2024-03-28 09:27 م

«الخطأ» الأميركي بفصوله المتدحرجة

2016-09-21
بقلم: علي قاسم**
إذا كانت دعوة مجلس الأمن لجلسة طارئة بعد العدوان الأميركي السافر هي مسرحية حسب توصيف المندوبة الأميركية، فإن كل ما يقوم به مجلس الأمن يحتاج إلى وقفة طويلة،
فيما تبدو التوصيفات عن فصول المهاترة الأميركية عاجزة في كثير من الأحيان عن تسمية ما تمارسه إدارتها من فجور في السياسة وعدوانية في العسكرة، خصوصاً حين تصبح المقارنة قائمة بين دورها وموقعها على المسرح العالمي وبين مساحات الهيمنة الحاضرة في خطواتها.‏

المفارقة ليست في خطاب أميركي أعوج تقوده دبلوماسية أميركية خرقاء، بقدر ما هو محكوم بما آلت إليه التداعيات المرافقة التي بدت تقدم أعذاراً أقبح من الذنب الذي يبدو أنه مرشح لمرحلة من التغول السياسي كما يحاول أن يقدم نفسه عسكرياً، حيث التبريرات والشروحات والتفسيرات ومجمل الصيغ المطاطة ذات البعد التسويغي تبدو أقرب إلى إدانة الأميركي في عدوانه أكثر من قدرتها على إيجاد ما يبرر الكثير من أفعاله، وهذا ما يمكن قراءته في جميع الردود الاميركية بمستوياتها المختلفة.‏

فالحديث عن الخطأ يدعو إلى الاشمئزاز، خصوصاً مع تلك الاسطوانة المشروخة التي ما فتئت تعيد وتكرر في المقولة نفسها وتجتر في الموقع عينه، وباتت عملة تفتقد رصيدها في القراءة السياسية، فيما كانت العنجهية الأميركية تقتضي في الحد الأدنى العمل على تفعيل دور مجلس الأمن بما يحفظ ماء وجه المنظمة الدولية، في حين تبرز إلى العلن مجموعة من الاستطالات المرضية الناتجة عن غرور سياسي وعسكري يعكس أو يترجم جزءاً من شهوة العدوان المكبوتة في العقل الأميركي بنسخته المستحدثة.‏

مشاهد الخطأ الأميركي التي تتكرر وتتمدد على مساحة المنطقة ماضياً وحاضراً، وتقدم هزليات من التشوّه السياسي والأخلاقي، باتت أمراً يستدعي التوقف عنده، ليس من باب ما تجرّه من كوارث وما تتسبب به من ويلات راح ضحيتها عشرات الآلاف على امتداد المنطقة، وإنما من زاوية الاستدلال على الاستهتار الأميركي، خصوصاً في التوقيت الذي يحمل رسائل متعددة الاتجاهات لم يكن بمقدور أحد أن يتجاهلها، تحديداً لجهة ما تعنيه من انحياز للتنظيمات الإرهابية، ليس بوصف الأميركي حامياً لها في السياسة، لكن بموقعه كمدافع عنها حتى عسكرياً، حيث العدوان يحمل بصمات وسمات تلك الاستماتة الأميركية لمنع استهداف جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية على مدى الأشهر الماضية وصولاً إلى المشاركة المباشرة في العدوان ومن خندق داعش ذاته.‏

العدوان الأميركي لم يعد مجرد تحول أو انعطاف في المقاربة السياسية والميدانية الأميركية، بقدر ما يحمل مؤشرات خطيرة أفصحت عن بعض جوانبها لغة التصعيد تجاه روسيا، وهي مؤشرات لم تكتفِ بقلب الحقائق ومحاولة حرف الأنظار، وإنما وصلت حد التهديد المباشر الذي كان من الطبيعي أن يستدرج مواقف مقابلة، وأن تتحول جلسة مجلس الأمن إلى محك لمشادة تتجاوز حدود السياسة وتقفل الباب على أجواء التفاؤل الحذر الذي أرخى عليه الاتفاق الأخير بظلال من التمنيات، رغم الشكوك المتزايدة والأدلة المقنعة على تسويف أميركي يستهدف حماية الإرهابيين وتأمين الملاذ السياسي للإبقاء على حضورهم، وتمديد صلاحية استخدامهم للمرحلة القادمة.‏

فصول الخطأ الأميركي تدحرجت على مدى عقود خلت وتسارعت في همجيتها ورعونتها، وهي تشهد مقاطع إضافية تتورم إلى حد المرض في السياسة وتستطيل إلى مستوى الكارثة في الميدان، حيث بات فيه العدوان مجرد التباس.. والوقوف في خندق الإرهاب وعلى جبهته مجرد سوء تقدير في الإحداثيات، بينما حياة الأبرياء ومصير الشعوب تحتمل في العرف الأميركي فصولا إضافية، بما فيها تلك التي أوصلت دولاً إلى حد التلاشي.. وشعوباً إلى مرحلة الفناء.. ومنطقة إلى فوهة الفاجعة.. وعالماً إلى مستوى الارتجاج في مقاربات السياسة وإلى حدود الغليان في المواجهة.‏

** رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية