2024-04-20 09:07 ص

السعودية وجاستا.. والتفكير العقلانى

2016-10-21
بقلم: عماد حسين
ما كان عصيا علىّ التصديق والتصور للأسف تحقق على أرض الواقع. من كان منا يتخيل أن تصل العلاقات الأمريكية ــ السعودية إلى هذه الدرجة من الفتور، وينقلب الكونجرس على الحليفة الدائمة فى منطقة الخليج، بل ربما فى العالم لسنوات طويلة؟!

كثيرون كتبوا عن القانون الذى أصدره الكونجرس الأمريكى بمجلسيه الشيوخ والنواب قبل ثلاثة اسابيع، وحمل اسم «جاستا» ويعطى لأسر ضحايا 11 سبتمبر 2001 حق مقاضاة الحكومة السعودية باعتبار أن غالبية منفذى الهجمات ينتمون إليها.
القانون صار نافذا رغم استخدام الرئيس الأمريكى باراك أوباما حق النقض «الفيتو» ضده.

هل تفاجأت السعودية وغالبية العرب بالقانون؟.

ربما نعم لأنهم جميعا لم يكونوا يتوقعون أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة، وتلك هى بالضبط الزاوية التى سنركز عليها، وأهملها كثيرون وركزوا إما على مهاجمة أمريكا فقط أو الشماتة فى السعودية.

النقطة الجوهرية أن العرب خصوصا فى الخليج يتعاملون مع أمريكا بصورة عاطفية، باعتبارها إما أنها الصديقة الوفية أو القوة الغادرة التى نسيت الأيام الخوالى وأرست العطاء على إيران!!.

وللحقيقة أمريكا ليست هذا أو ذاك، شأن معظم بلدان العالم خصوصا القوى الكبرى. هى تبحث عن مصالحها وفى اللحظة التى كانت مصالحها مع الخليج، خصوصا بعد الحظر البترولى الشهير فى حرب أكتوبر 1973، كانت تضرب بحقوق الإنسان والحريات والديمقراطية عرض الحائط بل رأينا بريطانيا فى صفقة اليمامة الشهيرة تعطل قوانينها حتى لا تغضب السعودية فى الخلاف الشهير حول الناشط محمد المسعرى.

الآن المصالح تغيرت إلى حد ما، وواشنطن تريد أن تولى وجهها جنوب شرق آسيا، ووقعت الاتفاق الشهير مع إيران ومعها الدول الكبرى، ولم تعد تنظر للمنطقة العربية نفس نظرتها القديمة، ربما باستثناء الأمن الإسرائيلى.

نحن العرب خصوصا فى الخليج لا نريد أن نصدق هذا الأمر، ونصر على التعامل بلغة العواطف أو المال فقط، ولا نريد التفكير العقلانى القائم على المصالح.

السؤال الذى ينبغى أن تفكر فيه السعودية وكل دول مجلس التعاون الخليجى بل وكل العرب هو الآتى:

إذا كانت أمريكا أدارت وجهها للعرب، وإذا كان الكونجرس ممثل الشعب الأمريكى يريد فرض قانون الغاب على السعودية والعرب، ألا يمكن لنا نحن العرب أن نلاعبهم بنفس المنهج؟، ولماذا لا نستخدم أوراق الضغط الموجودة لدينا وهى كثيرة؟!.

المشكلة أن لدينا قصورا فى التفكير ونمطية لا تتغير رغم أننا نملك كل أدوات التكنولوجيا الحديثة التى استوردناها من الغرب.

هذا الغرب ولأنه يبحث عن مصالحه، فقد تركنا تقريبا «على الحديدة»، تركنا نعتمد عليه فى كل شىء من أول سجادة الصلاة إلى منظومة الدفاع الصاروخية مرورا بكل شىء. ولم يعلمنا الفطام والاعتماد على أنفسنا.

كنا نعتقد أن الوجود العسكرى الأمريكى والغربى فى المنطقة مفروض علينا بالقوة الجبرية، ثم تذكرنا أن غالبية الحكومات العربية ناشدت أمريكا وبقية الغرب أن تتدخل فى العراق وسوريا ضد داعش، كما ناشدت الحكومة السورية روسيا أن تتدخل ضد داعش والقوى المدعومة أمريكيا، ثم طلبت العراق تدخل إيران وأمريكا لتحرير الموصل، وطلب بعض الأكراد تدخل تركيا.

وبالتالى وإذا كنا نحن العرب والمسلمين نتناحر فيما بيننا مرة تحت اسم القبيلة ومرة تحت اسم المذهب ومرة تحت اسم الوطن، فلماذا نلوم أمريكا عندما تحاول أن «تحلبنا» حتى آخر قطرة لبن أو دم أو بترول؟!.

أمريكا والغرب يقصفون أهدافا عربية بأموال عربية ثم نطلب منهم معونة شركاتهم للبناء، ثم نضع عندهم كل استثماراتنا وأموالنا وودائعنا وسنداتنا، فلماذا لا يقومون بالاستيلاء عليها تحت أى مبرر، سواء لتعويض الضحايا أو لأن الاقتصاد العالمى متعثر؟!.

المطلوب أولا: أن يستيقظ العرب من نومهم ويبدأوا فى التفكير العقلانى ويتوقفوا عن حروبهم الأهلية والمذهبية، وبعدها يفكروا فى مواجهة أمريكا وروسيا وأوروبا وإسرائيل وأى قوى اخرى.. أما قبل ذلك فهو كلام «طق حنك».
عن "الشروق" المصرية