2024-04-19 06:46 ص

الضربات الموجعة للسلطان العثماني الجديد

2016-12-04
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
يبدو أن السيد أردوغان قد فقد صوابه بتصريحه مؤخرا بأن عملية "درع الفرات" تهدف الى اسقاط الرئيس بشار الأسد لأنه ببساطة لا يضع نفسه في موجهة وحرب مفتوحة مع الجيش العربي السوري والشعب السوري فقط، بل أيضا مع جميع حلفاء سوريا من روسيا وايران وحزب الله بالإضافة الى القوات المصرية التي بدأت تتوافد على سوريا بحسب بعض وسائل الاعلام. وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه أمام حرب إقليمية واسعة وربما الى احتكاك قد يوسع من دائرة الحرب الكونية التي تدور رحاها على الأراضي السورية سواء بالوكالة أو بشكل مباشر. وبالرغم من التراجع التركي عن هذه التصريحات والقول بأن كلام اردوغان قد فهم خطأ الا أن مثل هذا التصريح يدل دلالة واضحة على النوايا العدوانية التركية والتي ذكرنا مرارا أن التراجع الذي أبداه اردوغان سابقا بشأن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد لم يكن الا مجرد تكتيك ليس الا كما هو مع بقية أعداء الوطن السوري اللذين ما زالوا يأملون في اسقاط النظام في سوريا كما فعلوا في العراق وليبيا وأثاروا "الفوضى الخلاقة" في منطقتنا التي لم تجلب لنا الا المصائب. ويتساءل المرء ما الذي استدعى السلطان العثماني الجديد بأن يأتي بهذا التصريح الان؟ نظرة سريعة على الساحة السورية والعراقية والمنطقة بشكل عام قد تعطي بعض الإجابات على هذه الحماقة والنزق السياسي والتهور والاندفاع العاطفي وهي بعض الصفات التي أطلقت على هذه الشخصية العثمانية. فعلى الصعيد الداخلي يعيش أردوغان وحكومته مأزقا حقيقيا، وخاصة مع وجود معارضة قوية للسياسات التي اتبعها اردوغان فيما يخص بمعارضيه في الداخل التركي وحتى قبل عملية الانقلاب الفاشلة وهذه السياسة العدوانية تجاه الاخرين تزايدت وتعمقت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. فلم يسلم أحدا من تهوره وردود أفعاله العنيفة والغير مبررة في الكثير من الأحيان. حيث عمد الى خنق الحريات وحرية التعبير عن الرأي المخالف لتوجهاته متهما بعضهم بالخيانة والتآمر وزج بالعديد من ضباط الجيش والجنود والكتاب والقضاة والعاملين في القطاع التعليمي وقطاع الدولة وشن حربا بلا هوادة على كل من يخالفه الرأي وبغض النظر عن انتماءاته الحزبية. وتصرف وما يزال بشكل ديكتاتوري ويعمل على تغيير النظام من برلماني الى رئاسي حتى يتمكن من التحكم وبشكل منفرد على جميع مفاصل الدولة والقرارات المصيرية للبلاد. هذا في الوقت الذي ما زال يحاول وبكل ما أوتي به من قوة اسقاط النظام في سوريا وينتقده لأنه نظام رئاسي وهو كغير من أعداء سوريا يقومون بشيطنة الرئيس الدكتور بشار الأسد لهذا الغرض. أردوغان فشل فشلا ذريعا في سوريا فلم يحقق ما كان يطمح له وهو الذي تراءى له انه قابل للتحقيق في غضون أسابيع قليلة. وهو اليوم وبعد ان توغل في الأراضي السورية على أمل أن يحتل حلب او على الأقل جزء كبيرا من حلب عن طريق المرتزقة من الإرهابيين اللذين سموا "درع الفرات" اللذين توجهوا الى محاولة السيطرة على الباب مع وحدات من الجيش التركي وبدعم لوجيستي كامل كمرحلة أولى. وجاءت الرسالة من قبل الجيش العربي السوري والقيادة السورية عندما أقدمت المقاتلات على قصف مواقع الجيش التركي و "درع الفرات " المتقدمة نحو مدينة الباب الاستراتيجية وقتلت ثلاثة جنود أتراك وجرحت ربما العشرات، كرد عملي لما صرح به الرئيس الدكتور بشار الأسد أن سوريا لن تسكت على الاعتداء على الأراضي السورية وأن الجيش العربي السوري عازم على استرداد كل شبر من الاراضي السورية المحتلة وتطهيرها من رجس الإرهابيين والقوات الغازية. ولم تنتظر روسيا أيضا فأعلنت أن تقدم القوات التركية وما يسمى "بدرع الفرات" الى مدينة الباب لن يكون مقبولا على الاطلاق، وهكذا فعلت إيران أيضا. بمعنى ان حلفاء سوريا لم يكونوا راضين على التدخل التركي منذ البداية خلافا لما قد اشيع سابقا أنهم سمحوا لتركيا بدخول الاراضي السورية بالاتفاق مع أردوغان. ولعل عدم التعبير عن ذلك بحدة في البداية وذلك عندما دخلت القوات التركية أو ما سمي "بدرع الفرات" الى جرابلس كان بهدف قطع الطريق على الطرف الكردي المدعوم من أمريكا من إقامة شبه دولة أو كيان كردي في الشمال السوري وهي ما كانت تخطط له الولايات المتحدة مع هذا الطرف الكردي الممثل بالحزب الديمقراطي الكردي في سوريا بزعامة صالح مسلم وقوات الحماية الشعبية الكردية ضمن إتفاق ضمني في تقديري منذ أن دخلت أمريكا بضرب قوات داعش عندما كانت عين العرب السورية على قاب قوسين من السقوط بأيدي داعش. وقد تم ذلك بعد اجتماع في جنيف أو أوسلو بين رئيس الحزب صالح مسلم ومجموعة من الخبراء العسكريين الأمريكيين والمخابرات المركزية الامريكية أثناء حصار عين العرب السورية ذات الأغلبية الكردية وبعد رفض تركيا للسماح بدخول أكراد لمساندة القوات الكردية التي تقاتل دفاعا عن عين العرب الى جانب منعها لدخول اية مساعدات عسكرية. وإذا ما عدنا الى الوراء قليلا فقبل التدخل الأمريكي العسكري لإنقاذ المدينة بأيام فقط كان تصريح وزير الخارجية الأمريكي كيري يقول بأن عين العرب لا تدخل ضمن الرؤية الاستراتيجية الامريكية في سوريا. أما وبعد عملية الابتزاز للطرف الكردي للسماح بتواجد عسكري أمريكي في المنطقة التي يسيطر عليها الاكراد في الشمال السوري وترميم مطار عسكري قديم هناك للطائرات الامريكية وتعهد هذا الطرف الكردي بأن يشكل الذراع العسكرية على الأرض الداعمة للجهود والاستراتيجية الامريكية في سوريا تدريجيا، تغير الموقف الأمريكي من التدخل في عين العرب بين ليلة وضحاها وقامت الطائرات بضرب مواقع داعش ومنعت سقوط المدينة. ومن تابع الامر سيجد كيف تطورت الأمور فقام الحزب الديمقراطي الكردي بقطع علاقاته مع دمشق، وقامت وحدات الحماية الكردية التابعة للحزب بالاعتداء على وحدة من الجيش السوري المتواجدة في القامشلي. كما قام الحزب بالإعلان عن إقامة الفيديرالية في الشمال السوري في المناطق التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية وقامت المخابرات المركزية الامريكية بانشاء "قوات سوريا الديمقراطية" وهو الاسم الجديد لوحدات الحماية الكردية وبقيادتها للتمويه على هويتها وإعطاء الانطباع بانها من مكونات وفصائل سورية. وأعلنت هذه القوات بأنها ستتوجه الى الرقة "لتحريرها" من داعش تحت غطاء من طائرات التحالف التي تقوده أمريكا وضمها الى الفيدرالية، وقام المسؤول الأمريكي للتنسيق بين قوات التحالف الدولي "لمكافحة الارهاب" في العراق وسوريا بزيارة الشمال السوري والاجتماع برئيس الحزب صالح مسلم لوضع الخطط واجراء التحضيرات للتوجه الى الرقة والاستيلاء عليه وتبديل احتلال داعش باحتلال أمريكي يستخدم فيه الحزب كأداة لتنفيذ هذه المهمة . بمعنى أن الحزب الديمقراطي الكردي ارتضى لنفسه أن يكون مطية للولايات المتحدة والدخول كأداة لتنفيذ مخططاتها واستراتيجيتها في تقسيم سوريا. ومن هنا لم يكن من المستغرب أن روسيا وإيران لم تصرح بمواقف عنيفة عندما قامت تركيا بدخول جرابلس وقطع الطريق على التمدد الجغرافي الكردي فقد شكل هذا سقوط للمخططات الامريكية بتقسيم الشمال السوري. هذا لم يعني القبول بالاحتلال التركي لأن جميع حلفاء سوريا صرحوا بان على القوات التركية ترك الأراضي السورية وقامت دمشق بالتصريح أن هذا يعتبر اعتداء على السيادة ووحدة الأراضي السورية وأنها تحتفظ لنفسها بالرد في الزمان والمكان المناسب. فالجيش السوري كان منشغلا على جبهة حلب بشكل كبير وخاصة مع بعض الخروقات للمجموعات الإرهابية المتواجدة في شرقي حلب بين الحين والأخر. بالإضافة الى أن دمشق لم تجد ضررا في تقاتل جبهة الأعداء فيما بينهم وخاصة بعد ان ناصبت قوات الحماية الكردية العداء للجيش السوري وللدولة السورية، لان تقاتل أعداء الدولة السورية سيضعف وينهك الطرفين كما سبق ورأينا القتال بين النصرة وداعش على سبيل المثال الذي قتل المعارك الضارية بينه أكثر من الف قتيل من الجانبين بحسب أقل التقادير. لم يمضي على تصريح أردوغان ساعات بشأن التدخل التركي أو ما سمي "بدرع الفرات" في سوريا يهدف الى اسقاط النظام في سوريا حتى تدخل الروس وايران وعلى ما يبدو بتهديد واضح وصريح لهذا التبجح والعنجهية والرعونة السياسية التي يمتاز بها أردوغان. وهذا ما استدعى تعديل الخطاب السياسي لاردوغان الذي صرح بأن " العملية التركية في شمال سوريا لا تستهدف البلد أو أشخاصا بل الإرهابيين". أما وزير خارجيته السيد مولود جاويش أوغلو فقد قام بالتصريح في المؤتمر الصحفي عند زيارة لافروف الذي توجه الى أنقرة للوقوف على تصريحات أردوغان الأولية بأن " تركيا ستتبع سياسة متطابقة مع السياسة الروسية في سوريا". وجاءت التصريحات من إيران من ان تركيا لن تستطيع ان تغير نظام الأسد في سوريا ولو كان بمقدورها لفعلت ذلك منذ فترة طويلة. من الواضح أن التصدي السوري للقوات التركية بقصف مواقعه القريبة من مدينة الباب وتهديد طائرتين للجيش التركي التي قد دخلت المجال الجوي السوري حيث تصدت لها طائرات سوريا وأجبرتها على التراجع الى داخل الأراضي التركية كانت مع الموقف الصارم الروسي والإيراني بأن التصرفات الرعناء لاردوغان والجيش التركي وتوغل هذه القوات الى داخل الأراضي السورية سيأتي بارتدادات لا يحمد عقباها للجيش التركي أو ما يسمى قوات "درع الفرات". وإذا كان كل هذا غير كافيا فلقد قام الرئيس بوتين وفي تلخيص العقيدة الجديد للسياسة الخارجية لروسيا في خطاب القاه قبل يومين من ان روسيا ملتزمة بالدفاع عن وحدة الأراضي السورية وسيادتها ولا يحق لاحد أن يفرض شروطه للحل السياسي في سوريا. لقد ساهمت الازمة السورية والصمود الأسطوري للشعب السوري وقيادته والجيش العربي السوري في فتح الباب لدخول روسيا على الساحة الإقليمية والدولية ونشوء عالم متعدد الأقطاب الذي ما زال في طور التكوين ولكن الواضح أن أمريكا قد فقدت الهيمنة التي كانت تتمتع بها دون منازع منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك المنظومة الاشتراكية. روسيا لم تعد الدولة الضعيفة ولا الدولة الإقليمية القوية كما تريد أمريكا وأذنابها في المنطقة ترديده كالببغاوات بل أصبحت قوة دولية تؤخذ بعين الاعتبار. كل هذا تحقق من خلال سوريا وال نظن ان الموقف الروسي المبدئي في الدفاع عن الدول المستضعفة والدفاع عن القوانين الدولية التي تحترم سيادة الدول سيتغير. بهذا سقطت مراهنة أردوغان للتقدم باتجاه مدينة الباب الاستراتيجية كما سقط مشروع تقدم "درع الفرات" "لتحرير" مدينة الرقة وهو ما اقترحه أردوغان على الإدارة الامريكية ليحل محل وحدات الحماية الكردية التي ما زالت الإدارة الامريكية تعول عليها على الأرض. كما سقطت أحلام أردوغان بالاشتراك في تحرير الموصل على غرار "تحرير " جرابلس السورية من ايدي داعش التي انسحب مسلحيها دون إطلاق رصاصة واحدة ليؤكد العلاقة الحميمة بين تركيا أردوغان وهذا التنظيم الإرهابي. كما وفشل أردوغان في الوقوف ضد قوات الحشد الشعبي المتوجهة الى تحرير تلعفر العراقية من ايدي داعش التي اعتبرها أردوغان خطا أحمر. أردوغان أرعد وأزبد ويتحرك كمن لدغته أفعى لا يعلم الى اين يتجه. ومن هنا فإنه يتغير ويتلون كل يوم مثل "الحرباية" ولن يكون من المستغرب ان ينقلب مرة أخرى على ما صرح به، وخاصة وأنه مثقل بمشاكل داخلية وضغوط خارجية ومن "الحلفاء" من دول الناتو الى جانب الدول الأوروبية. ولا يوجد اية حلف أو دولة ستقف معه في أي مغامرة عسكرية جديدة قد تقلب الطاولة وتدق خطر حرب إقليمية أو تصعيد الحرب الكونية على الدولة السورية. هذا الرجل فقد كل ما راهن عليه منذ ما سمي "بالربيع العربي" وضاعت أحلامه التي بناها لكي يتبوأ منصب السلطان العثماني الجديد ولن يكون من المستبعد أن ينحى بشكل أو بآخر من الرئاسة ويختفي من الحياة السياسية كما ذهب اللذين من قبله اللذين إكتوا بالنار التي اشعلوها في الوطن الغالي على كل انسان قومي عربي وطني ومحب للسلام، الوطن السوري.