2024-04-20 01:46 ص

حلب ستعود وبأكملها لحضن الوطن السوري فكفاكم نعيقا

2016-12-08
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
ينعقون كالغربان ويكررون كالببغاء ليلا ونهارا من خلال وسائل اعلامهم عن "وحشية قصف" المدنيين من قبل الطائرات السورية والروسية وعلى أنه إذا لم يتوقف هذا القصف وتقدم الجيش العربي السوري فان حلب الشرقية على أبواب "كارثة إنسانية". اعلامهم وتصريحاتهم لم تتحدث عن اعدام العشرات وربما المئات من السكان المدنيين اللذين كانوا يتوجهون الى المعابر الامنة التي أشرف عليها الروس والسوريين لتمكين المدنيين من الفرار من مناطق الإرهابيين اللذين يتخذوهم كدروع بشرية. اعلامهم وتصريحاتهم لم تتحدث عن قصف المستشفى المتنقل الذي أرسلته روسيا وأقامته في حلب لاستقبال الجرحى واللذين يعانون أمراض من المدنيين. اللذين يتباكون على المدنيين في حلب الشرقية لم يرسلوا أية قافلة تحمل مواد اغاثية سواء من أغذية أو مستلزمات طبية. اللذين يذرفون دموع التماسيح على المدنيين في حلب الشرقية يجدون الوقت الكافي والموارد المالية لإرسال شحنات من الأسلحة والذخائر والصواريخ للإرهابيين التي يطلقونها على المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الجيش العربي السوري ويقتلون العشرات منهم ويحصدون أرواح الأطفال يوميا. ما زال اعلامهم ولغاية الان يتحدث عن تواجد 270000 مدني في حلب الشرقية بالرغم من سيطرت الجيش العربي السوري وحلفاؤه على ما يقرب من 65% من حلب الشرقية ومعاينة هذه المناطق من قبل الصليب الأحمر الدولي واعترافه بعدم وجود مدنيين في تلك المناطق. ولم يتبقى للإرهابيين سوى حلب القديمة (سيطر الجيش السوري على 80% منها بعد كتابة هذا المقال) تقريبا فأين هم 270000 مدني؟ هل من وسيلة اعلام غربية تطرح هذا السؤال حتى تجانب الموضوعية بدلا من الترديد كالببغاء ليلا نهارا عن هذا العدد الضخم الذي لا يمكن أن يكون متواجدا في الرقعة الصغيرة المتبقية من حلب والتي ما زال الارهابيون يسيطرون عليها؟ التقدم السريع للجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض مؤخرا قد أربك المحور المعادي الذي ذهب الى أبعد الحدود في توفير الدعم الإعلامي والتسليح والمالي من البقرة الحلوب في دول الخليج وخاصة السعودية وقطر الى جانب الدعم السياسي والاسناد في المحافل الدولية. وفي محاولة يائسة تقدمت كل من المانيا وفرنسا وبريطانيا في التحرك في مجلس الامن واتبعت بتقديم مشروع قرار من قبل نيوزيلندا واسبانيا ومصر يتضمن وقف لطلاق النار لمدة 7 أيام على أمل انقاذ الإرهابيين من ضربات الجيش السوري وحلفاؤه على الأرض بالرغم من توقف دعم الطيران الروسي ولعدة أسابيع الان. فشل مشروع القرار الذي جوبه باستخدام الفيتو من قبل روسيا والصين. وكان من المستغرب ان يقدم هذا المشروع في الوقت الذي كان هنالك اجتماعات بين وزير الخارجية الروسي لافروف ونظيره الامريكي كيري في البحث عن إيجاد صيغة يتم فيها اخراج "المسلحين" من حلب الشرقية. من الواضح ان هنالك إقرار من قبل الدوائر السياسية والعسكرية الغربية بأن الوضع في حلب أصبح محسوما بشكل كلي لصالح الجيش العربي السوري وحلفاؤه وما هي الا أيام معدودة ويتم السيطرة على كامل المدينة بشكل نهائي وعودة الأهالي الى ديارهم التي هجروا منها بفعل حثالة الأرض التي اجتمعت لتدمير الوطن السوري. ما هي الا أيام معدودة لعودة حلب الشهباء الى حضن الدولة السورية كما عادت مناطق أخرى وكما ستعود مناطق أخرى سيتم تحريرها من قبضة الإرهابيين. لن يترك شبر واحد في يد هؤلاء القتلة وآكلي الأعضاء البشرية الذين جمعوا من كافة ارجاء المعمورة في محاولة لمحي الهوية والتاريخ والحضارة الإنسانية التي نمت في ربوع هذه المنطقة والتي ما زالت أثارها باقية لتشهد عليها. التصريحات والمواقف الغربية تدلل بشكل واضح عن خسارة الرهان الأكبر الذي كان يعول على المجموعات الإرهابية في حلب واستخدامها في حربهم بالوكالة للعمل على تقسيم الوطن السوري وفرض معادلات جديدة ليس على سوريا فقط بل وفي المنطقة برمتها. ومن الواضح ان الاستعدادات قد بدأت للتحضير لما بعد حلب فكل يريد موطيء قدم في تحديد مستقبل سوريا ان أتيح له ذلك سواء بالسياسة أو بالتهديد بإدامة الحرب على سوريا بطرق مختلفة ان تعذر استخدام المجموعات الإرهابية في المناطق الاستراتيجية مثل مدينة حلب. صحيفة الواشنطن بوست الامريكية (3 ديسمبر 2016) أفادت بأن مسؤولين أمريكيين وخبراء اقليميين ومقاتلي المعارضة أنفسهم أكدوا للصحيفة بأنهم يدرسون إمكانية التقارب مع تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية التي يتم تسليحها بأسلحة متطورة من الدول الخليجية "السنية" والتي تهاب استبعاد الولايات المتحدة المتوقع من الصراع وخاصة مع قدوم الرئيس الجديد. التقارب مع المجموعات الإرهابية هو احدى الخيارات أما الخيار الثاني فهو الانتقال الى استراتيجية حرب العصابات وشن الضربات على مواقع الجيش السوري والروسي. ومن غير المستبعد اللجوء الى العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة لخلايا نائمة هنا وهناك كما كان وما زال الحال في العراق وان كانت قد خفت عددها. مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي تتحفنا بالقول بأن "سقوط حلب لا يعني انتهاء الازمة السورية". أما السيد كيري فانه يصرح بان الازمة السورية لن تحل الا إذا ما تم ضم المعارضة في أجهزة الدولة السورية. لو كان فعلا هذا هو الخط الذي انتهجته الإدارة الامريكية منذ البداية بدلا من الإصرار على تبني سياسة "تغيير النظام" منذ بداية الاحداث وتشجيع دول إقليمية في تجنيد وتدريب وتسليح حثالة الأرض وادخالها الى الوطن السوري، لما كان هنالك أزمة في سوريا. فمنذ بداية الازمة كانت القيادة السياسية على استعداد للتحدث مع المعارضة وتلبية المطالب المحقة فيما يتعلق ببنود الدستور وتغيير الدستور بالكامل وطرحه على الشعب السوري للموافقة عليه الى جانب اجراء انتخابات حرة نزيه تحت اشراف دولي. ولكن بالتأكيد لم يكن هذا المبتغى الأمريكي لان أمريكا كانت وما زالت تسعى الى اسقاط الدور السوري في المنطقة كدولة رافضة لان تكون في الكنف الأمريكي والمظلة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، ودولة ترى في الكيان الصهيوني الغاصب للأرض الفلسطينية العدو الرئيسي في المنطقة ودولة تقف الى صف المقاومة وهي جزء أساسي وهام في محور المقاومة. أما السيد دي ميستورا فقد بلع ما تفوه به قبل فترة بسيطة من إعطاء حلب الشرقية نوع من الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي خارج اطار سلطة الدولة السورية. وقبل أيام ولإدراكه وقناعته أن "حبايبه" من الإرهابيين في حلب الشرقية الذي أراد أن يحافظ على "كرامتهم" ويحميهم من ضربات الجيش العربي السوري تفتق ذهنه وظهر على حقيقته بانضمامه رسميا الى المحور الذي خلق وأجج الصراع الطائفي والمذهبي وإتخاذه كغطاء للصراع والاستقطاب الحاد السياسي الدائر في المنطقة بين محور أرتضى لنفسه أن يكون أداة ويعمل تحت المظلة الامريكية واستراتيجيتها ليس فقط الإقليمية بل وتعدتها وبشكل مفضوح وعلني الى الصراع على الساحة الدولية مسخرة كل امكانياتها الإعلامية والمالية باعتبارها البقرة الحلوب، ومحور المقاومة الذي لم ولن يرتضى ان يكون جزء من هذه المظلة التي تعمل ضد شعوب المنطقة باسرها. السيد دي ميستورا صرح قبل عدة أيام أنه يدعو الى " حلول سياسية تدعي الى انهاء حرمان السنة في العراق وسوريا". لا ندري ان كان السيد دي ميستورا يعلم بتاريخ المنطقة والتآخي بين جميع الطوائف والمذاهب والمكونات قبل التدخل الأمريكي المباشر في غزو العراق وسياسة "اسقاط الأنظمة" وخلق الفوضى الخلاقة التي اتبع في المنطقة "لخلق شرق أوسط جديد". ولكن السيد دي ميستورا وعلى ما يبدو مثل الأمين العام للأمم المتحدة وقع تحت تأثير البترودولار وبريق الأوراق الخضراء التي تحمل في الشنط المتنقلة من دولة الى أخرى لشراء الذمم والمواقف. أما النخب السياسية الأوروبية الحاكمة وخاصة فرنسا فإنها قامت بتحذير الرئيس بوتين من أنه في حالة سماحه للرئيس الأسد بتحويل النصر العسكري المتوقع في حلب ليشمل جميع انحاء سوريا فان على روسيا أن تدفع فاتورة إعادة بناء سوريا ( الجاردين البريطانية 29 نوفمبر 2016 ). ونقلت الصحيفة قول أحد الدبلوماسيين الغربيين " ان ما دمرته روسيا يجب على موسكو إصلاحه" مضيفا "أن الحقيقة أن الاتحاد الأوروبي هو اللاعب الوحيد الذي يمتلك الإمكانيات لإعادة وترميم النسيج والبنى التحتية في بلد مزقته خمسة سنوات من حرب أهلية". الذي يبدو ان هذه النخب قد فقدت الذاكرة ودخلت في غيبوبة أو أصابها الزهايمر السياسي وبالتالي نسيت انها من تسبب في الكوارث في العراق وأفغانستان العراق وليبيا وسوريا واليمن وانه بسبب دعمها للإرهاب وتغاضيها عن تحرك المئات من مواطنيها للقتال في سوريا الى جانب المجموعات الإرهابية، ودعم الدول الاقليمية الراعية للإرهاب وعلى رأسها السعودية وتركيا وقطر وتوفير الأسلحة (مدفوعة الثمن بأموال البترودولار) للعناصر الإرهابية وتدريب الكثيرين منهم وتقديم كل الدعم السياسي بالإضافة الى كل ذلك. هذه النخب السياسية بدأت تصحو عندما بدأ الارهاب المهاجر الى دياره الاصلية ويضرب في مدنهم وعواصمهم التي طبق حظر التجول في بعضها بعد ساعة معينة أو أقفلت مطاراتها أو أوقفت قطاراتها لمدة معينة. التدمير الذي حصل في بلداننا في المنطقة لم يكن ممكنا لولا التدخل المباشر أو الغير مباشر لهذه النخب التي آثرت الحصول على صفقات الأسلحة او الرشاوي الشخصية التي تقدر ربما بعشرات الملايين على أمن مواطنيها ظنا منها أن الارهاب لن يضرب بلدانها. أما المعارضة السورية الغير وطنية فلم تجد حرجا مرة أخرى من الاستنجاد بالعدو الإسرائيلي على أعقاب التقدم الذي أحرزه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حلب. فها هو السيد فهد المصري الذي شغل منصب المسؤول عن الاعلام المركزي فيما يسمى "بالجيش الحر" وكذلك السيد محمد حسين رئيس "حركة سوريا السلام" يستنجدون بالكيان الصهيوني ويطالبونه بالتدخل إن "بعض أطراف المعارضة تناشد إسرائيل أن تهبّ لمساعدتها وتدعو لتشكيل مجلس للأمن الإقليمي" هذا بعض ما صرح به المصري. أما السيد محمد حسين فيصرح بأن "هناك مصالح مشتركة في هذه المنطقة لا بد من أن تتكامل، الأسد هو من خلق المشكلة. هو الذي زرع الكراهية والحقد في أجيال عدة تجاه إسرائيل، بينما العدو الحقيقي هو هذا الأسد ومن يعاونه كإيران". هذا نموذج من المعارضة "المعتدلة" التي ترتضي لنفسها أن تخون الوطن وقضيته وتستغيث بحثالة الأرض والعدو الغاصب لأرض فلسطين قبل أن يغتصب أراضي عربية أخرى. أيام معدودة وربما ساعات وستعود حلب الشهباء الى حضن الوطن السوري ويرفرف العلم السوري على كل أرجاءها فكفاكم نعيقا يا من دعمتم الارهاب وستبقى سوريا الوطن تؤرق منامكم يا من اهدرتم ثروات بلادكم في حروب تدميرية في المنطقة ككل. وعاجلا أم آجلا سيأكلكم الوحش الذي رعيتموه وتذكروا قصة فرانكشتاين فلن يكون مصيركم بأفضل منه.