2024-04-25 04:54 م

الحرب الباردة على نار هادئة

2016-09-26
بقلم: محمد توتونجي
تعمدوا إهانة الأمة الروسية ولم يتعلموا القاعدة الأساسية في الحروب بأن العودة للضواري ، لم يتعلموا بأنه من أهم قواعد الحروب بأنك خاسر فاشل إذا ما قررت إذلال خصمك وأهانته ، لأن نصرك لا يكون بتدمير قوة عدوك العسكرية فقط أو تدمير البنى التحتية وتدمير جيشه ، لإن عدوك هذا الذي تعمدت أهانته وإذلاله إن لم تقم بإبادته شعبياً وعسكرياً بشكل كامل ، وذلك لم يسبق له في التاريخ مثيلاً ، فأنه مهما طال الأمد فإن عدوك هذا الذي قمت بإذلاله وإهانته سيبني نفسه من جديد وسيعود لينتقم وغالباً ما تكون العودة للضواري ، وسينتقم منك ويلحق بك الهزيمة مهما طال الزمن. تعمدوا إهانة الأمة الروسية وتعاملوا معها بما لا يليق بما تمثله من تعداد سكاني وقوة علمية وعسكرية وقوة إقتصادية عظمى ، والأولى في العالم بتصدير النفط والغاز ، وبما تمثله من قيمة حضارية وإنسانية وتاريخية ، إضافة إلى أحلافها وحلفائها الذين يمثلون ما يقارب أكثر من نصف سكان الأرض ، وحليفتها الكبرى الصين التي اضحت تتربع على المركز الأول إقتصادياً في العالم. نعم ايها السادة ، لقد تعمدوا إهانة الأمة الروسية فأستنهضوا رجل " الكي – جي – بي " القوي الصلب القيصر بوتين لرد إعتبار روسيا العظمى. ذلك الرجل الذي لازال يحظى بتأييد 85% من شعبه بالرغم من تهاوي إقتصاد دولته وتدهور سعر الروبل الروسي بشكل ملحوظ ، في الوقت الذي تتهاوى بل تنهار شعبية زعماء الدول التي تحاربه لمستويات قياسية وبشكل متسارع ، وخصوصاً تلك الدول التي تخوض الحرب الباردة والحرب بالوكالة عليه بشكل مباشر ،بعد فرض تلك الدول "عقوبات إقتصادية " والتي من نتائجها : خسارة 100 مليار دولار سنوياً نتيجة تخفيض أسعار النفط !!! خسارة 40 مليار دولار سنوياً نتيجة الحظر الإقتصادي !!! تهاوي سعر الروبل بشكل كبير !!! علماً أنني لست مع مصطلح "عقوبات" لأن العقوبات لا تفرض على دولة عظمى مثل روسيا ، التي تمتلك ثاني احتياط في العالم من العملة الصعبة ، والأهم أنها تتحكم بصنبور عصب الطاقة الصناعية والتدفئة في شتاء أوروبا القارص من الغاز. فمن يعاقب من ؟؟؟؟؟ أو من يعزل من ؟؟؟؟؟ أوروبا المريضة التي كادت أن تتسب اليونان الدولة الصغيرة إقتصادياً فيها بكارثة إقتصادية تطيح باليورو وتعرض الإتحاد المالي الأوروبي للخطر والدمار ، وأوروبا التي تتجمد كلياً بدون الغاز الروسي شتاءً ، أما الولايات المتحدة التي تدين بأكثر من 5 تريليون دولار لحلفية روسيا الأكبر في العالم آلا وهي الصين !!! وهي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التي تراجعت للمركز الإقتصادي الثاني في العالم. بالرغم من كل هذا فإن القيصر بوتين يرد على الناتو مرتين : الأولى بتعهده بتعافي الإقتصاد الروسي خلال سنتين على الأكثر ، أما رده الثاني المزلزل كان بتعديل العقيدة العسكرية للجيش الروسي ، والرد المخرس بالقول " واهمٌ من يعتقد أنه قادر على تغيير ما حدث في القرم ، فإن القرم تعني لنا ما يعنيه المسجد الأقصى والكعبة للمسلمين ، وكنيسة المهد للمسيحيين". وبالرغم من تعرض القيصر بوتين لضربة مربكة في حديقته الخلفية أوكرانيا ، فما زال الرجل يحافظ على هدوئه الصلب ، ويرد بضربات من الثلج الروسي على صقور الولايات المتحدة الأمريكية في البيت الأبيض والكونغرس. وبوتين الذي رفض تسليم العميل سنودن ، وبوتين الذي يقود الحرب مواجهة في سورية مع أمريكا والناتو ، وبوتين الذي يصر على النصر السوري وتثبيت النووي الإيراني ، وبوتين الذي أتى بقوته العسكرية الكبرى الجوية و البحرية و الفضائية والديبلوماسية ، والكثير من الجفاء السياسي والديبلوماسي بين الرجلين أوباما وبوتين ، وكذلك المواقف المعلنة في المواجهة بينهما في مجلس الأمن ، وكل القضايا على الساحتين الإقلمية والدولية ، كلها مؤشرات الحرب الباردة وهي ظاهرة جداً ، والطرفان يطبخانها على نار هادئة بعيداً عن المواجهة العسكرية المباشرة. فالعقيدة الجديدة للجيش الروسي ، موجهة لمفهوم الدفاع ، والتي تعتبر رداً على محاولات الناتو الإنتشار على الحدود الروسية والتي تمس محيط أمن روسيا القومي ، والعقيدة الجديدة تشدد على استخدام القوة العسكرية فقط عندما تستنفذ كافة الجهود غير العنيفة . ولكن قرأ الجميع من بين السطور التهديدات العلنية ، ومنح الرئيس بوتين الصلاحية المطلقة بإستخدام القوة النووية في الرد على أي اعتداء أو تصرف يهدد أمن روسيا ووجودها وحلفائها ، وإعادة تفعيل برنامج حرب النجوم ، ونشر الأسلحة النووية الإستراتيجية في الفضاء. الحرب الباردة أكثر ما يشبهها في حياتنا اليومية هو عض سياسة الأصابع بين المتنافسين ، فمن يصرخ أخيراً يربح كثيراً ، فهل سيستمر ثبات الصعود الروسي بقيادة القيصر بوتين وتنامي قوة حلفائه وثباتهم في مواجهة الضربات من الأمريكي وأذنابه في ساحات المواجهة من بحر الصين وكوريا الشمالية وجمهوريات القوقاز وإيران وسوريا والعراق وأوكرانيا الشرقية وأوسيتيا الجنوبية ، ويعلن أفول النجم الأمركي في حرب النجوم ، أم أن النزعة الأمركية الأوروبية الإستعمارية الإمبريالية التوسعية هي التي ستصمد وتجبر الروسي وحلفاؤه على الصراخ أولاً في معركة عض الأصابع من أجل عالم متعدد الأقطاب؟؟؟؟