2024-03-28 05:45 م

الفيدرالية والتقسيم علي أساسها في سوريا والأيادي الإسرائيلية من وراءها

2016-10-17
بقلم: عميرة ايسر
يكثر الحديث عن الفيدرالية في سوريا كحل سياسي نهائي يمكن أن يتم بتوافق بين مختلف الأطياف السياسية والمكونات الطائفية والدينية والعرقية في سوريا ,ولنسلط الضوء أكثر علي ما يدور في هذا البلد من أحداث سياسية طارئة علينا كما يقول فولتير,أن نحدد المصطلحات لنستطيع فهم الموضوع ,فهناك فرق بين الفدرالية والكنفدرالية والتقسيم,ففقهاء القانون الدولي حسب رأي المحامية والناشطة الحقوقية سندريلا مرهج لم يستطيعوا إيجاد تعريف جامع لمصطلح الفدرالية فنجد الدولة الفدرالية والدولة الاتحادية والاتحاد الفدرالي,فليس هناك أسس جامعة لهذه الدول التي طبقت الفدرالية ولكن هناك أسس ومبادئ جامعة لكل الأنظمة الفدرالية التي طبقت في 30دولة ,فالاتحاد الفدرالي إنما ينشا وفق مبادئ حقوق الإنسان المقررة في الميثاق الدولي للأمم المتحدة,وهو حق الشعوب في تقرير المصير,وبالتالي تصبح هناك ازدواجية في السلطة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية التي تشكل الدولة الفدرالية وبهذا المعني فان أكراد سوريا لم يقوموا بتبني نظام فدرالي يضمن لهم سلطة محلية ضمن إطاره السياسي فهم لم ينشئوا هكذا نظام في مؤتمرهم الذي ضم 31حزبا عربيا وكرديا وسريانيا وتركمانيا وشاركت فيه أزيد من 200شخصية سياسية وإنما أعلنوا عما يمكن أن نسميه حكما ذاتيا موسعا,فالدولة الفدرالية هي من تمسك بزمام السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي وحق الدفاع وإعلان الحرب وحق توقيع المعاهدات والاتفاقيات باسم كامل مكوناتها مع الدول الأخرى,وهي من تقوم كذلك بتحديد السياسة الاقتصادية للدولة ومنح الجنسية لرعاياها إلى غير ذلك من مهامها التي يفصلها الدستور الفدرالي الذي يحدد سلطات الأقاليم الفدرالية وكيفية ممارسة الحكم المحلي فيها فالسلطة المحلية التي تدير شؤون الإقليم في الاتحاد الفدرالي يكون لديها سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية خاصة تطبقها على أن لا تتعارض مع السياسة العامة للدولة الفدرالية ,وهناك من يعطي تعريفا أخر لهذا المصطلح السياسي كالدكتورة هلا العلى الأستاذة في العلوم السياسية في جامعة تشرين السورية إذا تعرف الدولة الفدرالية بأنها عبارة عن اتحاد كيانات أو أقاليم أو دول ترى في أن ما يجمعها هو عبارة عن قواسم مشتركة مع استقلال نسبي لهذه الأجزاء أو المكونات وعكسها هو التقسيم الداخلي عوض الاتحاد وهذا مفهوم إيديولوجي أكثر منه سياسي وهو يتطلب الكثير من الدقة والحذر والتميز,فشبح التقسيم أصبح واردا في مناطق الأكراد في الشمال وذلك تحت شعار الدولة الفدرالية ,ويجب أن نفرق بين نوعين من الفدرالية ,فدرالية خارجية وهي المفروضة من الخارج وفق مصالح الدول ألكبرى والتي تحاول بعض الأطراف فرضها على سوريا كحل نهائي لهذه المشكلة التي باتت لا تقبل حلا عسكريا دون غطاء سياسي يرضي كل مكونات الشعب السوري والتي قد تتخذها دول كأمريكا وإسرائيل وتركيا كذريعة لتقسيم سوريا والسيطرة على مناطق الأكراد فيها كما حدث مع إقليم كردستان العراق. - فرغم تأكيد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بان واشنطن لن تقبل الفدرالية في هذا البلد كنظام سياسي ولكن حسب تسريبات وثائق ويكليكس فإن السفير الأمريكي في سوريا أوصي في رسالة بعث إليها إلى إدارة البيت الأبيض في واشنطن سنة2006وجاءت في شكل نصائح بأن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تسليط الضوء على الشكاوى الكردية وكذلك على المصاعب الاقتصادية التي تعاني منها مناطقهم والتركيز على رفض الحكومة في دمشق منح الجنسية لقرابة 200الف كردي لا يملكونها,وليس أمريكا هي وحدها من يدفع إلى إستغلال القضية الكردية من أجل الدفع باتجاه تنفيذ مشاريع التقسيم في الوطن العربي ومنها في سوريا ,إذ وفي حلقة نقاش جرت في مركز بيغن السادات لدراسات والأبحاث الإستراتيجية في يناير 2013,أكد خلالها المجتمعون على ضرورة أن تكون الإستراتيجية الإسرائيلية طويلة الأمد من أجل مساعدة الكرد في سوريا والعراق وتركيا على القتال من أجل تحقيق إستقلالهم ,فإسرائيل حاضرة بقوة في دعم إستقلال الأكراد في كل الدول الذين يتواجدون بها وهذا ما أكد عليه وزير الأمن الإسرائيلي السابق أفي ديختر عام 2008في محاضرة له إذ أكد على أن الأكراد في العراق لا يدعون مناسبة بدون الإشادة بالدور الإسرائيلي في دعمهم ,وأكد بأن على دولة إسرائيل البقاء إلى جانب الأكراد لتحقيق هدفهم القومي أي مرحلة الاستقلال الفعلي والتام ,فهناك إلتزام كردي بتشغيل خط أنبوب نقل النفط من كركوك إلى حيفا عبر الأردن أو تركيا من طرف القيادة الكردية في العراق,فهدف إسرائيل هو عدم السماح للعراق باستعادة دوره العربي والإقليمي لأننا سنكون أول المتضررين,ونحن نعمل على تطوير شراكة أمنية وإستراتيجية مع القيادة الكردية وأكدنا لها بأن الشراكة مع إسرائيل يجب أن لا تضر تركيا حاليا,رغم أن الموساد يعمل سرا على دعم إنفصال أكراد تركيا في الجنوب التركي,ونوه في تلك المحاضرة على أن ميدان الشراكة قائم في العراق ولا بد من توسيعه صوب سوريا وإيران,فالعمل على تفتيت سوريا وقدراتها يتم عن طريق التواصل مع المعارضة السورية في الخارج فهذه المعارضة لها إمتداد وحضور في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وفي الأردن وفي لبنان وعلينا أن نعمل على إبقاء هذه الإتصالات معها بعيدة عن أعين الإعلام ,فالكيان العبري يقف خلف تنفيذ مخططات التقسيم لأنه بذلك سيبدد قوة الجيوش العربية في صراعات داخلية ويبعدها عن قضاياها الجوهرية في حماية أوطانها والذود عنها ضد التدخلات الخارجية ,فرغم أن معظم دولنا العربية تقيم مع إسرائيل علاقات سرية ولكن في حدود الحفاظ على الأمن القطري لكل بلد عربي على حدى ومع الحرص على أن لا تمتد اليد الصهيونية لفرض مشاريع التقسيم فيها تحت غطاء الفدرالية ,ففكرة الفدرالية في سوريا طرحت في بدايات عشرينيات القرن الماضي,وضمت كلا من دولة حلب ودمشق وجبل العلويين وجبل الدروز ورعاها الفرنسيون وقتها وإنتفض الشعب السوري من أجل توحيد البلاد ولم يفرق بين صالح العلى وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش رغم إختلاف طوائفهم ودياناتهم وأعراقهم,وقد لعب الزعيم الكردي يوسف العظم بطل معركة ميسلون ومؤسس الجيش السوري الحديث دورا تاريخيا في إفشال هذا المخطط الاستعماري لتفتيت سوريا وقتها,فالمشروع ليس وليد الأحداث الراهنة ولكن هو قديم وله إمتدادات وجذور تاريخية ,وبالعودة إلى بداية السنة الحالية وبالتحديد إلى شهر يناير فإن دولة كردستان العراق قد أعلنت إفلاسها وإضطر رئيس الحكومة المركزية حيدر ألعبادي في بغداد إلى دفع رواتب موظفيها وتمويل ميزانيتها في مقابل أن يلتزم الإقليم بعدم بيع النفط الموجود في حقول الموصل إلى دول أجنبية وبأسعار تنافسية,فالحكم على التجربة الفدرالية يجب أن يأخذ وقتا طويلا لكي نحكم على نجاحها أو فشلها ونستطيع تقيمها بعيدا عن المزايدات السياسية أو الأهواء العرقية أو العصبية الجهوية ,ويقول الأستاذ والخبير في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية طلال أرسلان بأن نجاح النظام الفدرالي يجب أن يكون له شروط موضوعية أهمها أن يكون الشعب يمتلك مستوى ثقافي ومعرفي وحضاري يؤهله لفهم طبيعة هذا التنظيم السياسي وتطبيقه واقعيا. ,فالدول الفدرالية التي لا يراعى فيها فهم الإختلافات العرقية والإثنية والثقافية المكونة لعناصر هذه الدولة ستؤدي إلى حدوث تقسيمات مؤلمة داخلها وتصبح العملية عبارة عن متتالية هندسية إذ ستنقسم الأقاليم إلى مكونات قبلية وهكذا دواليك وهذا ما حدث في النموذج السوداني الذي حكمته سلطة دكتاتورية قمعية ذات توجهات إسلامية منذ 1989والذي جعل من السودان بلدا فدراليا يتكون من 26إقليما عوض 10أقاليم ,ومنذ ذلك الوقت والمشاكل تتفاقم في هذا البلد حتى تم إنفصال الجنوب عن السلطة المركزية في الخرطوم وهو يمثل ثلث مساحة السودان ويمتلك حوالي 80بالمئة من ثرواته النفطية وفيه 128مليون رأس من الماشية فضلا عن مساحته الزراعية الشاسعة التي كان يمكن أن تغذي كامل الوطن العربي فضلا عن ثرواته الباطنية الضخمة,ومنذ 1956دعمت إسرائيل الحركات الانفصالية فيه من حركة آنيا نيا حتى سنة1972وبعد ظهور جيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون غرانغ دعمته بالسلاح والمال والتدريب والمستشارين وفي سنة2003إمتد التمرد إلى غرب دارفور وبدعم صهيوني كذلك ,فإسرائيل تطبق نفس هذه السياسة في سوريا وتتبع نفس الأساليب التي إتبعتها لتقسيم السودان ,فهدفها الأساسي ليس مساعدة الأكراد على إقامة حلمهم المتمثل في حصولهم على دولة تلم شتاتهم على النمط الصهيوني ولكن هدفها ضرب الدول العربية في مقتل وتفتيتها عن طريق ضرب مكونات البلد الواحد وخلق النعرات والحساسيات العرقية بين العرب والأكراد ومحاولة تمرير مشروع الدولة الفدرالية كخطوة أولى لإقامة كيان سياسي كردي في سوريا برئيس مستقل وصلاحيات كاملة مع الحرص على الحصول على إعتراف أممي به كممثل وحيد للشعب الكردي ,ولكن هذا المسعى قد يبدو صعب التحقيق لعدة عوامل وأسباب من بينها أن قادة الكتل الكردية في جوار سوريا غير متفاهمين سياسيا وأكبر دليل على ذلك هو دعم أكراد العراق لحكومة اردوغان ضد حزب العمال الكردستاني رغم أن حزب العمال الكردي في تركيا له امتداد وقواعد في شمال العراق ,وهناك جزء واسع من المثقفين والسياسيين الأكراد حسبما يري رئيس المركز الكردي للدراسات الأستاذ نواف خليل في سوريا تحديدا لا يطالبون بالانفصال عن الحكومة المركزية في دمشق وإنما بأن يتمتعوا بنوع من الحكم الذاتي والحصول علي حقوق متساوية وبناء نظام توافقي ديمقراطي مع إحترام الخصوصية اللغوية والعرقية والثقافية لهم,فهم جزء لا يتجزأ طوال تاريخهم من الدولة السورية وقد حاربوا القوى الإستعمارية مثلما فعل باقي أطياف الشعب ولا يحق لأحد بان يزايد على وطنيتهم أو أن يتهمهم بالخيانة ولكنهم بدؤوا يلاحظون بأنهم يستحقون تمثيلا سياسيا أكبر ضمن نظام سياسي يعكس دورهم وحجمهم وكثافتهم السكانية ويضمن لهم حقهم كمواطنين ,وهم يدركون جيدا ما تريده إسرائيل منهم ومن وراء دعمها لهم فهم لن ينسوا أبدا أن هذه الدولة من ساعدت الأتراك على إعتقال الزعيم الكردي عبد الله أوجلان وكذلك فان دماءهم قد إختلطت مع دماء العرب وغيرهم في معركة قلعة شتيف ومنهم من تلقي تدريبه على يد المنظمات الفلسطينية التي تقاتل ضد إسرائيل في قتالهم ضد الأتراك,فالوعي الكردي بهذه الحقائق التاريخية مهم للغاية ,فهم يعتبرون إسرائيل عدوا لهم كيف لا وهي التي قصفت في العديد من المرات مواقعهم في منطقة الجزيرة في سوريا وعين العرب في كوياني ودعمت التنظيمات الإرهابية التي يقاتلونها ,فهم رغم مطالبتهم بنظام سياسي فدرالي إلا أنهم لن يسمحوا لإسرائيل أن تستغلهم كما استغلت أكراد العراق لتقسيم وطنهم الأم سوريا. 
كاتب جزائري