفعل).. وللحزب اشتباكات كثيرة بما يجري بالمنطقة العربية، منها إدانة التدخل الأجنبي في ليبيا والذي أثمر تدمريًا للبلد وخلقًا لحالة من الفوضى. ويعتبر كثيرون، أن هناك عملية تلقيح "يسارية" يقوم بها الحزب لسياسة بوتين، بالضغط وطرح البرامج والمعارضة في الدوما وخارجه، بينما يعتبر آخرون (أكثر يسارية) أن ما يحدث هو عملية احتواء بالعكس؛والصحيح هو بين الرأيين، وإن كان الرأي الأول له وجاهته وحضوره الأقوى، مع عدم إهمال أن التلاقي في السياسة الخارجية، يجعل الأمر يبدو كما يراه أنصار الرأي الثاني. لسنا في حاجة إلى التأكيد على أن الحزب معارض شرس للتمويلات الأجنبية، ومؤسسات المال الدولية كالبنك والصندوق الدوليين، باعتبارهما أداة للاستعمار، وعليه فهو دومًا على النقيض من الأطراف الليبرالية، التي تخوض، على الدوام صراع مع الكرملين، يحسبه قطاع من الروس صراع على السلطة، أكثر منهمعارضة حقيقية تعكس مطالب الناس. قدم الحزب مراجعات، وانتقادات لممارسة سلفه "السوفيتي"، تركزت على فترتي السبيعنيات والثمانينات، بشكل عام هو ينتقد تجربة أسلافه، دون كسر سقف المباديء العامة، وصار أكثر تماسًا مع الإرث الصيني، ينتقده شيوعيون آخرون، انشقوا عنه، وأسسوا جميعات أخرى مثل "الشيوعيون في روسيا"، بسبب الموقف من الدّين. حيث يُظهر الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية تقارباً كبيراً مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، بخلاف رؤية المنشقين عنه؛ كذلك يرى آخرون من منتقديه أن الحزب أقريب من الكرميلين، أكثر من اللازم!. يشير أليكسي مكاركين، نائب رئيس مركز التكنولوجيات السياسية إلى أن غالبية المواطنين الروس يحتفظون بذكريات طيبة عن الاتحاد السوفييتي السابق، ويتذكر الناس الاستقرار والعدالة الاجتماعية وهيبة البلاد في الساحة الدولية، كل ذلك يدعم الأفكار الشيوعية في المجتمع الروسي ويعطي، إلى حد ما، الأصوات في الانتخابات للحزب الشيوعي. برنامج الحزب في نقاط، نقلًا عن ويكيبديا: 1. سلطة الشعب تعني السلطة الدستورية للأغلبية الكادحة. 2. العدالة التي تمثل حق العمل للجميع، وتضمن التعليم المجاني والرعاية الطبية وكذلك السكن الجيد والاستجمام والتأمين الاجتماعي. 3. المساواة القائمة على تحرير العامل من الاستغلال واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان، وإزالة كافة اشكال الطفيلية الإجتماعية . أن تكون المصانع ومواقع الإنتاج الكبيرة ملكية عامة وليست خاصة. 4. الروح الوطنية والمساواة بين القوميات والصداقة بين الشعوب. 5. مسؤولية المواطن تجاه المجتمع ومسؤولية المجتمع تجاه المواطن، وحدة حقوق وواجبات الإنسان. 6. صعود القوى الوطنية إلى السلطة في المستقبل القريب وتأميم ثروات جوف الارض ومرافق الإنتاج الاستراتيجية والاحتفاظ بقطاع الاعمال المتوسط والصغير 7 . بناء الاشتراكية المجددة في المستقبل البعيد.