2024-04-20 01:23 م

السياسة الروسية الشرق أوسطية في عهد بوتين!!

2016-10-19
بقلم: عميرة ايسر
تعتبر روسيا فلاديمير بوتين من أهم الدول الكبرى التي لها مصالح جيواستراتيجية واقتصادية وحتى أمنية وثقافية كبرى في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر بوابة لنصف الكرة الأرضية بموقعها الاستراتيجي والجغرافي والمناخي المتميز ,خاصة وان روسيا الفدرالية التي تعتبر الوريث الشرعي لإمبراطورية السوفيتية المتفككة تريد أن تستعيد مناطق نفوذه القديمة وحتى حلفاءه الذين تربطهم به علاقات تاريخية وسياسية طويلة وممتدة منذ عهد أسرة رما نوف التي حكمت روسيا القيصرية قبل اندلاع شرارة الثورة البلشفية التي غيرت وجه العالم في القرن المنصرم,وبوتين بحنكته ودهاءه السياسي وخدمته في دواليب الدولة الروسية من خلال عمله في جهاز المخابرات الروسية الذي أصبح مسئولا عنه في فترة سابقة قبل أن يصبح رئيسا لها,يعرف أكثر من غيره مدى أهمية الشرق الأوسط لمن يريد التحكم والسيطرة على السياسة العالمية وصناعة القرارات الدولية لذا سعت روسيا منذ سنة 2001الى إعادة بلورة سياسة خارجية نشطة على المستوى الدبلوماسي في الشرق الأوسط وسعت روسيا إلى عقد تحالفات وتوقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية بمليارات الدولارات مع دول كمصر وسوريا والعراق ,فالروس الذي يريدون استعادة دورهم المحوري فيه والتصدي لهيمنة الأمريكية التي عملت في سنوات التململ والانهيار السياسي والتراجع الاقتصادي والعسكري الروسي في حقبة غورباتشوف وبور يس يلسن على التغلغل وإقامة قواعد عسكرية دائمة لها في دول كإسرائيل والأردن وحتى مصر أما دول الخليج العربي فأصبحت كلها عبارة عن محميات عسكرية أمريكية واحد أدوات السياسة الخارجية الأمريكية الامبريالية وقد ظهر ذلك في عدة أماكن بشكل مفضوح وأهمها في سوريا ,فالرئيس بوتين يريد إدارة مرحلته الرئاسية الثالثة بحكمة وتروى واحتواء الهيمنة والنفوذ الأمريكي وهذا ربما يفسر لنا الدور الروسي المتعاظم في دول المشرق العربي بعد ثورات الربيع العربي التي دعمتها روسيا ولكن بحذر شديد قبل أن تتراجع عن ذلك في سوريا بالتحديد بعد أن تبين لخبراء الروس أن منظومة ثورات الربيع العربي ليست إلا مخططا غربيا أمريكيا الهدف من وراءه رسم المنطقة سياسيا واستراتيجيا بما يخدم المشاريع الأمريكية الاستعمارية ولكن تحت ذريعة إزالة النظم الديكتاتورية والرجعية التي دعمتها وسلحتها لعشرات السنين وباتت عائقا أمامها في الوقت الراهن وخطاب اوباما سنة 2008في البيت الأبيض كان مقدمة لكل ذلك عندما قال بان على أمريكا أن تتوقف عن دعم أنظمة الشرق الأوسط التي أثبتت فشلا ذريعا في تحقيق التنمية الاقتصادية وإرساء قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان وبان علينا أن نعمل على تعزيز الحريات الفردية وحق الشعوب العربية في اختيار من يمثلها في سدة الحكم ,وهذا ما قامت روسيا باستغلاله إذ عملت على تقريب وجهات النظر بينها وبين حلفاءها من الأنظمة العربية ودون التدخل في شؤونهم الوطنية والتذكير دائما بان روسيا كدولة حرة متمسكة بكل القوانين والمواثيق الدولية التي تمنع أي دولة من الاعتداء على الدول الأخرى حتى إعلاميا,وحاولت لعب دور الدولة المساندة للقضايا العربية المحقة إذ لازالت روسيا تعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعلى حدود سنة 1967مع الاعتراف بكامل البنود والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للام المتحدة في هذا الصدد,ولكن رغم ذلك فان فلاديمير بوتين بعد تدخله عسكريا في سوريا اقرب حلفاءه تاريخيا من العرب إلى روسيا بطلب رسمي من الدولة السورية عمل في ذات الوقت على تعزيز علاقاته مع الكيان الصهيوني الغاصب وتعتبر الفترة الحالية هي الفترة الذهبية في العلاقات بين هذا الكيان اللقيط والكرملين حيث قام بن يامين نتنياهو بزيارة إلى موسكو مثلما يقول سفير لبنان في روسيا البيضاء السيد شوقي أبي نصار 4مرات متتالية في ظرف عام ونصف تقريبا وهو ما لم يقم بفعله أي رئيس لكيان الصهيوني منذ إنشاء ه,روسيا الاتحادية التي قامت بإعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد تم قطعها مباشرة بعد العدوان الغاصب من الكيان على دولة مصر الشقيقة سنة 1967وبقيت كذلك حتى بداية سنة 1992اي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك جمهورياته السابقة ,تل أبيب التي حاولت طعن الروس في الظهر إبان الأزمة مع جورجيا حيث قامت بتزويد الجيش الجو رجي بأسلحة جد متطورة مثلما يؤكد على ذلك السيد عبد الله الحوسيني سفير سلطة عمان السابق في روسيا ووقتها هدد بوتين بأنه سيقدم صواريخ قادرة على إصابة العمق الصهيوني لأعداء ها التقليديين كسوريا وإيران وحزب الله وبالتالي تراجعت عن ذلك,ونظرا لتطور المطرد لعلاقات الكيان الصهيوني وموسكو والتنسيق بينهما في الملف السوري لكي لا تحدث صدامات عسكرية بين الطيران الإسرائيلي والروسي فان تل أبيب لازالت تدعم الموقف الروسي فيما يخص الأزمة الأوكرانية إذ تعتبر دولة الكيان المغتصب المحتل لفلسطين الدولة الوحيدة في المحور الغربي التي رفضت فرض عقوبات اقتصادية على روسيا أو تأييد العقوبات التي فرضتها دول كأمريكا ومنظومة حلف الناتو وأوروبا عليها ,ورأت في ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومي فالتواجد الروسي بموجب الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين دمشق وموسكو أصبحت متمركزة بشكل دائما في أراضي الدولة السورية في ميناء طرطوس السوري وكذلك قاعدة حميميم الجوية التي تعتبر أهم مراكز القيادة والسيطرة الروسية في الشرق الأوسط وفيها يجري التخطيط العسكري لشن أهم واكبر الحملات العسكرية ضد تنظيمات جهادية أصولية وهابية تكفيرية تخشي روسيا من أن تنتقل إليها بعد أن تنجح في تحويل الدولة السورية إلى دولة مدمرة وفاشلة حسب توصيفات مصطلحات العلوم السياسية ,فالتقديرات الاستخباراتية الروسية تأكد بان هناك أكثر من 3500من مواطنيها قد ذهبوا إلى الجهاد في سوريا وهؤلاء إن عادوا إلى روسيا بعد كل الخبرات القتالية التي اكتسبوها فأنهم قد يشكلون تهديدا جديا للأمن القومي الروسي وتجربة الشيشان لازالت ماثلة أمام ناظري الدب الروسي ,إذ تكبد الجيش الأحمر خسائر كبيرة جدا في الأرواح والعتاد من جراء الذين يوصفون بالمتشددين الإسلاميين في جمهورية الشيشان التابعة لروسيا ,وهذا الأمر تدركه موسكو وتسعي جاهدة إلى التخلص منه ومحاربته قبل أن يستفحل أمره ,فسوريا تعلم بان روسيا لن تتخلى عن دعمها وتقديم كل التسهيلات العسكرية لها وكذلك توفير الغطاء والحاضنة الدولية لدرء هذا التهديد المشترك عنهما ,فتبادل المصالح والمنافع على كلا الجهتين هو أهم ضمانات التحالف الاستراتيجي بين موسكو ودمشق وحلفاءهما في وجه الجماعات المسلحة الإرهابية التي لم يقف خطرها على سوريا بل امتد إلى مناطق ودول تربطها بروسيا بوتين علاقات مصلحيه وأمنية واقتصادية ومنها مصر التي كان لاتحاد السوفيتي فيها حضور قوي ومتميز إبان الحقبة الناصرية على وجه الخصوص وحتى في وقت الراحل أنور السادات ولا يخفي على احد الدور الذي لعبته المخابرات السوفيتية وكذلك وزارة الدفاع وقتها والجهد الجبار والهائل الذي قامت به من اجل مساعدة المصريين و قامت بتزويدهم بأسلحة سوفيتية متطورة ومعلومات مخابراتية مكنتهم من قلب نتيجة الحرب لصالحهم أي حرب سنة 1973,ولكن هذه العلاقات سرعان ما تدهورت بعد أن وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع الصهاينة ودخلت في المحور الأمريكي الغربي ولكن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على رئيس منتخب شرعي يحاول كسب التأييد الدولي الذي تعتبر روسيا أهم قواعده ودوله الأساسية بات يدرك أكثر من أي وقت مضي بان الرضي الروسي يجب أن يتم تعزيزه وتكثيف مجالات التعاون مع الكرملين والانخراط ولو بشكل حذر في صفقات عسكرية وأمنية واقتصادية مع روسيا وهذا ظهر بالعيان بعد زيارة السيسي لموسكو والتقاءه بفلاديمير بوتين فالروس بفضل الخبرة العتيدة المكتسبة في التعاطي مع الجماعات الجهادية وامتلاكهم سلطة القرار الدولي مع الشريك الأمريكي وقوتهم ونفوذهم الإقليمي يستطيعون تقديم مساعدات مشروطة طبعا إلى الجيش المصري من اجل القضاء والتخلص وبصفة جذرية من تنامي عدد الجيوب والجماعات الإرهابية في منطقة سيناء المصرية التي ترى فيها موسكو تهديدا ليس لمصر لوحدها وإنما لمستقبل وجودها كقوة عظمى في الشرق الأوسط تريد أن تبقي ,بوتين إذن في علاقاته المتوازنة نوعا ما مع العرب الذين رغم اختلافاتهم وحروبهم لا يزالون يخشون مع أن تقوم الجماعات الإرهابية أو الولايات المتحدة الأمريكية بزعزعة عروشهم والإطاحة بهم و هي التي برهنت لهم تجارب الدهر وأيامه وفواصل التاريخ ودوراته بأنها دولة براغماتية حتى النخاع ولا أمان لها ,وتتخلى عن من خدموها لعشرات السنين ودون مقابل وترمى بهم إلى المزبلة بعد أن يؤدوا دورهم المنوط بهم على عكس روسيا التي رفضت كل العروض والإغراءات الغربية والأمريكية من اجل التنازل عن حماية سوريا ورئيسها وهدد بوتين في أكثر من مناسبة بأنه مستعد لدخول الحرب إن استلزم الأمر ذلك دفاعا عن حليفة بشار الأسد ,فروسيا زيادة على ذلك قامت بمشاريع كبرى في عدد من الدول العربية ونقلت إليهم خبرات مهندسيها وتكنولوجيتها من اجل أن تطور بلدانهم على عكس أمريكا التي كان طوال الوقت تدعم احتلال أراضيهم ونهب ثرواتهم وتشجع إسرائيل في كل حروبها وعدوانها المستمر على حقوقهم الشرعية فأمريكا قد استعملت الفيتو أكثر من 80مرة بالسلب لكي تصوت على قرارات في مجلس الأمن تضمن حقهم وتدين الاحتلال الصهيوني لأراضيهم وهو عدد لم تصل دول مثلا كبريطانيا وفرنسا إلى نصفه في تصويتهم ضد العرب ومع ذلك ومع كل ما حدث لازال هناك بعضهم كدول الخليج ترى في أمريكا الدولة الوحيدة التي تستطيع تخلصيها من الإرهاب وتوابعه رغم أن كل التقارير المخابراتية تؤكد على أنها من صنعت أكثر مجموعاته فتكا ودموية وشرا وقتلا وأنها وظفتها منذ حرب أفغانستان إلى اللحظة من اجل إسقاط وإضعاف كل من يهددها أو يقف ضدها ويحاول إعادة الحقوق العربية المغتصبة ,وعلى رأس هذه الدول دول الخليج العربي إلا سلطنة عمان طبعا التي يشهد تاريخها الدبلوماسي إنها وقفت دائما موقف الدولة الحيادية في معالجتها للقضايا الخلافية والصدامية وقد لعبت دورا مهما في تقريب وجهات النظر بين كل الأطراف المختلفة والمتحاربة ,روسيا التي تريد بان يكون لها مستقبل مشرق في الشرق الأوسط والمنطقة العربية عليها أن تعمل على إذابة الجليد الذي يطبع علاقاتها مع دول ترى في روسيا دولة تريد أن ترث الإمبراطورية الأمريكية التي تنسحب تدريجيا بعد أن أمنت المنطقة عن طريق قواعدها المنتشرة في دوله واستغنت عن نفط العرب وان بصورة جزئية حاليا ولكن كل المؤشرات والقراءات السياسية تصب في النهاية في رغبة واشنطن في ترك الأزمات عالقة في هذه المنطقة من العالم ,وترك هذه الرقعة الجغرافية الملتهبة إلى روسيا لتتحمل مسؤوليتها باعتبارها قوة عالمية صاعدة تريد أن يكون لها موطئ قدم في قلب العالم القديم الإستراتيجية الروسية التي بدأت تتسع رقعتها وأضحت كلعبة الشطرنج في لعبة المصالح الدولية لابد أن تعمل أولا وقبل كل شيء على كسب صداقة الدول العربية ذات الوزن والثقل التاريخي والديني والديمغرافي الكبير وان تحاول الاستفادة من ماضيها الديني الكاثوليكي كي تمد جسورا من التواصل بينها وبين دول عريقة في هذا المجال وتعتبر مثالا لتنوع الطائفي والعرقي كلبنان وفلسطين مهد عيسي عليه السلام ,وهذا ما أكد عليه الدكتور اوليغ ايفانوفيتش نائب المركز الروسي للمحافظة على التراث الروحي والثقافي للقدس فهذه الجمعية الروسية التي تعنى بالتراث المسيحي الكاثوليكي للقدس هي من أهم الدلائل على عمق التجذر الروسي الوجداني في اطهر ارض بعد الحرمين الشريفين فالمسيحي الروسي لا يعتبر نفسه مسيحيا كاثوليكيا حقا إلا إذا حج إلى كنيسة القيامة التي يري فيها خلاصه ونجاته بالمعنى العقائدي الكنسي ,وعلينا نحن العرب في اعتقادي أن نحاول قدر المستطاع استغلال هذه العلاقات والوشائج الدينية من اجل التأثير في المجتمع الروسي ايجابيا من اجل دعم قضايانا المحقة ولا نتكل على المعونة والسند الغربي الذي كان في كل مرة يخيب أمالنا التي عقدناها عليه لعشرات السنون والنتيجة كوارث تعصف بنا على كل المناحي وفي كل الجهات وعلى مختلف الأصعدة وان نأخذ في الحسبان أن روسيا يتواجد بها أكثر من 20الى28مليون مسلم يحملون الجنسية الروسية ويعيشون في أراضيها وهم يشكلون ما نسبته حوالي 20بالمئة من التعداد السكاني في هذا البلد الذي أصبح لاعبا دوليا سيشكل مصيرنا في السنوات القادمة وعلينا أن نعمل كما يعمل الروس بالمقابل باستغلال هذه الكتلة الثقافية والدينية والانتخابية الضخمة من اجل التأثير ايجابيا في اللعبة السياسية الداخلية الروسية فالسياسة الدولية هي مصالح منافع متبادلة وعلينا أن نستغل كل هذه الأوراق المتاحة لخدمة مصالح دولنا وشعوبنا وان لا نكرر أخطاءنا التي كانت لنا مع أمريكا في الماضي التي كانت في أيدينا أوراق ضغط كبيرة وهامة للغاية في المجتمع الأمريكي ولم نحسن توظيفها لخدمة دولنا فالروس هم المستقبل وعلينا أن نكسبهم لصفنا ونكون بديلا لهم عن الصهاينة في حماية وخدمة مصالحهم الإستراتيجية ولكن في مقابل أن يساعدونا عن إزالة هذا الورم السرطاني الخبيث الذي يسمي إسرائيل.
* كاتب جزائري