2024-04-16 07:00 م

لعبة "وقف الاعمال العدائية"!!!!

2016-10-27
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
حكايات "وقف الاعمال العدائية" أو "وقف إطلاق " التي يقرفنا بها "المجتمع الدولي" وتحالف الشر الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لم يعد ينطلي على الطفل السوري أو اليمني فهو وإن سمع هذا بالمذياع أو التلفزيون لم يعد يأبه بالخبر أو يفرح له كما ربما عندما سمعه لأول مرة. ذلك لأنه بحسه العفوي الطفولي أصبح يدرك أن حجم الكذبة كبيرة وبالتالي لا يمكن أن تمرر عليه بهذه السهولة. لقد أصبح واضحا للقاصي والداني أن الولايات المتحدة وحلفاءها واذنابها في المنطقة يتباكون على الأوضاع الإنسانية المأساوية لسوري حلب وحلب الشرقية بالتحديد دون اية بقعة أخرى في الوطن السوري أو الوطن اليمني على سبيل المثال، نقول يتباكون على هذه الأوضاع مع تحقيق كل تقدم للجيش العربي السوري البطل وحلفاءه على الأرض وتضييق الخناق على المسلحين الإرهابيين أو على أن دحرهم أصبح على قاب قوسين. عندها فقط تنبح الكلاب وقطيع الأغنام معا بسيمفونيات يستجيب بها كل فرد من "الكومبارس" للمايسترو الأمريكي للعب اللحن المنوط له بالزمان والمكان. "الهدنة" أو "وقف الاعمال العدائية" أصبح المقصود بها أن يتوقف الطرف السوري والروسي عن القصف الجوي لمواقع الإرهابيين وتدمير الياتهم ودباباتهم وقطع طرق الامداد عليهم، الى جانب منع أي تقدم للجيش العربي السوري وحلفاءه على الأرض. لا بل والمطالبة بانسحابه الى مواقع ليصبح الإرهابيين بمأمن من ضرباتهم التي أصبحت تؤلم هذه المجموعات الإرهابية. بينما تترك جحافل المغول والتتار الجدد قاطعي رؤوس الأطفال وآكلي الأعضاء البشرية في نعيم الأمان والاستمرار في قصف المواقع المدنية وقتل الأبرياء بالقذائف والصواريخ الشديدة الانفجار والاعتداء على قوافل المساعدات الإنسانية وقتل رجال الأمم المتحدة. الى جانب أن الإعلان عن اتفاقية "وقف الاعمال العدائية" لأيام أو ساعات محددة لا يعنيهم ويعلونها على رؤوس الاشهاد على انهم لن يستجيبوا لهذه الإعلانات. وهذا لا ينطبق فقط على جبهة النصرة القاعدية المصنفة رسميا ضمن المجموعات الإرهابية بحسب لائحة الأمم المتحدة ومجلس أمنها بل ينطبق أيضا على مجموعة أحرار الشام ونور الدين زنكي وشركائهم المصنفين "بالمعارضة المسلحة المعتدلة" من قبل الولايات المتحدة. خلاصة العبارة أن المقصود هو "وقف الاعمال العدائية" من طرف واحد فقط، وحتى عند انتهاء "الهدنة" المعلنة فإن الطرف السوري والروسي يتهمان بخرق "الهدنة" على الرغم من عدم تمديد الهدنة التي أصبح لا معنى لها بالأساس. "الأمم المتحدة" ومبعوثها الخاص السيد دي ميستورا ينعق بأن المدة الزمنية لوقف "الاعمال العدائية" التي أعلنها الطرف السوري والروسي غير كافية وأن الأمم المتحدة بحاجة الى وقت أكثر لتحضير المعونات الإنسانية، بالإضافة الى تعهد الطرف الروسي والسوري باحترام وقف اطلاق النار وذلك في تبرئة واضحة للمجموعات الإرهابية من مسؤولية ليس خرق الهدنة بل من عدم التزامها بها. ولا ينطق السيد دي ميستورا ببنت شفة عن اعلان المجموعات الإرهابية بعدم التزامها بالهدنة وأنها غير معنية بها. الطرف الملام دائما وأبدا هو الطرف السوري والروسي. وفي محاولات بائسة لتأليب الرأي العام العالمي تظهر تقارير الأمم المتحدة من أن هنالك مجاعة في حلب الشرقية وهنالك معاناة من شحة المواد الأساسية وتنبىء بوقوع كارثة إنسانية وشيكة ..الخ. لم نسمع من السيد ميستورا ولا من "المجتمع الدولي" أي كلمة عن الفوعة وكفريا المحاصرتين بالكامل من أكثر من عام ونصف الان من قبل المجموعات الإرهابية وعن النقص الحاد في ماء الشرب أو الغذاء أو الدواء ولم نسمع عن أية وسيلة اعلام غربية أنها تناقلت صور المستشفيات الخالية من الدواء أو مواد التخدير لإجراء العمليات أو عن شحة الدواء لعلاج الامراض السرطانية أو غسل الكلى ..الخ وكأن هؤلاء ليسوا ببشر ولا تشملهم اهتمامات "المجتمع الدولي". "المجتمع الدولي" معني بشيء واحد ببساطة هو الحفاظ على المجموعات الإرهابية الى أن يتم الانتهاء من خدماتها وانتهاء دورها ولهذا الغرض يجب تجنيد وتجييش الاعلام الغربي والدول الغربية وأدواتها في المنطقة. وعندما يفتح 6 معابر رئيسية آمنة يشرف عليها الطرف الروسي والسوري لإعطاء فرصة للمدنيين الذين يودون الخروج من حلب الشرقية، يقال أن "النظام" السوري يعمل على تغيير الوضع الديمغرافي للمدينة أو انه يقوم بعملية تطهير عرقي. وهذه المعابر أيضا مفتوحة لكل المسلحين الذين يودون تسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم مع الدولة السورية عندها تتهم الحكومة السورية بأنها تنفذ ذلك دون التنسيق مع الأمم المتحدة وكأن السيد دي ميستورا شريك في الحكم في سوريا وأن الامر يتم من وراء ظهره. لا نسمع أي كلمة ادانة من أن جبهة النصرة تقوم بإطلاق النار على المدنيين الذين يحاولون الوصول الى هذه المعابر أو أن تقوم مدفعيتهم بقصف هذه المناطق والمواقع لمنع الناس من الوصول اليها. ولا نسمع كلمة ادانة من "الأمم المتحدة" بإدانة التصفية الجسدية التي تقوم به المجموعات الإرهابية لأي من عنصرها المسلحة ان أراد الهروب وتسليم نفسه للجيش العربي السوري وتسوية أوضاعه بعد أن تبين له الاجرام الذي يرتكب بحق الوطن وأن لهذه المجموعات أجندات تحركها أطراف إقليمية ودولية غير معنية بالشعب السوري ولا بمعاناته. وبالتزامن مع الحملة والتصريحات للسيد دي ميستورا الذي من الواضح انه أبعد من أن يكون طرفا محايدا تبدأ حملة إعلامية مكثفة وموجهة ومتناغمة في الصحافة الغربية وعلى امتداد جغرافي واسع وتسمع عن قصف مستشفيات ومدارس ومناطق سكنية والبراميل المتفجرة والطفل الذي سحب من تحت الأنقاض في حلب الشرقية ( دون أي خدش لا في وجهه أو جسمه ...سبحان الله ..) ويتم نقل هذه الصورة في كل الصحافة ووسائل الاعلام الغربية والأدوات في المنطقة. وسائل الاعلام التي لم تتجرأ على نقل صور أطفال اليمن التي تتطاير اشلاءهم في الهواء نتيجة القصف الذي لم ينقطع لطائرات "التحالف العربي الإسلامي" الذي يقوده آل سعود. فأطفال اليمن وفلسطين وسوريا يعتبرون اما أنهم دون البشر أو ينتمون الى أباء وأمهات من الإرهابيين لأنهم يدافعون عن شرف هذه الامة. وتبدأ حملة إعلامية وسياسية ودبلوماسية ضد روسيا والرئيس بوتين بالتحديد وتكثر الاجتماعات التي تناقش فرض مزيد من العقوبات على روسيا بسبب مواقفها في سوريا. ويقوم وزير الخارجية الأمريكي بزيارة الاتحاد الأوروبي ويتصل أوباما بالزعماء الأوروبيين وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا لمناقشة ماهية العقوبات الجديدة التي يجب أن تفرض على روسيا بالإضافة تلك العقوبات الغير مبررة والمجحفة بسبب الازمة الأوكرانية التي سببها تدخل الولايات المتحدة وتنفيذ سياسة "تغيير الأنظمة" التي سارت عليها إدارة أوباما اسوة بالإدارات السابقة والذي كان قد منح جائزة نوبل للسلام ربما لتكملة مسيرة سلفه "الصالح" بوش الابن. ويخرج علينا وزير الخارجية الفرنسي والرئيس هولاند بتهديد روسيا والرئيس بوتين بالتوجه الى محكمة الجنايات الدولية لارتكاب مجازر حرب في حلب وتتحرك فرنسا على مجلس الامن بمبادرة لحماية الإرهابيين المحاصرين في حلب الشرقية مطالبة بالوقف الفوري للطائرات الروسية والسورية فوق حلب متناغمة مع المطالب الامريكية السابقة بتحريم الطائرات الروسية والسورية فوق مناطق معينة. أما بريطانيا فقد أوكل اليها مهمة اعادت فكرة منطقة الحظر الجوي، وألمانيا بالتحرك على مستوى الاتحاد الأوروبي والتهديد بفرض مزيد من العقوبات على روسيا بسبب مواقفها في دعم الدولة السورية والوقوف الى جانب الجيش العربي السوري. وتقوم مؤخرا بريطانيا بتقديم مشروع قرار في مجلس حقوق الانسان يقضي بتشكيل لجنة للتحقيق في أحداث حلب وحلب بالتحديد وليس غيرها. والسبب أصبح واضحا وجليا عندما تأخذ السيمفونية بكافة الحانها ومواقعها. أما المايسترو الأمريكي فقد انشغل بالاجتماعات بين الإدارة الامريكية ومجلس الامن القومي الامريكي والبنتاغون لدراسة الخيارات الغير دبلوماسية في سوريا وذلك بعد ان أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الامريكية وقف أو تجميد كل الاتصالات مع روسيا بشأن "التنسيق والمباحثات" بالنسبة الى الوضع في سوريا. وتسربت الانباء عن إمكانية التوجه الى خيار توجيه ضربات محددة ضد مواقع الجيش العربي السوري وقصف وتدمير المدرجات للمطارات العسكرية وربما المدنية أيضا في سوريا وهللت الصحافة الامريكية بالطبع لمثل هذه الخيارات العسكرية غير آبهة بالنتائج التي يمكن أن تترب على ذلك من تصعيد خطير قد يشعل الحرب في المنطقة بأجمعها ويفتح الباب أمام الصدام بين الولايات المتحدة وروسيا وكلاهما قوى تمتلك أسلحة نووية. أما آل سعود مصدري وداعمي الارهاب الإقليمي والدولي فها هو وزير خارجيتهم يصرح وبكل وقاحة أن السعودية باقية على دعم المجموعات المسلحة بالأسلحة والذخائر وما زال الهدف الرئيس هو اسقاط النظام في سوريا. والتصريحات القادمة من أمريكا تؤكد على إمكانية السماح للسعودية وزبانيتها بتسليح "المعارضة المسلحة المعتدلة" بالصواريخ المحملة على الكتف ضد الطائرات السورية والروسية، والذي يعتقد أن هذه الصواريخ قد وصلت مؤخرا الى شرقي حلب. أما تركيا فما زالت تفتح حدودها للإرهابيين وتمرير الأسلحة على الرغم من الضجيج الإعلامي الذي يثيره السلطان العثماني الجديد أردوغان وزبانيته من محاربة الارهاب. فخطوط الامداد للإرهابين في حلب الشرقية لم ينقطع ولو للحظات. وتصعد تركيا من تدخلها العسكري في سوريا وتدعم ما تسميه الجيش الحر والذي ما هو الا نسخة معدلة عن داعش والنصرة القاعدية للاستيلاء على مدن سوريا من خلال مسرحيات وتحت شعار محاربة داعش التي تقوم بالانسحاب من المدن دون اشتباكات ومعارك بالتنسيق مع السلطات التركية كما حصل في جرابلس فقد سلمت المدينة من قبل مجموعة في يد تركيا الى مجموعة أخرى في يد تركيا أيضا. وما زالت العين للتوجه الى حلب فيما إذا ما سنحت الفرصة لهم بذلك. وينضم الامين العام للأمم المتحدة ومعاونيه الى هذه الجوقة المتناغمة في أدائها واهدافها الخبيثة التي لم تعد تنطلي على أحد فها هو السيد أوبراين وكيل الأمين وفي احدى جلسات في مجلس الامن التي خصصت لمناقشة الأوضاع في سوريا يتهم الطرف السوري والروسي بعدم تسهيل ادخال المعونات الانسانية الى حلب الشرقية وذلك لتمسكهم بالشروط لادخال هذه المساعدات على الرغم من اعترافه بأن مجموعة نور الدين زنكي (التي ذبحت الطفل الفلسطيني وصورة عملية الذبح وعرضه على اليوتيوب) وأحرار الشام قامت بإحباط عملية ادخال المعونات الى شرقي حلب قبل بضعة أيام. السيد أوبراين يريد من الدولة السورية ذات السيادة أن ترضخ لمطالب الإرهابيين في ادخال المساعدات حتى يتسنى لها ادخال الأسلحة والذخائر كما حصل في الماضي. ويستطرد السيد أوبراين وبكل وقاحة وعدم موضوعية ليتهم روسيا وسوريا بارتكاب جرائم حرب في حلب الشرقية. والغريب في الامر أن السيد أوبراين لم يأتي على ذكر جبهة النصرة على الاطلاق في حديثه عن حلب الشرقية وعن قصفها لقافلة المعونات ومنع السكان المدنيين من المغادرة، وإطلاق النار على كل من يحاول المغادرة وقصف المعابر الامنة هي والمجموعات الإرهابية الأخرى. ويستطرد السيد أوبراين وبكل وقاحة وعدم موضوعية ليتهم روسيا وسوريا بارتكاب جرائم حرب في حلب الشرقية. والسؤال هنا لماذا يتناسى السيد أوبراين جبهة النصرة هذه المجموعة المصنفة إرهابية بحسب لوائح مجلس الامن؟ بالطبع ان هذا لم يحدث سهوا وليس لان السيد أوبراين أصيب فجأة بمرض الزهايمر. كفاكم رياء وذرف دموع التماسيح فلم تعد هذه اللعبة تنطلي على أحد. الهدف هو إبقاء شريان للحياة لهذه المجموعات الإرهابية فدورها لم ينتهي بعد، وما زالت الولايات المتحدة وبعض القوى الإقليمية وعلى رأسها تركيا والسعودية تراهن على إمكانية استخدام هذه المجموعات الإرهابية وعلى رأسها جبهة النصرة -التي يتناقص أعداد عناصرها تدريجيا يوميا المتواجدين في حلب الشرقية لانهم على ما يبدو حصلوا على "طواقي الاخفاء" من مشغليهم - في تمزيق الوطن السوري القلعة الصامدة في وجه المخططات الامريكية في المنطقة. لعبة "وقف الاعمال العدائية" كما تريدها الولايات المتحدة وحلفاءها من الدول الغربية وأدواتها وعملائها الإقليميين أصبحت لعبة ممجوجة ومفضوحة الى حد كبير. الولايات المتحدة لم تقم ولغاية الان بفصل المجموعات التي تدعيها بأنها "معارضة مسلحة معتدلة" ولن تقوم بذلك لان ليس لها مصلحة في ذلك على الاطلاق. وقف المآسي الإنسانية في سوريا أو اليمن يكمن في وقف الدعم عن هذه المجموعات الإرهابية وتجفيف مصادر تموينها وامدادها بالسلاح والعتاد ووقف تجنيد الإرهابيين من كل بقاع العالم وقطع الطريق عن وصولهم الى المنطقة وبلدانها ساء في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو مصر ان أردنا الاختصار ومنع تمدد الارهاب العابر للدول والقارات. ولكن هذه الدعوات كالعادة تسقط على أذان صماء.