2024-04-26 02:24 ص

يا من تنتظرونها...هذه هي مصر الراهنة

2016-10-27
بقلم: إيهاب شوقي
نعلم علم اليقين ان هناك انتظار لمصر وهبتها ودورها. الملفت ان الانتظار لايقتصر على الطرف المقاوم للمشروع الامبريالي الصهيو امريكي والمتمثل في محور المقاومة التعارف عليه وفي نقاط مضيئة من الكرة الارضية في بعض الحكومات في امريكا اللاتينية وكذلك في اسيا ونقاط مضيئة بعدد اكبر ممثلة في تيارات مقاومة تغلب عليها النزعة اليسارية منتشرة في كل بقاع الارض. الا ان هناك مصر اخرى ينتظرها الطرف الاستعماري وتوابعه. مصر الاولى التي ينتظرها المقاومون هي مصر الحرة المستقلة المعتمدة على سواعدها والمستعينة باطراف مقاومة لا تفرض عليها شروطا تمس باستقلالها وخروج سياساتها عن بوصلة المقاومة، وهو ما يعني ان تكون داخليا مستقرة ومسيطرة على مؤسساتها وحولها التفاف شعبي قائم على العدالة ووقوده مصداقية المقاومة والاقتناع بالمعركة. ومصر الثانية التي ينتظرها الاستعمار وتوابعه، هي مصر الهشة التي لاتستطيع الانسلاخ عن المعونات والدعم الغربي المباشر او الغير مباشر عبر اذيال الغرب من اشباه الدول والعصابات الحاكمة المحتلة للاراضي العربية ونفطها وثرواتها. مصر الاولى المقاومة هي مصر التقدمية المنفتحة ذات الثقافة الرفيعة والموظفة لكفاءاتها وثرواتها. ومصر الثانية هي المتخلفة والظلامية والمصدرة لرعاعها في الواجهات والمنابر المختلفة. مصر الاولى هي مصر الموحدة المتماسكة والملتفة حول مشروع قومي ووطني قوامه النهضة والوحدة العربية والاسلامية والتحرر الوطني والتوحد والتكتل مع كل قوى هذا التحرر والمقاومة في العالم بمعزل عن الانتماءات الدينية والمذهبية واللغوية. ومصر الثانية هي مصر المفتتة المتشاحنة مفقودة الهوية والمنجرة كرها للطائفية والعنصرية والعصبيات الهامشية وانتماءات ما قبل الدولة الحديثة. اما عن مصر الحالية فهي لا الاولى ولا الثانية، وهي في موقع حرج بين الاثنتين، حائرة بين شد الاولى بحكم التاريخ وطبيعة التكوين والوجدان وجذب الثانية بفعل سنوات التيه والمحاولات المكثفة للتشويه والتغيير في جيناتها الاصلية. ومصيبة مصر تكمن في النخبة القائدة والطليعة الثورية، حيث فقدت هذه النخبة واصبحت الساحة خالية لاشباه النظم واشباه المعارضات. نعم في مصر شبه نظام وشبه معارضة، والادهى والامر ان المحصلة جعلت هناك...شبه شعب! لايمكن اطلاق الكلام وتعميمه، فهناك جيوب مقاومة داخل النظام وكذلك داخل المعارضة وبالتأكيد قوى حية داخل الشعب، ولكن استسلم الجميع. استسلم النظام لخياراته واكتفى بخياله الضيق وارادته الهشة واستسلمت جيوب المقاومة به بسبب انعدام الامل في الاستجابة لما يتميز به من العناد المبني على غرور الجهل . واستسلمت المعارضة لانعدام شعبيتها بسبب ارتضائها الاختراق وصمتها عليه وايضا بسبب خيالها الضيق ونهجها العشوائي والياتها المقتصرة فقط على الحشد للاحتجاج! ناهيك عن سوء التوصيف لدى قطاعات واسعة بها ومبررات احتجاجات البعض والتي لا تنم عن نهج مغاير بقدر ما تنم عن صراع على السلطة او على استبدال اشخاص مكان اشخاص! واستسلم الشعب خوفا من المجهول بعد انسداد منافذ الثورة امام عينيه وعجزها عن تقديم بدائل واوضاع مختلفة، ناهيك عن ازدياد الاوضاع سوءا عقب كل انتفاضة وقعت امام عينيه! لذلك فان الوضع الراهن في مصر اشبه بمرحلة التيه لبني اسرائيل بعد رفضهم القتال بشرف وقولهم لموسى فاذهب انت وربك فقاتلا! نعم انه التيه المفروض عليها بعد التخلي عن المقاومة وعبادة عجول السامري الذهبية ورفض الثمين وتشويهه واشتهاء الغث وتلميعه والاشتياق اليه! مصر لن تخرج من هذا التيه الا بصدمة كبيرة نسأل الله ان يقينا شرها ويخفف من وطأتها. وعلى كل المراهنين في الداخل والخارج وفي كل معسكر سواء المقاومة او الاستعمار والتبعية الا يراهن عليها، فهو اصوب لحساباته. اما انصار نظرية "المحروسة" فلنحيلهم على التاريخ وما حدث بعصور الاضمحلال والشدة عبر العصور. ليس من السهل على مصري فخور بمصريته وعروبته واعتزازه بمصر عبد الناصر قول هذا الكلام، لكنه الواقع الذي نعيشه والذي لن يفيد التلاعب به وتزييفه بنية زرع الامل والابتعاد عن خلق "المناخ التشاؤمي". ولكن..ليس هناك ضوء في نهاية النفق؟ بلى هناك ضوء لامع وامل كبير ولكنه معتمد بكل اسف على الصدفة وعلى التغيير الفوقي بنظام وطني تقدمي يعيد تصحيح الاوضاع حيث ثبت فشل نظرية التغيير من اسفل. كيف يأتي هذا؟ يبقى سؤالا تعتمد اجابته على الاقدار.