2024-03-28 06:45 م

على هامش الانتخابات الرئاسية الامريكية

2016-10-21
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة وبعد اقتصارها على المرشحين السيدة كلينتون والسيد ترامب، أصبحت محط سخرية وغرابة شديدة من قبل كل المتابعين لهذه الحملة بما فيها المناظرات بين المرشحين. فما يشهده الناخب الأمريكي يوميا في التلفزيون أو وسائل الاعلام الأخرى لا يمت بصلة الى برامج ومواقف سياسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية وصحية وكلها تعتبر من المشاكل التي يتطلع اليها الناخب الأمريكي المهمش والمغيب أصلا عن القرار، بل أصبحت والى حد كبير لا تتعدى المناوشات والقاء التهم والتهجم الشخصي واستخدام الالفاظ النابية وكأننا في معركة شوارع بين عصابتين وليس أكثر من هذا. ولا ندري على ماذا سيصوت الناخب الأمريكي ونحن نتحدث عن أكبر دولة في العالم التي ما زالت تصر على قيادة العالم والتحكم بما يجري به، وهي الدولة التي تدعي أنها ام الديمقراطية والاستثنائية. الدولة التي تدعي الديمقراطية والتي يدعي رؤسائها بالاستثنائية الامريكية والتي ترى أن لها مهمة إقامة الديمقراطية في البلاد البعيدة والقريبة وأن هذه المهمة بجانب مهمة بناء الدول التي تدمرها بالكامل وتعود بها الى العصر الحجري كما فعلت في العراق على سبيل المثال لا الحصر، بأنها مهام أوكلت اليها من قبل الله. ألم يدعي على الأقل بوش الابن أنه سمع صوتا يناديه ويحثه على خوض معركة الرئاسة لان لديه مهمة أوكلت اليه؟ ألم "يقرفنا" السيد أوباما في كل خطبة سنوية له الخاصة بأحوال الاتحاد عن المفهوم الاجوف والفارغ عن "الاستثنائية الامريكية" وعظمة أمريكا واللجوء اليها من قبل العديد من الدول اليها كما يلتجأ الطفل الى أمه طلبا لحل مشاكله. ألم تتحفنا السيدة هيلاري كلينتون المرشحة للرئاسة الامريكية عن الحزب الديمقراطي بالقول " اننا عظماء (الأمريكيين) لأننا صالحون" وكأن الغير أمريكي هو مرتكب الخطايا الموبوقات وليس صالحا بالمفهوم كلينتون. من المؤكد أن السيدة كلينتون لم تكن تتحدث عن الأمريكي من أصول صينية أو آسيوية أو من دول أمريكا اللاتينية أو السود في أمريكا أو سكان البلد الأصليين الذين هم وحدهم من يحق لهم القول بأنهم أمريكيين أبا عن جد والذين أبيدت مجتمعاتهم بأكبر مجزرة إنسانية في التاريخ المعاصر تفوق في عددها وبشاعتها ووحشيتها أية مجزرة مدونة للان التي ارتكبت على سطح الكرة الأرضية. ومن منا من لا يذكر الشعار "أعيدوا بناتنا الى بيوتهن" الذي أطلق لاسترجاع البنات اللواتي اختطفن من احدى المدارس من قبل المجموعة الإرهابية باكو حرام في نيجيريا والذي تم استغلاله لإرسال قوات خاصة أمريكية الى نيجيريا الغنية بالبترول!!!!. وعندما انتشر داء الايبولا في العديد من الدول الافريقية قامت الولايات المتحدة بإرسال قوات خاصة الى تلك الدول بدلا من ارسال الأطباء كما فعلت كوبا على سبيل المثال التي قامت بإرسال ما يقرب من 200 طبيب. وكل هذا تحت شعار المساعدات الإنسانية الخادع التي تريد أن تسوقه على عامة الناس على الأقل في أمريكا. عامة الناس المهمشين الذين يتعرضون يوميا من خلال الشاشات الصغيرة في البيوت الى الضخ الإعلامي المبرمج والموجه لتشكيل الرأي العام بما يتناسب مع توجهات وسياسة ومصالح "النخب والصفوة" السياسية وكبار رجال الاعمال والمؤسسات المالية الضخمة العابرة للقارات والصناعات العسكرية الذين يمتلكون القرار لوحدهم في تقرير مصير البلاد والعباد دون أن يكون هنالك أي مشاركة فعلية وذات معنى من قبل عامة الناس، اللذين تقوم هذه النخب باستدعائهم مرة كل أربعة سنوات للإدلاء بأصواتهم لانتخاب الرئيس ومن ثم العودة الى بيوتهم وعملهم وكأن شيئا لم يكن. واستدعائهم في هذا "العرس الديمقراطي"!!!! ما هو الا لإعطائهم الانطباع الخاطىء والوهم انهم يشاركون في صنع القرار. هذه هي ديمقراطية "النخبة والصفوة"، والتي لا يحق لعامة الناس والشعب الأمريكي بغالبيته أن يشارك بها بأي شكل فعال أو ذات أهمية لان المفترض أنهم يشكلون الأغلبية التي يجب أن تساق كما يساق قطيع الغنم الى الحظيرة مع حلول المساء. ليس هذا فحسب بل أنهم يجب أن يكونوا شاكرين لهذه "الصفوة والنخبة" بأنها تعمل لصالحهم وترعى أمنهم. ولا مانع لديهم (الغالبية) من حرمانهم من حقوقهم التي كفلها لهم الدستور الأمريكي لان هذا كما تقول الماكينة الإعلامية لهذه النخبة إنما يعمل لصالحهم وضمان أمنهم من الأعداء الذين يكرهون أمريكا ويريدون تقويض القيم الامريكية وطريقة المعيشة الامريكية. وتعمل وسائل إعلام النخبة والصفوة ليلا ونهارا لإقناع الغالبية العظمى من الشعب الامريكي بهذا الهراء وللأسف الشديد فإن العديد من الشعب الأمريكي يصدق هذه الدعايات المحبوكة جيدا. وبالإضافة الى ذلك في الدولة "الديمقراطية" أصبح رئيس الولايات المتحدة الامريكية حديثا يتمتع بصلاحيات تفوق ربما صلاحيات الديكتاتوريات التي كانت تتواجد في العديد من دول أمريكا اللاتينية التي دعمت من قبل الإدارات الامريكية المتعاقبة. الرئيس الذي يشغل البيت الأبيض أصبح لديه الصلاحية لخوض حرب دون موافقة الكونغرس بالشكل الذي كان عليه سابقا وأصبح التحايل على الكونغرس وتجاوزه من قبل الرئيس هو الصفة السائدة. والرئيس له الصلاحية لاتخاذ القرار من جانب واحد بتصفية أي مواطن أمريكي دون العودة الى السلطة القضائية والقانونية، الى جانب تعذيب السجناء وحرمان المواطن الامريكي من حقوقه الدستورية. الرئيس له صلاحية إعطاء الأوامر باعتقال المواطنين الى أجل غير مسمى، وكذلك التجسس على أي مواطن أمريكي دون أذن قضائي وكذلك إقامة حكومة ظل سرية خاصة به، الى جانب السلطة لجعل جهاز الشرطة امتدادا للجيش الأمريكي بمعنى عسكرة جهاز الشرطة بتوزيع الأسلحة والاجهزة التي يستخدمها الجيش الأمريكي والسماح للشرطة باستخدامها للاعتداء على المتظاهرين والمحتجين، وكذلك فرض القانون العرفي وإعلان حالة الطوارئ ( Rutherford Institute Oct 26, 2016 ). وللقراء الافاضل أن يطلعوا على هذا الموقع الذي يلخص الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس ليدركوا ما هي الديمقراطية التي تدعيها أمريكا. ومن ثم القول بأن ترامب سيكون المرشح الرئاسي “الاكثر خطرا” على الاطلاق في التاريخ الاميركي المعاصر كما تدعي السيدة كلينتون ما هو الا هراء، لان أي رئيس أمريكي يذهب الى البيت الأبيض سيكون متمتعا بكل الصلاحيات التي ذكرناها وبالتالي لا يوجد فارق بين من يصل وفي جعبته/جعبتها كل هذه الصلاحيات التي ترقى الى من يمتلكها بالديكتاتور. https://rutherford.org/publications_resources/john_whiteheads_commentary/the_imperial_presidents_toolbox_of_terror_a_dictatorship_waiting_to_happen في معرض دعمه للسيدة كلينتون حذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما من مغبة اندلاع أعمال عنف في الولايات المتحدة الأمريكية إن خسر المرشح ترامب معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية الشهر المقبل. ان سياسة التهويل والتخويف هي احدى الوسائل التي عادة ما تمارس على عامة الشعب الأمريكي كجزء من صناعة الرأي العام وتجييره لمصالح النخبة والصفوة. ومن منا لا يذكر بداية الخمسينيات من القرن الماضي عندما جرم ولوحق كل أمريكي ذو توجهات يسارية تحت طائلة ما أطلق عليها "المؤامرة الكبرى" ومفادها أن "الشيوعيون" الامريكيون ينوون الاستيلاء على الحكم في أمريكا. تلك الحملة التي عرفت بالفترة "المكارثية" نسبة الى جوزيف مكارثي العضو في الكونغرس الأمريكي الذي اتهم العديد من العاملين في وزارة الخارجية الامريكية بالعمل لصالح الاتحاد السوفياتي آنذاك. عندها استخدمت وسائل الاعلام الامريكية في تجنيد وتجييش الرأي العام الأمريكي لصالح أكبر حملة لمطاردة كل من له ميول يسارية أو مواقف تنتقد الوضع في أمريكا. وقامت أجهزة المخابرات والشرطة الاتحادية بمداهمة وتفتيش مراكز الأبحاث والجامعات والمدارس والمفكرين والكتاب والفنانين من ممثلين ومسرحيين وشعراء ومطربين وأصحاب المهن الحرة ولم يسلم أحد من هذه المطاردة. وتم طرد عشرات الالاف من موظفي الحكومة وأساتذة الجامعات والمؤسسات العامة والخاصة والاعتداء على النقابات العمالية والنشطاء السياسيين. وأضطر بعضهم على مغادرة البلاد هربا من حملات الاعتقالات والتنكيل. وما نراه الان من خلال هذه الحملة الانتخابية هو إعادة للمكارثية باشكال متناغمة مع المكارثية في بعض الاحيان ومختلفة في أحيان أخرى. فها هي السيدة كلينتون تتهم منافسها ترامب بأنه صديق لروسيا وأنه "دمية" بيد بوتين. وتتهم روسيا بالتدخل في الانتخابات الامريكية من خلال التجسس وعملية قرصنة اليكترونية على حملتها الانتخابية لتمنعها من الوصول الى سدة الرئاسة، وتعمل وسائل الاعلام الامريكية على شيطنة بوتين وتذهب بالقول ان الد الأعداء للولايات الامريكية هي روسيا. وفي هذا فإنها تعيد هذا الخوف والرعب الى عقول الناخب الأمريكي من الغزو الروسي الذي يريد التلاعب بمصير الانتخابات لصالحه وبالتالي فان الناخب الامريكي وعن دون وعي قد ينساق وراء هذه الأكاذيب كما انساق الرأي العام أثناء فترة احدى محطات التاريخ الأسود الامريكية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي. أما ترامب فهو يضرب على وتر المهاجرين والهجرة وما يمثلونه من خطر على الولايات المتحدة. وينادي صراحة بإبعاد المهاجرين ووضع القيود الصارمة لدخول بعضهم الى أمريكا وتشديد الرقابة عليهم. والغريب العجيب من أن ترامب أو غيره يتناسوا من أن أغلب سكان أمريكا هم من المهاجرين أصلا الذين هاجروا اليها أو استوطنوا أمريكا واستولوا على الأراضي بقوة السلاح والبطش وارتكاب المجازر ضد سكانها الأصليين من الهنود. ويرفع ترامب بشكل أو بآخر العداء للإسلام بشكل فج ووقح ويكن العداء للمسلمين باعتبارهم من الإرهابيين. ويأمل ترامب من عداءه للمهاجرين والإسلام ان يتمكن من الحصول على العديد من أصوات اليمين المتطرف في الساحة الامريكية. ويهدد بإقامة جدار عازل على الحدود مع المكسيك لمنع الهجرة الغير شرعية بالرغم من وجود سياج اليكتروني وابراج مراقبة على الطرف الأمريكي لفترة طويلة الان، بمعنى أن مواقف الديمقراطيين ليست بأفضل حال بالنسبة للمهاجرين وان تباكت السيدة كلينتون وذرفت دموع التماسيح على الأطفال والنساء من المهاجرين الغير شرعيين. الرئيس أوباما صرح مؤخرا أنه "لا مكان في الديمقراطية الامريكية لمن يستخدم العنف من أجل تحقيق هدف سياسي". أما السيدة كلينتون وفي معرض ردها على عدم تصريح ترامب بالالتزام بنتائج الانتخابات الامريكية وتأجيله هذا بسير الانتخابات لأنه من الممكن الطعن بالنتائج وهو حق طبيعي للمرشح تتهمه بأنه" يشوه وجه الولايات المتحدة ويستخف بنظامها الديمقراطي". لسنا في وارد مناقشة مواقفهم فعلى قول جدتي "فخار يكسر بعضه" فكلاهما سيء وباعتراف الكثيرون فان هذه الحملة الانتخابية للرئاسة هي الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة لما تضمنته من مشادات كلامية وتحقير كل منهم للآخر والتهجم الشخصي ونشر الفضائح لكل منهم سواء الأخلاقية أو الإدارية والسياسية أو الفساد المالي والرشاوي مقابل خدمات معينة. وكل منهم له من الملفات التي من المفترض أن تثير الاشمئزاز لدى الناخب الامريكي وعدم شعوره بالاستثنائية الامريكية كما تدعي "النخبة والصفوة" الامريكية. كنا قد ذكرنا في البداية ماذا تعني الديمقراطية الامريكية في الداخل الأمريكي. أما تصريح الرئيس أوباما بأن "لا مكان في الديمقراطية الأمريكية لمن يستخدم العنف من أجل تحقيق هدف سياسي"، فهو حقيقة مثير للسخرية وفيه تحقير واضح لعقول الناس ولقدراتهم الذهنية. فالولايات المتحدة اتخذت على عاتقها وربما بتوجيه والهام من السماء!!! مهمة تدمير الدول وإعادة بناءها وتغيير الأنظمة الذي ظهرت جليا في منطقتنا العربية منذ العدوان على العراق عام 2003 تحت حجج واهية وكاذبة ومفبركة، هذا ان لم نكن في وارد فتح ملف دعم الديكتاتوريات وتغيير الأنظمة في أمريكا اللاتينية وغيرها من الدول الاسيوية والافريقية. والسؤال هنا إذا لم يكن ما استخدمته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا واليمن هو العنف بعينه لتغيير الانظمة بها فماذا يمكن تسميته بالقاموس الأمريكي؟ الشعب الذي اكتوى بما فعلته الإدارات الامريكية المتعاقبة في منطقتنا وخارجها يدرك ان هذا هو العنف بأبشع صوره والتوغل في الوحشية.