2024-04-19 09:36 م

الذكرى الخمسون لمعركة السموع

2016-11-13
عمان/ في صبيحة مثل هذا اليوم من عام 1966 ارتكبت إسرائيل هجوما واسعا على بلدة السموع بلواء الخليل التابع للمملكة الاردنية آنذاك، واجتازت خطوط الهدنة برتلين من الدبابات و 400 مقاتل محمولين في عربات نصف مجنزرة تساندها عدة أسراب من الطائرات المقاتلة، في معركة أبلى خلالها جنود الجيش العربي بلاء حسنا في صد العدوان.
وتباينت آراء وتحليلات الخبراء والمحللين السياسيين حول نوايا إسرائيل المبيتة من هذا العدوان، رغم تذرعها بوجود قاعدة للفدائيين الفلسطينيين في هذه البلدة شنوا منها عمليات عسكرية في عمق إسرائيل.
أسباب المعركة:
تذرعت إسرائيل بحجة وجود قاعدة للعمل الفدائي في بلدة السموع بلواء الخليل في الضفة الغربية التابعة للمملكة الاردنية آنذاك، وأنها قامت بعدة عمليات عسكرية في العمق الإسرائيلي، فتذرعت بهذه الحجة في الاعتداء على هذه البلدة. 
واختلفت الآراء حول الأسباب الفعلية لهذه المعركة التي تعتبر الأكبر بعد العدوان الثلاثي على مصر، ولكن أجمع المحللون أنها كانت تمهيدا لحرب 1967، إلا أن بعض الخبراء يرون أن هذه العملية كانت لـ "استدراج الجيش الأردني للحرب واختبار مدى فاعلية القيادة العسكرية العربية الموحدة". 
سير المعركة:
في الخامسة والنصف من صباح يوم الأحد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1966 حشد اللواء المدرع الإسرائيلي السابع قواته على الحدود الأردنية، اجتاز الإسرائيليون خطوط الهدنة برتلين من الدبابات و400 مقاتل محمولين في عربات نصف مجنزرة تساندها عدة أسراب من الطائرات المقاتلة. تحرك أحد الأرتال باتجاه بلدة السموع والآخر باتجاه مدينة يطا بهدف التضليل. 
وعلى الفور، تحركت قوتان من الجيش الأردني باتجاه السموع بطريقين مختلفين، الأولى عن طريق بلدة الظاهرية، والثانية عن طريق بلدة يطا تحت وابل من قصف الطيران الإسرائيلي. 
واصطدمت القوة الأردنية بالقوات الغازية في قتال شرس، رغم محاولة سلاح الجو الأردني توفير التغطية الجوية بإرساله ثلاث طائرات من طراز هوكر هنتر، كان تأثيرها ضعيفا نظرا لعدد الطائرات الإسرائيلية الكثيف، ومكنت طبيعة الأرض الإسرائيليين من الوصول إلى مرتفعات السموع بالتزامن مع وصول القوات الأردنية حولها من جانبين. 
وشارك سرب من الطائرات الأردنية في هذه المعركة واشتبك في قتال عنيف وغير متكافئ مع أسراب العدو في أول معركة جوية مع إسرائيل، وعلى الأرض اشتبكت القوات الأردنية ببسالة مع القوات الإسرائيلية التي كانت أفضل تسليحا، لكنها رغم ذلك استطاعت دحرها قبل نهاية اليوم، فتراجعت القوات الإسرائيلية بعد مقتل العقيد يواف شاهام قائد لواء المظليين الإسرائيلي. 
وتمكنت القوة الأردنية من حماية خروج الأهالي من القرية بأقل الخسائر الممكنة بالأرواح المدنية، واستشهد في هذه المعركة 13 جنديا اضافة الى الرائد محمد ضيف الله الهباهبة، والملازم الطيار موفق بدر السلطي، وجرح العقيد بهجت المحيسن قائد لواء حطين مع 22 عسكريا.
شهداء معركة السموع  
وقد ارتقى عدد من أفراد الجيش العربي في هذه المعركة هم كل من الرائد محمد ضيف الله الهباهبة، ملازم أول طيار موفق بدر السلطي، الجنود: حمدان عبدالرحمن كرم الخليفات، سالم عليان سليمان العموش، راجي مقبول سالم الشموط، أحمد سعيد موسى العثامين، عبدالقادر عبدالجواد عودة الحروب، مفلح محمد سليمان الحناتلة، إبراهيم حسن يوسف مصلح، يونس حسين مسلم العريقات، عبدالقادر شاكر محمد صدقة، عطاالله علي متروك العوران، أحمد عبدالكريم محمد السويطي، عبدالرحيم عبدالله مسلم محفوظ، محمد أحمد حمد دار عودة.
ماذا قالوا في السموع:
قال المغفور له بإذن الله تعالى جلالة الملك حسين بن طلال في المعركة "إن معركة احتلال القدس قد بدأت" .. "إن أهم ما أسفرت عنه أحداث تشرين الثاني (نوفمبر) 1966 كان إفلاس الوحدة العربية وهو إفلاس أحسسنا به في الداخل والخارج. في الداخل أصبحت القضية الفلسطينية مستعصية الحل بعد حادث السموع وفي الخارج أخذ الرأي العام يبتعد عنا".
الشهيد وصفي التل: "ان عملية السموع ليست غارة انتقامية عادية، ولكنها عملية غزو استخدمت فيها إسرائيل نصف ما استخدمت في غزو سيناء إذ حشدت 4000 جندي للسموع وحدها".
"لقد كانت معركة السموع اختبارا للقيادة العربية الموحدة. وكنا نريد ان يؤمن لنا الغطاء الجوي فوق السموع وأن الغطاء الجوي جنوبي القدس هو من مسؤولية الجمهورية العربية المتحدة. ولو فتحت الجبهات العربية النار جديا او بشكل محدود لخف الضغط على الأردن أثناء المعركة."
المكتبة الوطنية الإلكترونية للتراث الأردني: "غادر شهيدنا الهباهبة وحدته على متن سيارة عسكرية يرافقه سائق، وبالقرب من مدينة السموع شاهد جحافل القوات الاسرائيلية المدججة بالأسلحة الثقيلة والأرتال والجرافات وهي تستعد للقيام بعدوان على قرية السموع، فطلب من سائقه ان يتوقف ويعود فورا إلى الوحدة حفاظا على المعلومات والمعدات والخرائط التي يحملها، وطلب منه أن يخبر قائد الوحدة بالحشود الاسرائيلية قرابة الحدود، فتفاجأ السائق بأنه يطلب منه الرشاش والذخيرة فسأله ألا تنوي العودة معي فنظر اليه مبتسما وقال: عد أنت وحدك فأنا لست بعائد، وبالفعل غادر السائق المكان وبقي الرائد الهباهبة وحده ينتظر تقدم العدو".
وعند اختراق القوات المعادية لخطوط الهدنة، بدأ شهيدنا في مواجهتهم وقتالهم حتى قبل وصول التعزيزات الأردنية، واستطاع إسقاط عدد من جنود الاحتلال، إلا أن ذخيرة الرشاش نفدت، فاستخدم مسدسه الخاص، الا أن ذخيرته أيضا خذلته، فخرج لهم بالسلاح الأبيض واصيب اصابات بليغة، وفي جسده ما لا يعد ولا يحصى من الطلقات، ففاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.
الكاتب موسى حوامدة: ويستذكر الحوامدة المعركة بقوله "في المساء، وبعد أن هدأت الحرب، وانسحبت القوات الإسرائيلية، وفي طريق عودتنا مشياً على الأقدام، رأيت الجيبات العسكرية الأردنية، التي حملت الكثير من الجنود المستفزين والغاضبين، الذين جاؤوا لمواجهة القوات الإسرائيلية. رأيت بعض الجيبات معطلة، وبعضها محترقاً، ورأيت فيها جنوداً، ما زالت النار تأكل ملابسهم وجرزاتهم وبساطيرهم. رأيت كيف يلتصق الدم بالطين، وكيف يكون منظر الموت والقتل، وكانت رائحة البارود تملأ المكان".
ويضيف، "لقد سمعت أن الشهيد محمد ضيف الله الهباهية، بعد أن فرغت منه الذخيرة، ألقى بنفسه داخل إحدى الدبابات الإسرائيلية، لقد قاتل بسلاحه الأبيض، ودفع حياته ثمناً لكبريائه، ودفاعاً عن بلدتي وعن طفولتي".
الملازم أول غسان معزي هلسة (أحد الضباط المشاركين في المعركة): بدوره يستذكر الملازم أول هلسة المعركة فيقول "عندما استشهد محمد ضيف الله الهباهبة لم يكن بيني وبينه أكثر من خمسة أمتار. كان هناك قتال في السلاح الأبيض، حيث كنا نحن مشاة واليهود لديهم الدبابات". 
الكاتب محمد الشواهين
أما الكاتب الشواهين فيقول ان "الشهيد الهباهبة كان أول من دخل ساحة المعركة حيث كان في المقدمة، ولما شاهد قوات العدو تحيط به من كل جانب، طلب من سائقه أن يسلمه بندقيته الرشاشة وينجو بنفسه، وحينها أخذ الشهيد البطل موقعه وأخذ يمطر جنود العدو بوابل من الرصاص فقتل من قتل وجرح من جرح، لكن الكثرة غلبت الشجاعة، وارتقى القائد شهيدا بعد ان اخترقت عشرات الرصاصات جسده الطاهر وسقط معه ثلاثة عشر شهيدا انضموا الى قوافل شهداء الجيش العربي الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض فلسطين الحبيبة".
الشاعر جبريل الهباهبة
ويصف الشاعر الهباهبة استشهاد الرائد محمد ضيف الله الهباهبة بقوله، "وتقدم الطامحُ الى الشهادة إلى القوات الغازية موجهاً رشاشه ومصوّباً النار الى صدور الأعداء الذين استباحوا حرمات القرية الوادعة، فقتل عددا كبيراً من الأعداء واتخدم المسدس في القتال حتى نفد العتاد وتقدم نحو العدو بروح القائد المسلم بالسلاح الأبيض... الموت ولا الدنيّة.. وفوهات بنادق الأعداء ورشاشاتهم ومدافعهم مصوّبة نحوه..".
تقرير حوادث الإصابات
ورد في التقرير الصادر عن المستشفى الرئيسي العسكري/ ماركا، وهو وثيقة عسكرية تنظم في حالات الإصابات التي تحدث أثناء العمليات الحربية، أنه "بعد الكشف على جثمان الشهيد الهباهبة، تبين أنه أصيب بما لا يقل عن 15 عيارا ناريا، اضافة إلى 3 جروح قطعية في صدره ووجهه الطاهرين".
رحم الله شهداء السموع من القرية الوادعة ومن أبطال الجيش العربي الأردني.
عن صحيفة "الغد" الاردنية