2024-03-28 05:25 م

غرق الأمريكان في المستنقع السوري وفشل السيناريوهات الخدَّاعة

2016-12-04
بقلم: عميرة ايسر
منذ الغزو الأمريكي للعراق سنة2003 والذي تلقى مقاومةً شديدة من مختلف التيارات الدينية والعشائرية المقاومة وتكبد القوات الغازية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وهذا ما دفع "الرئيس الأمريكي الديمقراطي" "باراك اوباما" إلى توقيع اتفاقية مع الجانب العراقي سنة2008والتي منحت القوات الأمريكية بموجبهاَ حصانةً قانونية من المتابعاتِ القضائية أمام "محكمة العدو الدولية" نظراً لما ارتكبه الجنود الأمريكان من مجازرَ مروعة في العراق الذي دمِّر بالكامل وتمَّت سرقةُ بنوكه واحتياطه الوطني من الذهب ونهب تراثه الحضاري عداَ عن 500ألف عراقي قتلوا في مقابل جدولة انسحاب أمريكي من الأراضي العراقية،مع الإبقاء على قوة رمزية فقط ,ففي دراسة "لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط" الذي نشر دراسة حول انسحاب القوات الأمريكية من العراق اعتماداً على مقالِ تحليلي نشرته جريدة "وول ستريت جورنال" سنة2014بقلم "جيمس جيفري" السفير الأمريكي السابق بالعراق,الذي رأى بأنَ اوباما كان مجبرا على سحبِ قواته العسكرية سنة2011مع الإبقاء على حوالي 5ألاف جندي أمريكي من أجل حماية السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء،وكذا تدريب وحدات الجيش العراقي الحديث النَّشأة بعد تفكيك الجيش السابق بأوامر من "بول بريمر" حاكم العراق العسكري في عهد "جورج بوش الابن" وقد فعل ذلك بمشورة من "أبرامز إليوت" أحدُ أهم أعمدة المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن المنتهية ولايته,فحوالي 20بالمئة من العراقيين فقط أيَّدوا بقاء هذه القوات في التواجد على ارضي بلاد الرافدين، بعد أن تشكلت القوات الأمنية العراقية وأضحت قادرة وأصبحت قادرة على التعامل مع المستجدات والمشاكل الأمنية التي تهدد البلاد,كما أن كتلة "إياد علاوي" "رئيس الوزراء السابق" و"نوري المالكي" التي ضمَّت 120نائباً من أصل 325نائب في "البرلمان الوطني العراق"ولم تؤيد ذلك, إلاَّ نواب الأكراد وإقليم شمال كردستان وذلك نظراً للتحالف الوثيق الذي يجمع "مسعود البرزاني" مع الأمريكان,وبعد انسحاب القوات الأمريكية سنة2011وهي نفس سنة الثورات العربية التي باركها البيت الأبيض علنا فيما عمل على الاستفادةِ منها وتحويلها إلا فوضى خلاقة مثلما أراد ذلك "بول وولفووتز" "نائب وزير الدفاع الأمريكي- دونا لد رامسفيلد" في عهد بوش,إذ أنَ "مشروع الشرق الأوسط الجديد" له جدورٌ قديمة مثلما يقول"الباحث في الشؤون الإستراتيجية" الأستاذ "أنيس النَّقاش" لا يزال قائماً. - فالولايات المتحدة الأمريكية التي صنعت تنظيم داعش وغذَّته في العراق ثم نقلته إلى سوريا من أجلِ استنزاف قدرات البلدين في أنٍ واحد ,وفرض شروطها السِّياسية على "الرئيس بشار الأسد" وإجباره على الانسحاب وفرض حكومة مركزية في دمشق تكون تحت وصايتها.مثلما فعلت بكل الحكومات العراقية منذ2003وحتى ألان،وأنْ بشكل متفاوت, فالرئيس باراك اوباما الذي رغم أنهُ ينتمي إلى الحزبِ الديمقراطي إلا أنه مجبر على الانصياع لمَجموعة لوبيات الضَّغط السياسي،والتي تديرها وتتحكم بها شبكة معقدة من رجال الأعمال والبيروقراطيين ورجال السِّياسة الذين يرتبطون عضوياً بإسرائيل و المحافظين الجدد,فالشعار الأمريكي الذي ترفعه كل الحكومات الأمريكية هو نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة في العالم،وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط وسوريا, ولكن العارفين بخبايا السياسة الخارجية الأمريكية يعون جيداً بأنَ الهدف الرئيسي لأمريكا الآن هو تفتيت الدُّول العربية وإعادة بناءها وفق الرؤية الإستراتيجية ,التي تحقق المصالح العليا للأمن القومي الأمريكي, فباراك اوباما يتبع إستراتيجية السيناريوهات الخدَّاعة وهي التي أسَّس لها ثلة من المحافظين الجدد الذين عملوا مع جورج بوش الأب إبَّان حرب الخليج الثانية،وكان لهم مكتب لهم هناك يسمى "مكتب السيناريوهات الخدَّاعة",وفي اجتماع لبول وولفوويتز،مع نخبة رجال الجيش والمخابرات والديبوماسيين الأمريكان,سأله احدهم لماذا لم تفكروا في اليوم التالي لسقوط العراق وتركتم الفوضى تنتشر في كل ربوع البلاد ابتسم ثم ردَّ:ومن قال لك بأنناَ لم نفكر في ذلك أنا الوحيد من ثلة صغيرة من نعرف السَّبب الحقيقي لغزو العراق,وهذا الحوار الذي جاء في "كتاب الكنفدرالية المشرقية- صراع الهويات والسياسات",وبالتالي علينا أن نلاحظ بأنَ السياسة الأمريكية المطبقة في سورياَ ما هي إلا امتداد طبيعي لتلك التي طبقت في العراق عند احتلاله ولكن بأساليب متعددة منها "حروب الوكالة"،وذلك لسبب وجيه هو رفض القادة العسكريين في أمريكا خوض أيَّ حربٍ خارج حدودهم حتى2025وذلك نظراً لعدم وجود تقنيات تحميهم ميدانياً.فأعداد القتلى المهول في صفوفهم سواء في أفغانستان والعراق لا زال يشكل كابوساً مؤلماً لهم دائما،دفعت الولايات المتحدة حسب حروبها بالوكالة تنظيمات متشدِّدة وعلى رأسها داعش،والنصرة،وجيش الإسلام،وتولت دول كالسعودية وقطر وتركيا وإسرائيل تمويلها وتدريبها.أما التوجيهات والأوامر فكانت أمريكية,ولكن فشل هؤلاء جميعاً في تحقيق نتائج ملموسة على الأرض وانحسار الدعم المالي والغطاء السياسي عن هذه التنظيمات ,التي برهنت في الواقع السُّوري بأنها تفتقد إلى الحاضنات الشعبية وتحول بعضها لأدوات للقتل والنهب والسلب وذبح المواطنين هناك،وازدياد الضُّغوط الدولية ودخول الروس إلى ميدان اللعبة وتسجيلهم لنقاط حيوية وإستراتيجية.اضطرت الأمريكان إلا الإذعان لهم والتفاوض معهم من أجل إيجاد حل سياسي يضمن الحدَّ الأدنى من المصالح الأمريكية في سوريا,والشيء الأخر الذي أحرج الرئيس اوباما أمام الكونغرس الأمريكي وحلفاءه في المنطقة كالسعودية وإسرائيل،هو توقيعه للاتفاق النووي مع إيران وبالتالي الاعتراف بها كقوَّة إقليمية فاعلة في التأثير على ملفات المنطقة ,ولا ننسى الحلفَ الثلاثي الذي يضم عداَ إيران كلا من روسيا وسوريا،كدولِ تحاول وضع حدٍّ للهيمنة والنفوذ الأمريكي على الأقل في منقطة الشرق الأوسط ومنع مشاريع تقسيمِ سورياَ أو تفتيتها. - فأحدُ سيناريوهات أمريكا الخادعة يقوم على محاربة داعش علناً وتشكيلِ حلفٍ دولي لذلك,مع دعمها وتسليحها سراً،من أجلِ ضرب المصالح الإستراتيجية السورية وبالتًّالي إضعاف الدولة وتشتيت قوات الجيش السوري,وفرض واقع سياسي جديد على جميع الأطراف المفاوضة أخذه بعين الاعتبار في أي مفاوضات سياسيةٍ قادمة،ولكن غرق الخطط والسيناريوهات الأمريكية في أوحال المستنقع السوري ومن قبله العراقي,فرضَ على صنَّاع القرار في البيت الأبيض القبول بتقاسم النفوذ في المنطقة وليس على أراضي عاصمة الأمويين القديمة فقط,فإيران وروسيا بات من الصعب جداً تجاهل نفوذهما ودورهماَ الإقليمي المتعاظم في فكِّ شفرات الملفات السياسية والأمنية الشائكة والتي حاولت أمريكا طوال 5 سنوات من عمر الحرب على سوريا،فك رموزها والتعامل معها بما يخدم مصالحها الجيواستراتيجية،ويضمن لحلفائها دوراً أعمق وأكثر تأثيراً في مستقبل المنطقة. - ولكن لا ننسى إطلاقاً بأنَ أمريكا حسب المخططات الأمنية ستحاول الانسحاب من المنطقة لتواجه التنِّانين الصينية في أسيا الوسطى وبحر الصين،و التي بات أسطولها البحري قوياً للغاية وتمتلك أيضاً ثاني أقوى جيش في العالم.إذ أضحت تشكل تهديداً كونياً للهيمنة الأمريكية على العالم،وبالتالي ستوَّكل إدارة منطقة الشرق الأوسط لإسرائيل وحلفاءها في المنطقة. - ولكنَ المعضلة الرئيسية أمامها هي أنَّ هؤلاء بعد فشلهم في تنفيذِ ما السياسة الأمريكية وحماية مصالحهاَ الجيواستراتيجية طوال عقود، وتبنيهم لخيارات أمنيةٍ خاطئةٍ واعتمادهم على استراتيجيات هجومية أضرت بهم كثيرا،باتوا أضعفَ من أن تعتمد عليهم أمريكا في ذلك,لذا لجاءت إلى حلفاءها التقليدين داخل القارة العجوز كفرنساَ وانجلتراَ،وبدرجة أقل ألمانيا.ووكَّلتهم التعامل مع الملف السوري ومحاولة إجبار الروس على القبول بهم كشريك في ما يسمى "الحرب على الإرهاب" الذي ربُّوه وتبنوه طوال عقود وجعلوا منه بوابة جديدة من أجلِ استعمار الدول العربية وإضعافها وتقسيمها مثلما فعلوا مع السودان والعراق،وبدرجة أقل ليبيا في الوقت الراهن،ولكن السؤال المطروح هل تستطيع هذه الدول التعامل مع الإرهاب والقضاء عليه؟ في ظل تصريحات تخرج على لسان "جون بيدن" نائب الرئيس الأمريكي وكذلك "جون كيري" "وزير خارجيته" من أنَّ الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط،وبالأخص تنظيم داعش ستستمر لمدة 30سنة, فهذه الدول التي تريد حصَّة لها في الكعكة السورية ستجابه بردٍ روسي إيراني عنيف إن تعدت حدودها وحاولت فرض شروطها على الدولة السورية. - وتصريح الرئيس الروسي أمام قمة 20 كانت واضحةً ولا غموض فيها,إذ أكدَّ بأنَ بلاده ستستهدف أي طائرة للتَّحالف الدولي،قد تعيق الطيران الروسي عن أداء مهمته في حماية سوريا،بل لن تسمح لها بالتّحليق ما لم تأخذ إذنا روسياً سورياً بذلك،ويجب عليها أن التَّنسيق أمنياً قبل شنِّ أي غارات جويِّة في سوريا مع سلاح الجو الروسي ،فالولايات المتحدة ألان وفي ظلِّ الورطة الإستراتيجية التي أوقعت نفسها فيها في سوريا,أمامَ خيارانِ لا ثالث لهما إما التَّسليم بقوة ونفوذ ما يطلق عليه محور الممانعة داخل سوريا,وإما القبول بشروط هؤلاء من أجلِ إيجاد حلِّ في صالحهم مع المحافظة على الحدِّ الأدنى لمصالحها في المنطقة,وإلاَّ إشعال فتيل "حرب عالمية ثالثة" ستكون لها نتائج كارثية على الأمريكان وإسرائيل بالدرجة الأولى.
*كاتب جزائري