2024-04-25 01:43 م

هل عولمة، حقًا؟ أم شيء آخر؟

2016-08-25
بقلم: السيد شبل
العولمة، بمعنى الانفتاح على العالم، والمشاركة بين أطرافه والتقريب بينهم، والتلاقح الحضاري والتفاعل الثقافي بين القوميات والشعوب، ليست شرًا سوى في أنها لا تعني ذلك، بالضبط. ما يجري في سياق مفهوم العولمة، هو "أمركة"، بمعنى تسييد شريحة من البشر، بعقلية ما، وبلغة ما، وبإنتاج فني ما.. على سائر البشر الآخرين، واحتكار تلك الشريحة (نخبة المجتمع الأمريكي الرأسمالية، وليست حتى الشعب بمعناه العام) لمفهوم العالم، بحيث يصير العالم هم، والانفتاح على العالم يعني الانفتاح عليهم، والابتعاد عنهم، حتى لو اقترن بانفتاح على العالم الحقيقي كله، مرادف للانغلاق. عبدالناصر مثلًا، عندما تفاعل مع سائر شعوب العالم الثالث (الذي هو غالب العالم، بالمناسبة)، الطامحة في الحرية والاستقلال، كان يترجم مفهومًا صحيحًا لـ"العولمة" بمعنى التفاعل بين الشعوب، بعيدًا عن التمركز الأناني الشوفيني حول الذات، كان يمد يديه من قلب أفريقيا إلى شرقي أوروبا، ومن جنوب غربي الكرة الأرضية حيث أمريكا الجنوبية حتى هند نهرو والصين الشعبية، لكن هل ناصر، على المقياس الليبرالي، شخصية عالمية؟، لا، لأن عقولهم تم حشوها بأن العالم هو "الأورو-أمريكي". المعسكر الاشتراكي، كان سباقًا مثلًا لطرح مفهوم "الأممية"، بمعنى القائد الذي يمتد أثره وحضوره وإسهامه، لسائر الأمم المضطهدة والمستغَلة، ومع ذلك يرادف الليبراليون، بين سائر الدول الاشتراكية، والانغلاق. وليس ذلك إلا لأنهم رادفوا بين العولمة والأمركة، وصنّموا الطرف الأخير، وكل من خرج عن عبادة الوثن، صار كافرًا.. بماذا؟.. بالعولمة والانفتاح على الآخر.. أي آخر؟، هل تشتغلوننا؟ على المستوى الاقتصادي، لو كانت العولمة صادقة في دعواها، فإن هذا كان سيعني بالضبط، شراكة أكبر للعالم، في الموارد، ومسؤولية مشتركة أكبر في استثمار الموارد البشرية والمادية، لضمان توفير حاجات العالم، شراكة في تحمل مسؤولية منافحة الفقر والعوز والتصدي للاستغلال، لكن ما جرى هو بالضبط الضد من العولمة، لأن "العالم" صار مستبعد، والحاضر هم فقط "شريحة" غربية، تخدمها شرائح محلية "سماسرة ووكلاء"، وهؤلاء صادروا العالم في جيبهم، وحولوا الجميع إلى مستهلكين، يقفون في طوابير "السوق". يمكنك أن تراقب العالم من حولك في بيئتك العربية، كم فرد يمكنه تمزيق دائرة الفيلم "الأمريكي"، ليشاهد فيلمًا روسيًا أو إيرانيًا أو صينيًا؟، أليست العولمة، تعني انتقال الثقافات بين العالم؟، لماذا لا ينتقل سوى "الأمريكي"؟. لكن هل الأمر مجرد مصادفة أو مهارة فنية من "الأمريكي" تفوق مهارة الآخرين؟، الحقيقة أن المهارة موجودة عند الأمريكي، لكنها ليست حكرًا عليه، فهناك بالكوكب مهرة آخرين، لكن "الأمريكي" يحتكر توصيل مادته وحده، ويستخدم وكلاءه التجاريين، وملحقيه الثقافيين بسفاراته (وهم عناصر مخابراتية بالأصل)، لإجهاض منتجات الآخرين، وضمان عدم بلوغها شاشات كل "العالم"، ولا يدخر وسعًا لعرقلة "المنافس" من داخله، بافتعال الأزمات، واتكاءًا على تفوقه "المالي" وضخامة "مكتنزاته" التي هي حصيلة تدوير ما نهبه، يمكنه تفريغ منافسه من كفاءاته، ومصادرتها لصالحه، وتدجينها لتدور في ساقيته وحده، تدر عليه مال أكثر، ذلك في حالة فشل في طبعه بصبغته وتذويب خصائصه ونزع أسنانه، هل يتوقف الأمر عند ذلك؟، لا، لأنه عبر طابور من أدوات الاختراق الناعم في الإعلام، ينجح في تصوير كل طرف بالعالم عند غيره، على أنه (غريب وبعيد ومنبوذ وموصوم بالفشل).. بهدف شيء، واحد وهو تسييد نفسه على العالم، واحتكار "المهارة".. وكل هيمنة ثقافية يتبعها ترويج أكبر للعلامات التجارية، ونمط الحياة الترفي الاستهلاكي.. وبالتالي زيادة في (الربح) ذلك الإله الذي يعبده الرأسمالي (وليس الشعب) الأمريكي بإخلاص وتفان، كإمام، تتبعه صفوف من الوكلاء والسماسرة المحليين!. -- بالضبط كما (الأمم المتحدة).. هل هي متحدة، فعلًا؟ أو متكافئة؟ خلاصة الأزمة في أن الأشياء لا تعني أسماءها.. والأسماء، أحصنة طروادة، أو قفازات ناعمة تخفي الأيادي الحديدة!