2024-03-29 04:59 م

وأخيرا انطلقت الحملة العسكرية لتحرير الموصل... ولكن؟؟؟؟

2016-10-19
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
وأخيرا انطلقت الحملة العسكرية لتحرير الموصل بعد تحضير الطبخة والمناكفات والجدل الإقليمي والدولي ربما لإخراج المسرحية بالشكل المرضي عليه من الإدارة الامريكية وبعض الدول الإقليمية، وإعطاء الفرصة للعناصر القيادية المتقدمة لتنظيم داعش بالهروب من المدينة مسبقا بالإضافة الى فتح الطريق أمام جحافل الإرهابيين بالهروب من المدينة في مرحلة قادمة قريبة. وأغلب الظن اننا سنشهد نفس المسرحية التي تم إخراجها في تحرير الفالوجة في العراق وكذلك دخول القوات القوات الإرهابية التي تأتمر بأمر السلطان العثماني الجديد أردوغان الى جرابلس في سوريا "لتحريرها" من داعش دون أية اشتباكات تذكر مع عناصر داعش الذين تم انسحابهم بأمان من المدينة. ولا شك ان هناك بعض الأمور المرتبطة بهذه الحملة تدور في أذهان العديدين من المراقبين وشعوب المنطقة برمتها. وربما أول هذه الأمور صحة ما تناقلته العديد من وسائل الاعلام عن إتفاق بين آل سعود والولايات المتحدة بفتح طريق غربي المدينة لإرهابي داعش للفرار والتوجه الى الداخل السوري والوصول الى دير الزور ومحاولة السيطرة عليها ومن ثم الى المعقل الرئيس في الرقة. ولعل المؤشرات الى هذا المخطط عديدة وجميعنا يذكر المجزرة التي ارتكبتها طائرات التحالف الدولي المسيرة من الولايات المتحدة الامريكية بقصف مواقع الجيش العربي السوري في محيط مطار مدينة دير الزور المحاصرة من قبل تنظيم داعش لغاية الان وكيف ان عناصر داعش المتواجدة في تلك المنطقة توجهت مباشرة بعد الغارات للطائرات الامريكية وغيرها الى مواقع الجيش العربي السوري والسيطرة عليها قبل أن تتوجه عناصر من النخبة للجيش وإعادة ما استولت عليه هذه المجموعة الإرهابية. وكان الهدف من هذه الغارة هو سقوط مدينة دير الزور بأكملها في يد التنظيم الإرهابي لتمهد الطريق للانتقال المريح لعناصر داعش من الموصل الى دير الزور عن طريق الحدود العراقية تحت غطاء جوي أمريكي يدعي فيه الجيش الأمريكي أن طائراته متواجدة في المنطقة لملاحقة داعش حتى يحرم على الطائرات الروسية والسورية من الاقتراب من المنطقة خوفا من الاشتباك "بالخطأ". "والاخطاء" التي ترتكبها الطائرات الامريكية في تحديد المواقع أصبحت تأخذ منحى تصاعديا هذه الايام كما حصل في الادعاءات التي قدمت عند قصف مواقع الجيش العربي السوري. ولا شك أن المماطلة الامريكية وتأخير انطلاق عملية تحرير الموصل وإعطاء بعض التواريخ الزمنية لعملية البدء بالعملية كان أحد أسبابها هو تهيئة الأوضاع السياسية والميدانية لتنفيذ مخطط نقل وتركيز داعش من العراق الى سوريا. هذا ببساطة لان استخدام داعش كتنظيم إرهابي متقدم لمحاربة الدول الوطنية في الإقليم وربما استخدامه لاحقا في مناطق أخرى لم ينتهي بعد وبالتالي السعي الأمريكي للإبقاء على الجسم الرئيسي والقيادي لهذا التنظيم الإرهابي مهما كان ثمن ذلك. والتساؤلات المطروحة في هذا الشأن هل ستترك الجبهة الغربية للموصل مفتوحة لإعطاء ممرا آمنا لإرهابي داعش بالهروب الى سوريا ولماذا تركت هذه الجبهة أصلا إذا لم يكن الغرض منها هو إعطاء هذه الفرصة الذهبية لداعش؟ يجب أن نذكر هنا بما قالته السيدة كلينتون المرشحة الرئاسية عن الحزب الدمقراطي والاوفر حظا بهذه الانتخابات الرئاسية، قالت من انه يجب القضاء على تنظيم داعش في العراق واستخدامه في سوريا لمحاربة النظام والجيش العربي السوري. نعم هنالك أخبار تفيد بأن الطائرات العراقية ضربت رتلا لداعش كان متوجها الى الأراضي السورية، ولكن يجب أن لا ننسى من أن الطائرات العراقية تتحرك بدعم لوجيستي كامل من القوات الامريكية المتواجدة في العراق، وهذا ما يثير بعض المخاوف من أن هذا الدعم اللوجيستي قد يكون انتقائيا. طبعا يبقى الاعتماد الرئيس بضرب اية تحركات لداعش على الحدود العراقية السورية مرهونا بعمل القوات الجوية السورية والروسية في هذا المجال. ولا شك ان الولايات المتحدة قد تحاول منع ذلك اما تحت ذريعة منع الاشتباك مع طائراتها أو بالقيام بضرب مدرجات بعض المطارات العسكرية السورية كما كانت قد هددت بأن هذا قد يكون احدى سبل معاقبة سوريا لتصميمها على استرجاع كل شبر من أراضيها يسيطر عليها الإرهابيين. ولا بد ان نسجل هنا لو كان هنالك اية نية حقيقية للولايات المتحدة في القضاء على داعش لقامت بإعطاء الضوء الأخضر للحكومة العراقية بالتنسيق مع القيادة السورية والروسية لغلق الجبهة الغربية وقطع الطريق على داعش من الوصول الى الأراضي السورية. ولا بد لنا من التذكير هنا بأن غرفة العمليات المشتركة بين العراق وروسيا وسوريا التي تواجدت في بغداد للتنسيق في المعلومات الاستخبارية لمحاربة الارهاب قد توقفت نتيجة الضغوط والابتزازات الامريكية لان أمريكا أدركت جيدا أن أي عملية تنسيق ستؤدي الى تضييق الخناق على تنظيم داعش والقضاء عليه بالتنسيق بين البلدين وهو ما لا تريده أمريكا. الامر الاخر هو الموقف التركي المتعنت والمصر على المشاركة التركية في عملية تحرير الموصل وبشكل فج متحديا كافة المكونات السياسية العراقية وقد صوت البرلمان العراقي بأغلبيته ضد اية مشاركة للقوات التركية وطلب من القوات التركية المرابطة في معسكر بعشيقة بمغادرة الأراضي العراقية. السيد أردوغان يذكر بأن تبعا لاتفاقية لوزان الموقعة على ما أظن عام 1923 فانه يحق لتركيا استرجاع الموصل في حالة تقسيم العراق بالإضافة الى أن تدخل القوات التركية انما يأتي لضمان سلامة "السنة" في الموصل بمعنى أنه يتمسك كما يتمسك آل سعود بالتنظير الى أن الصراع هو صراع بين سنة وشيعة وليس صراعا سياسيا وبالتالي وهو لم يخفي الغرض من كل ذلك حيث قال إن تركيا يجب أن تكون على الطاولة. من الواضح أن تركيا لم تدخل للمشاركة في معركة الموصل بل لضمان النظر اليها كقوة إقليمية يجب ارضائها ومشاركتها في حلول أزمات المنطقة. الحكومة العراقية هددت بأن دخول القوات التركية للأراضي العراقية لن يكون نزهة كما وهدد كل من الحشد الشعبي الى جانب القوات الصدرية بمحاربة الجنود الاتراك المتواجدين على الأراضي العرقية باعتبارها قوات اجنبية غير مدعوة من قبل الحكومة العراقية للمشاركة في عملية تحرير الموصل. وبالرغم من كل هذا فان الجانب التركي ما زال مصرا على موقفه وبحسب التصريحات الرسمية بان تركيا لا تأخذ اذنا من أي أحد للدفاع عن مصالحها وأمنها القومي. من المؤكد ان عملية الاستثمار السياسي لأطراف عديدة ومن ضمنها تركيا ستبدأ بعد تحرير الموصل وليس قبلها. والجدل الان يدور لمن تسلم الموصل بعد تحريرها وكأن الموصل ليست جزءا من الدولة العراقية التي يراد لها ان تتبدل من إمارة أو دولة داعشية الى إمارة أخرى تحت مسميات طائفية ومذهبية. وربما هذا ما يفسر الدعوات الخليجية وعلى رأسها آل سعود الذين يصرحون ليلا ونهارا من أن مشاركة الحشد الشعبي قد يؤدي الى اشعال حرب طائفية ومذهبية أي انهم هم سيقومون بتولي البدء في هذه الحرب اذا ما أقدمت قوات الحشد الشعبي والتي تعمل تحت امرة الدولة العراقية والجيش العراقي بالمشاركة في عملية التحرير وخاصة اذا ما دخلت هذه القوات الى مدينة الموصل. الواضح لغاية الان أن قوات الحشد الشعبي لم تشارك ولم تدخل الحرب البرية بعد واكتفت بتوجيه ضربات من المدفعية والصواريخ الموجهة وفي تقديري أن هذه القوات لن تتدخل بريا الا في حالة دخول أية قوات تركية في الميدان. والذي يبدو ان هنالك تفاهما ضمنيا مفاده عدم تدخل قوات الحشد الشعبي مباشرة في عملية تحرير الموصل مقابل عدم التدخل التركي المباشر. قد أكون مخطئا في ذلك ولكن الذي يبدو لغاية الان يوحي بهذه المقايضة التي بالطبع لن يعلن عنها من أي طرف حتى لا يتهم بالتنازل عن موقفه. وهذا ربما يفسر أيضا اعلان الولايات المتحدة من أن التحالف سيقوم بالاسناد الجوي واللوجيستي لكل من قوات الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية التي تتقدم قواتها المقدرة 5000 مقاتل والتي تشارك حاليا في عملية تحرير الموصل. لا شك ان معركة التحرير تأتي ضمن معطيات إقليمية ودولية معقدة ومتشابكة. ولكل طرف إقليمي أو دولي له مصالحه وحساباته الخاصة التي ليست بالضرورة تلتقي مع حسابات ومصالح الأطراف الأخرى. ومن هنا نرى أن الأمور قد تخرج عن السيطرة سواء في المعركة أو في مرحلة ما بعد التحرير. والأيام القادمة ستنبؤنا بما هو قادم, ولكن الشيء المؤكد أن القرار قد أخذ برحيل داعش ولو شكليا عن العراق وتصفية دولتها هنالك، ولكن هذا لن يمنع من عودة الدواعش وخاصة من العراقيين الى الحياة الطبيعية ربما لجولة أخرى غير محددة بالزمن والمعالم الان. بمعنى أن تحرير الموصل وطرد الداعش ليس نهاية المطاف للتنظيم في العراق وان كان تحرير مدينة الموصل يشكل مفصلا رئيسيا في الحرب عليه.