2024-04-19 10:08 م

التدخلات العربية يجب أن تجابه باللجوء للشعب الفلسطيني

2016-09-30
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
قبل فترة بسيطة أبدى رئيس السلطة الفلسطينية السيد أبو مازن امتعاضه من بعض الدول العربية (الرباعية العربية التي تحاول فرض رجوع السيد محمد دحلان الى حركة فتح والى موقعه في اللجنة المركزية قبل أن يتم فصله من الحركة بناء على اللوائح الداخلية للحركة. ولقد فهم الجميع أن هذه الخطوة الأولى لفتح الطريق أما دحلان للوصول الى هرم السلطة بعد تقديم الرئيس عباس استقالته من منصبه. وفي احدى خطبه هدد الرئيس عباس بقطع أيادي البعض الذي تربطه علاقات مع بعض الدول الإقليمية واستخدامها المال السياسي لتحقيق أغراضها. وأكد عندها في حديثه الذي كان ينم عن غضب عارم "أننا أصحاب القرار ونحن الذين نقرر ونحن الذين ننفذ ولا أحد يستطيع ان يملي علينا ما يجب عمله" http://pelest.com/article/view/id/10509. واليوم نرى الرئيس عباس يقوم بإرسال رسائل الى قادة بعض الدول العربية ذات الثقل في منطقة الشرق الأوسط يهدد باستقالته من منصبه إذا ما استمرت التدخلات العربية في الشأن الفلسطيني الداخلي، واللعب على وتر الصراعات الداخلية التي تعصف بحركة فتح على وجه الخصوص (http://pelest.com/news/view/id/36079). نحن لسنا بصدد مناقشة الوضع الداخلي لحركة فتح أو الخلافات ما بين قادتها وهل من المفترض عودة السيد دحلان أم لا فهذه أمور داخلية لحركة فتح التي لها باع طويل في مسار الثورة الفلسطينية والحركة لها قوانينها ولوائحها الداخلية التي تستطيع الرجوع اليها وحل خلافاتها الداخلية. ولكن ما يحق لنا أن نتساءل عنه لماذا يهدد الرئيس عباس زعماء بعض الدول العربية بتقديم استقالته من منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية؟ نستطيع أن نتفهم إذا أقدم الرئيس عباس بتقديم استقالته أو التهديد بتقديمها الى اللجنة التنفيذية مثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية من منصبه إذا ما أقدمت اللجنة التنفيذية في الوقوف بحزم ضد أية سياسة ينتهجها الرئيس عباس أو عدم الموافقة على مقترحات تقدم من الرئاسة الى منظمة التحرير الفلسطينية. لأنه أو أنه من المفروض أن يخضع لنظام المسألة والمحاسبة على الأقل من الناحية النظرية. أما أن يهدد بعض قادة الدول العربية بالاستقالة فأنه يعطي الانطباع بأن الرئيس عباس يعمل عند هؤلاء القادة، وهذا بالطبع ما لا يرتضي به أي فلسطيني بغض النظر عن ميوله أو انتمائه السياسي. كما قيل أن الرسائل التي وجهها الرئيس تتضمن كلمات ومضامين شديدة اللهجة من شأنها الإشارة الى التدخلات العربية التي تحاول التأثير أو حتى سلب القرار الفلسطيني الموحد. للسيد الرئيس نود أن نقول ونؤكد أن الرسائل وبالرغم من أهميتها فإنها لن تمنع هذه التدخلات وهي بالمناسبة ليس بالأمر الجديد. الجديد بها أنها تريد استبدال شريحة من الطبقة السياسية الفلسطينية بشريحة أخرى لا تختلف عنها في المضمون أو الاستراتيجية أو الفكر أو البرنامج الذي ستأتي به. ان من يريد تحصين القرار الفلسطيني ويقلل من تأثير تدخلات النظام العربي الرسمي المتهالك على التطبيع مع الكيان الصهيوني والذي يعمل على اسقاط حق العودة والقبول بالفتات الذي يمكن أن يقدمه العدو الصهيوني، هذا ان كان رافضا حقا للتدخلات وبغض النظر عن مصدرها فان الحكمة والتجربة التاريخية للثورة الفلسطينية تستدعي من هذا الطرف اللجوء الى الحاضنة الطبيعية لهذه القضية والثورة. هذه الحاضنة التي لم تبخل في يوم من الأيام عن العطاء المستمر بالرغم من الأسى والظلم وحجم قوافل الشهداء التي قدمتها هذه الحاضنة للإبقاء على جذوة الثورة والكرامة والعزة. هذه الحاضنة هي الشعب الفلسطيني حيثما تواجد ان كان داخل فلسطين المحتلة بكامل جغرافيتها أو خارجها. لقد أوضحت التجربة بشكل لا لبس فيه أنه كلما ابتعدت القيادة الفلسطينية عن هذه الحاضنة وأستأثرت بالقرار السياسي، وقامت بإقصاء الفصائل الفلسطينية، وغيبت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ازدادت الضغوطات على هذه القيادة من قبل الدول الإقليمية والدولية مما استدعاها تقديم مزيد من التنازلات المجانية في "المفاوضات" مع الكيان الصهيوني، تحت الذريعة التي تردد مع كل تراجع وتنازل الا وهي الموقف العربي الرسمي وحالة الوهن العربي والانشغال العربي بقضايا أخرى داخلية. وحقيقة الامر أن القيادة المتنفذة الفلسطينية سلمت الدفة الفلسطينية لهذا النظام العربي الرسمي المتهالك الذي يسعى الان لتفصيل قيادة جديدة وخلق المناخات الإقليمية لإنهاء القضية التي باتت تزعجهم لانهم مشغولين في أمور أخرى وهي تدمير الذات والهوية العربية. وربما التصريحات التي أدلت بها تسفي ليفني زعيمة حزب كاديما في الكيان الصهيوني مؤخرا بعد اجتماعها ببعض قيادات خليجية في نيويورك من أن المطلوب من إسرائيل تقديم بعض التنازلات ومحاولة النظر الى المبادرة العربية التي قدمت عام 2002 في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في بيروت بعين الاعتبار. كما وأوضحت ليفني بأن هذه الدول الخليجية على استعداد لتقبل تغيرات في المبادرة لمراعاة المطالب الإسرائيلية وخاصة في مجال ضمان الامن الإسرائيلي. وعلى أن هذه القيادات الخليجية لا تستطيع الذهاب بعيدا الان في مجالات التطبيع والتنسيق والتعاون الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والأمني مع إسرائيل نظرا للإحراج الذي تسببه السياسة والتعنت الاسرائيلي لهم في حالة التطبيع الكامل مع إسرائيل. الاخبار تشير الى أن حركة فتح على أبواب اتخاذ قرارات "مصيرية وحاسمة" في الاجتماع الموسع لكافة الأطر التنظيمية للحركة والذي سيعقد غدا. ويبقى الانتظار سيد الموقف لنرى ما هي هذه القرارات المصيرية والحاسمة وهل ستقتصر هذه القرارات على شؤون التنظيم الداخلية، أم أنها ستتعدى ذلك لتتناول الاخطار الحقيقية المحدقة بالقضية الفلسطينية والضغوطات وعمليات الابتزاز الذي يمارسها النظام العربي الرسمي وخاصة من بعض الدول الخليجية على قيادة السلطة الفلسطينية؟ وأخيرا نقول إن فلسطين كانت تفرض نفسها على النظام العربي الرسمي وتلجم مواقفه المتخاذلة والانحدار نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني على الأقل علنيا، أما الان ونتيجة الاستئثار والتفرد بالقرار الفلسطيني وعمليات الاقصاء المستمرة والممنهجة للفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعدم توحد الفصائل الفلسطينية واتخاذ مواقف جريئة ضد هذه السياسة المدمرة، أصبح النظام العربي الرسمي هو الذي يملي على القيادة المتنفذة ما يجب فعله والمسار الذي يجب ان تتخذه.