2024-04-20 01:18 ص

أيها العربي: إلزم حدودك.. الموصل مقابل حلب؟

2016-10-18
بقلم: سامي كليب

لم يعرف تاريخ السياسة في العالم منذ نشأته مثيلاً لما قاله قبل يومين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره العراقي حيدر العبادي. بلغ الذل العربي مرحلة يستطيع فيها سليل السلطنة العثمانية مخاطبة رئيس وزراء دولة عريقة بحضارتها وتاريخها كالعراق بالقول: «إن صراخك يا سيد عبادي ليس مهمّاً بالنّسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدّك أولاً».. أما الرد العراقي الرسمي فكان أبيخ من أن يُذكر، وذكّرنا بشكاوى العرب ونحيبهم أمام مجلس الأمن ضد إسرائيل.

في الجانب القانوني، ما قاله أردوغان خرق فاضح لسيادة دولة مفترض أنها مستقلة (حتى ولو أنها مشرّعة لكثير من الدول الإقليمية والدولية). وفي الجانب الأخلاقي هذه وقاحة. وفي الجانب السياسي والديبلوماسي، فإن كلامه لا يدخل مطلقاً في أصول المخاطبات. أما في الجانب المذهبي، فهذا جوهر الكارثة التي تحرق الوطن العربي من رأسه حتى أخمص قدميه. يريد اردوغان بكل بساطة ان يقول للعبادي، لن أسمح لك بأن تُسكن الحشد الشعبي (ذا الغالبية الشيعية) مكان سنة الموصل. ليس في الأمر اذاً محاولة إبداء الحرص على السنة العرب والتركمان والكرد فقط وإنما فيه شيء من أحلام التاريخ حيث كانت الموصل جزءاً من السلطنة العثمانية. هنا لا شك أن أردوغان يدغدغ مشاعر قسم لا بأس به من العراقيين تماماً كما كان حاله في سورية ومصر وغيرهما، فثمة من يرى فيه حامياً للسنة مقابل حماية ايران للشيعة. وهذه مصيبة. فكيف لا يسأل أردوغان: «هل يمكن تفريق غازي عنتاب عن حلب، وسيرت عن الموصل..؟».

العقل الأردوغاني لن يتغير. لنعد قليلاً إلى جوهر موقفه مثلاً حيال سورية. يقول:

يسألوننا عن أسباب انشغالنا بسورية. الجواب بسيط للغاية، لأننا بلد تأسس على بقية الدولة العليَّة العثمانية. نحن أحفاد السلاجقة. نحن أحفاد العثمانيين.

هذا ما قاله مراراً أيضاً أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب العدالة والتنمية سابقاً ومنظّر السياسة الخارجية التي اختصرها في كتابه المهم «العمق الاستراتيجي». قال أوغلو قبل ان يُلقي عليه أردوغان كل مصائبه ويُبعده:

- إن «شرقاً أوسط جديداً يولد في المنطقة، وفكر هذا الشرق الجديد سترسمه تركيا التي ستقوده إلى التغيير».

وها هو أردوغان يقول في نهاية الشهر الماضي إن معاهدة لوزان لعام 1920 هزيمة وليست نصراً. ما يعني ان الرجل مهجوس فعلاً بإعادة مناطق عربية أو يونانية وغيرها إلى السلطنة الجديدة. يبدو أن ضم أراضٍ جديدة هو شروط أساسية لترسيخ عهد أي سلطان، تماماً كما أن التواجد في واحدة من المدن الثلاث بغداد ودمشق ومكة هو شرط لترسيخ أي خلافة عبر التاريخ.

اصطدم المشروع التركي بالانقلاب العسكري المصري على الاخوان المسلمين وإطاحتهم من الحكم. واصطدم بصمود الجيش السوري ودخول «حزب الله» وإيران ثم روسيا على خط الحرب. واصطدم بخذلان حلفائه في الأطلسي وبتحول الحرب السورية إلى ساحة صراع روسي أميركي. وأخيراً شعر بأن الفخ الكردي في الشمال السوري أكبر من أن يتحمل استمرار السياسة التركية على حالها. طوى الصفحة وذهب لعند الرئيس فلاديمير بوتين يطلب العون، ووجد روسيا أيضاً بحاجة إليه في ملفات أمنية وسياسية واقتصادية ونفطية كثيرة.

لم يتخَلَّ أردوغان عن أحلامه في سورية وحلب. لا يزال يجاهر بموقفه المطالب برحيل الرئيس الأسد، ولا يزال يراهن على تغيير بعض قواعد اللعبة عبر جمع مجموعات مسلحة في إطار واحد بالتنسيق مع بعض الدول الخليجية خصوصاً في الريف الحلبي. لكنه مضطر لتغيير بعض الاتجاهات مؤقتاً بسبب التقارب مع روسيا والهم الكردي. لا بد إذاً من مكان آخر وساحة أفضل في المرحلة الحالية. لعله يجد في العراق خير الساحات. علاقته بكرد الشمال ممتازة سياسة وأمناً ونفطاً، خصوصاً مع مسعود برزاني. هو قادر على اختراق الأراضي العراقية لضرب حزب العمال الكردستاني، فلماذا لا يقدم نفسه مجدداً كقائد سني يغري جزءاً من العرب بشعاره حماية سنة الموصل ومنع ايران من توسيع دورها. ألم يكن لافتاً أنه بعد تحقيره العبادي، سارع مجلس التعاون الخليجي لفرش السجاد الأحمر لوزير الخارجية التركي؟

قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم قبل أيام: «لا تَمَسّوا سكان الموصل الأصليين. إن الموصل للموصليين. يجب عدم تغيير ديمغرافية الموصل عبر جلب مدنيين من خارجها وتوطينهم فيها». كذلك فعل اردوغان بحديثه عن سبب بقاء جيشه في «بعشيقة»، مشيراً إلى الحرص على «السنة العرب والسنة التركمان والسنة الأكراد».

قد يفهم المرء ان الرئيس التركي يريد وقف التقدم الشيعي الايراني في العراق. فبعض المتطرفين الايرانيين عبّروا هم أيضاً عن أحلام توسعية حين صار بعضهم يتحدث عن السيطرة على 4 عواصم عربية وغير ذلك من الكلام الاستعلائي. لكن هل في الأمر فعلاً حرص على السنة ضد «تمدد» شيعة ايران وشيعة العراق عبر الحشد الشعبي وغيره؟ اذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا الصراع السياسي المرير بين تركيا أردوغان ومصر عبد الفتاح السيسي منذ إطاحة الاخوان؟ وماذا فعل الموقف التركي فعلياً للسنة في غزة المحاصرة والمدمّرة غير الكلام؟ لا بل ماذا فعل حين حوصرت وسحقت وقتلت مناطق سنية بكاملها في سورية والعراق وليبيا وغيرها؟

الواضح أن الهدف التركي لا يختلف عن الهدف الأميركي ـ الخليجي في الموصل. يراد قطع الطريق على أي صلة وصل بين إيران وسورية عبر العراق، كما يراد دفع مسلحي «داعش» وغيرهم من الأراضي العراقية صوب سورية لاستكمال استنزاف روسيا وايران والجيش السوري و«حزب الله». ويراد كذلك إعادة رسم التوازنات المذهبية في العراق حتى لو رسخ ذلك احتمالات التقسيم التي تخدم إسرائيل قبل غيرها.

لكن هل يُلام فعلاً أردوغان، ام يُلام قادة هذا النظام العربي المترنح في فِخَاخِ الفتن والاقتتال وأوهام الانتصارت على بعضهم البعض. فماذا فعلوا هم لغزة أو اليمن أو سورية أو ليبيا أو حتى للصومال الجائع؟

لنتذكّر قليلاً: قبل ساعات من غزو أميركا وبريطانيا للعراق وإعدام الرئيس صدام حسين، جرى الحوار التالي بين غوندوليسا رايس والأمير بندر بن سلطان، نقله حرفياً الكاتب الأميركي الشهير بوب ودوورد في كتابه «خطة الهجوم»:

قالت رايس وهي الصريحة والمرحة عادة (على حد تعبير ودوورد): «أحبس أنفاسك، إننا مقتحمون، لا أحد يعرف ما سيحدث في نحو