2024-03-28 05:49 م

الانتخابات ورسم الواقع الديمقراطي في فلسطين!!!

2016-08-21
بقلم: رامي الغف*
بكل فخر، ازعم انني اول من دعوت الى انتخابات فلسطينية مبكرة كأفضل طريق نتجاوز فيها كافة المعاناه والهموم التي يعانيها المواطن الفلسطيني، وخاصة المشاكل العقيمة المتمثلة بالإنقسام الجغرافي والسياسي الجاري في الوطن الفلسطيني، وكان ذلك بعيد تشكيل حكومة التوافق التي تجمعت اوصالها على اساس المحاصصة بأضيق معانيها، لدرجة ان افضل وصف يمكن ان نطلقه عليها كونها حكومة محاصصات وكيانات بامتياز. ولم تكن الدعوة عبثية او لتلهية للجماهير الفلسطينية او لقضاء الوقت، ابدا، وانما هي طريقة تلجا اليها الكثير من الشعوب التي تعيش في ظل الانظمة الديمقراطية، عندما تشعر بان حكومتها او برلمانها او حتى السياسيين والزعماء وصلوا الى طريق مسدود، وذلك عندما يكون حاصل الجهد السياسي والتشريعي المبذول على مختلف الاصعدة يساوي صفرا، وهو حال الوطن اليوم الذي يدور فيه القادة وأصحاب القرار التنفيذي والسياسي في حلقة مفرغة بلا نتيجة، يختلفون على كل شيء ولا يتفقون على شيء، لدرجة ان العملية السياسية الفلسطينية برمتها كادت ان تكون مقفلة ومتجمدة عند نقطة معينة، ما سبب بكل هذا التدهور الامني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والخدمي. ان احد المطالب الجوهرية للانتخابات هو التغيير نحو الأفضل، الذي يمكن ان يضمن تحققه بالمشاركة أولا وحسن الاختيار ثانيا، ومعنى ذلك ان الانتخابات هي الالية الأساسية لتكوين حكومة قوية ونزيه ومهنية وصالحة ومجلس تشريعي يقوم بدوره كما يفترض وفق الدستور ومصالح الناس، وأن تكون هناك مجالس بلديات وقروية تخرج الجماهير من معاناته اليومية التي يعانيها ليل نهار، وان يكون هناك نمط من التجديد بالنسبة إلى مجمل الوضع الحكومي وفق ما ترغب به الجماهير، وان التغيير المطلوب هو ذلك التغيير الذي يكون شيئا صحيحا ومناسبا ومفيدا للوطن وجماهيره بصورة عامة. ان على الجماهير الفلسطينية ان يعتقدوا بصندوق الاقتراع كأفضل وأحسن آلة لتحقيق التغيير، شريطة ان يمارسوا التغيير من خلاله، بالفعل وليس بالتمنّي، اما اذا وقفوا أمامه ليعيدوا استنساخ الوضع بحجة او باخرى، فان التغيير سوف لن يحصل ابدا، فالعبرة ليست في صندوق الاقتراع وإنما فيما يضع فيه الناخبون من آراء وأصوات، فمثله كمثل الحاسوب، فهو يُنتج لك على أساس التغذية التي قدمتها له، فهو لا ينتج من عنده، ولا يفكر بالنيابة عنك، ابدا، فهو نتيجة لتغذية معينة، وهكذا هو صندوق الاقتراع، فهو نتيجة لخيارات الناخبين، فإذا لم يغيروا شيئا من خلاله، فانه سوف لن يعطي نتائج مغايرة لما وضع فيه الناخبون من آراء وأصوات. فالانتخاب هو ارادة الجماهير التي ينظمها الدستور فهو سلطة قانونية مصدرها الاساس الدستور الذي يقوم بتنظيمها من اجل ضمان اشتراك المواطنين في اختيار المسؤول بكل حرية دون تدخل السلطة المركزية وفقاً لما يرونه مناسباً لتحقيق امالهم وتطلعاتهم، وهي في الانظمة الديمقراطية ومنها فلسطين لا تقتصر على الانتخابات الرئاسية او التشريعية وإنما تشمل الانتخابات في مجالس المحافظات والمجالس البلدية في الاقضية والنواحي، وهذا النهج يتيح للمواطن التعبير عن رأيه بكل حرية ومن ثم اختيار من ينوب عنه في ادارة الوطن او المحافظة او الناحية، وله الحق في توجيه الانتقاد او الدعم للنائب الذي بدوره يعمل من اجل التعبير عن مصالح الدائرة الانتخابية التي جاء منها والتعبير عن الصالح العام قبل ذلك. إن انتخابات المجالس البلدية والقروية التي ستشهدها فلسطين الشهر القادم تمثل حجر أساس في بناء الديمقراطية الجديدة وهي تمهيد للانتخابات التشريعية، والتي من الممكن ان تغير خارطة الوجود والتحرك السياسي في فلسطين من خلال ظهور دماء جديدة ، وكفوءة، وصادقة ومخلصة وتتمتع بالنزاهة والحرص على قيادة الوطن نحو بر الآمان. إن الحراك السياسي المتمثل بانتخابات المجالس البلدية والقروية من شأنه التأسيس لمرحلة مفصلية في حياة فلسطين السياسية لجهة تحقيق الديمقراطية والعدالة والتنمية وإغناء العمل والتطوير في الوطن ولاسيما أن هناك أحزاباً سياسية دخلت الانتخابات وتتنافس على المفترض ان يكون الخدمة مقدمة اهدافها، والشعارات التي رفعت الأمر الذي يبشر بولادة مجالس محافظات جديدة قائم على مبدأ التعددية السياسية ما يبشر بمرحلة جديدة تتطلع فيها الجماهير الفلسطينية إلى المستقبل بتفاؤل يسود فيه العمل من أجل الوطن والمواطن ومعالجة هموم المواطن على كافة الأصعدة مع الحفاظ على التعايش السلمي بين مكونات الوطن ووحدة أراضيه من خلال العمل الأمثل فيها. دعوة الاخ الرئيس محمود عباس كانت واضحة تماماً في ضرورة المشاركة الواسعة والمكثفة في الانتخابات بانتخاب الاكفأ والانزه والاحرص على وطنه، وهي خالية البتة من الدوافع الحزبية والفصائلية والطائفية والجهوية، بل نراها بالعكس من ذلك مبتنية على رص الصفوف والوحدة الوطنية والوقوف بشكل حازم ضد جميع النعرات العنصرية والحزبية المقيته وكل ما من شأنه أن يفرق الجمع ويبدد الشمل، وفيما يتعلق بالانتخابات فهي دائما تدعو العقلاء في أن يدخلوا حلبة التنافس، لأن تنافسهم هو تنافس أن يحسن اختيار الجهة التي تطور وطنهم، وبصراحة أن معظم محافظاتنا ومدننا وقرانا ومناطقنا بحاجة إلى اعمار حقيقي وهي حاليا خارجة عن الخدمة، فإنها تحتاج إلى شبابية، تحتاج إلى حملة واسعة في كل مفاصل المحافظات والمدن سواء كانت الخدمية أو التطورية والإعمار والبناء والتعمير، لاستقلال وتقدم فلسطين من شمالها إلى جنوبها، والصلاحيات المعطاة إلى المجالس البلدية والقروية يجب أن تستغل بالشكل الأمثل، وعلى الجميع أن يفكر كيف يقدم الخدمة للمواطن والوطن، فإنه يتحقق بمجرد توجيه عام لعقلاء المحافظات والمجتمعات الفلسطينية. وأصبح من المعلوم أن الناخب الفلسطيني لديه خبرة كافية لانتخاب الأكثر نزاهة والأكثر كفاءة لإسداء الخدمة للوطن والمواطن، ولا يتحقق ذلك إلا بعد أن تجرى الانتخابات بشفافية ونزاهة ويعطى الناخب من خلالها الحرية الكاملة في انتخاب من يضمن حقوقه المشروعة، وحصول مثل هكذا انتخابات ليس صعب المنال وإنما بحاجة إلى تثقيف الناخب والمرشح، فالناخب ينبغي أن يكون على مستوى من المسؤولية لانتخاب من تتوفر فيه المواصفات التي تؤهله للخدمة بعيدا عن كل الميول الأخرى، والمرشح ينبغي أن يكون واعياً تماماً لما يختار من شخصيات كفوءة قادرة على قيادة المجالس البلدية والقروية نحو التطوير والانماء والأخذ بيد الوطن الفلسطيني لإيصاله إلى شاطئ الاستقلال والأمن والتطور والازدهار. إن البرنامج الناجح هو الذي يلمس المواطن مصداقيته حاضرا ومستقبلا وهو بلا شك أفضل من استخدام الصور والشعارات المخدرة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وفي الوقت نفسه نرى أن الذي يثير المشاعر المجردة في حملاته الانتخابية في الأعم الأغلب خالي الوفاض من أي مشروع حضاري للتغيير نحو مستقبل واعد، وهو مطمح كل فلسطيني غيور وشريف. آخر الكلام/ أيها الجماهير الفلسطينية، تعالوا، إذن، نمارس التغيير من خلال صندوق الاقتراع وننتخب الحر والشريف والنزيه والمخلص لكم ولوطنكم ولقضيتكم العادلة.
*إعلامي وباحث سياسي