2024-04-25 04:11 ص

أميركا تفرغ ما في جعبتها ،،،

2016-08-23
بقلم: علي قاسم
رَمَت أميركا ورقتها الأخيرة التي طالما اعتبرتها رصيداً إضافياً يمكن التلويح باستخدامه عند الحاجة، ورَمت معها ورقة التوت التي حاولت أن تتستر بها على عيوب سياستها وعورات خياراتهــــــا، بما فيهــــــا تلك التي اعـــــتُمدت للتمويه على أدواتها ومرتزقتها داخل المنطقة وخارجها.

إذ يدرك القاصي والداني أن التحرش الأخير من الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني والاعتداءات التي مارسها بحق المؤسسات والأفراد في الحسكة، يمثل استجابة مباشرة وفورية لأوامر أميركية، تجسدت في البحث عن مخارج لمأزق الرهان على مرتزقته، معتبرة أنه الورقة التي يمكن لها أن تقلب المعادلات وأن تغيّر الحسابات، أو في الحدّ الأدنى يشاغب على ما يحققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه، ويخفف من جهة ثانية الانتقادات الموجهة لواشنطن وتحالفه نتيجة تواضع ما حققه حتى اللحظة.‏‏

فأميركا التي رأت في رفع منسوب التنسيق بين سورية وإيران وروسيا تطوراً نوعياً، لا يمكن فعل شيء حياله، سوى التعبير عن الأسف -كما وَرَد على لسان خارجيتها- وتعويض العجز لا يمكن أن يتحقق إلا برمي المزيد من أوراق التصعيد، وهذه الأوراق لا تتسم بالخطورة، فقط، بل تحمل مؤشرات تدفع إلى الجزم بأن ما تسعى إليه أميركا أبعد كارثية من كل ما سبقه، وأشدّ عبثاً من كل مراحل العبث الأميركي باستقرار المنطقة والعالم، وهو ما تراهن عليه لقلب المعادلات كما تأمل، ولتغيير مسار الأحداث وتحديداً ما يتعلق منها بالميدان وتطوراته، حيث الأوراق الأميركية تسقط واحدة تلو الأخرى، وما تبقى منها لا قيمة له في الميدان.‏‏

الأشدُّ خطورة هو المنحى الذي تغوص فيه التداعيات التي ترتدّ من بقايا نتف الأوراق الأميركية المتناثرة، حيث تترك خلفها مساحات من فراغ مكاني وزماني لا تكتفي بتعديل مشاهد المشادة أو الاشتباك وقواعده، بقدر ما تؤسس لمرحلة من التدحرج السياسي والميداني سيكون من الصعب الإحاطة بكامل تداعياته، وسيكون من العسير إعادة استيعاب ما ينتج عنه، من دون أن يترك ندوبه في العلاقات الدولية، وأول المنسيات بعده سيكون مصير التفاهمات الأميركية الروسية، التي تتكشف أسباب ودوافع وعوامل فشل تطبيقها، في ظل التسويف والمماطلة والمراوغة الأميركية الحاضرة في كل تفاصيله.‏‏

على المقلب الآخر يبدو أن كل التداعيات واحتمالاتها لم تكن غائبة عن حسابات التنسيق السوري الروسي الإيراني، ولا هي خارج اعتبارات المعادلات التي أنتجها رفع منسوب التنسيق وتظهيره العملي، الذي جاء بعد مشاورات معمَّقة وعلى أعلى مستويات العمل السياسي والميداني، وهذا ما يوضحه بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة في سورية بعد الاعتداءات الأخيرة، وهو أيضاً ما ستُفصح عنه مواقف سياسية لمختلف الأطراف المعنية في الساعات والأيام القادمة، وبعضه سيكون عبر السياسة، وكثير منه قد يأتي عبر العمل الميداني المنسق والمتسق مع معطيات الواقع.‏‏

ضمن هذا السياق يدخل سباق المسافات الأميركية المتعثرة بين أوراق تحترق ورصيد أميركي يتآكل حتى في القاع الذي يحتمي به، بعد أن أخرج آخر ما في جعبته من أوراقٍ تحترق تباعاً، حيث من المحسوم أن إشهار أميركا لأوراقها ينتهي حيث يجري تدويرها أو نقلها من جعبة إلى أخرى، وحين تُفلس تدفع ما يتبقى من نتفها لتعلن بعدها التحضير لجولة سياسية تعيد خلالها ترميم ما يمكن ترميمه أو في الحدّ الأدنى العبث برماد يتناثر غرباً وشرقاً من دون أن تستقر على حال.‏‏

الفارق بين ورقة أميركية تحترق ورماد خيار مُفلس يتناثر.. وإن الفاصل الزمني يتلاشى أمام جملة من الخطوات العملية للتنسيق السوري الإيراني الروسي، التي ترتاد الميدان من بوابته الشرعية وعلى أساس قاعدته القانونية في مكافحة إرهاب لا يستطيع الأميركي ولا من معه من أدوات ومرتزقة أن يحاجج فيه، حتى لو تلوّنت جلدته أو تعدّل عكازه أو تغيّرت مظلّته أو تبدّلت مساراته.
عن صحيفة "الثورة" السورية