2024-04-19 04:53 ص

فلتكن مواجهة شاملة

2017-01-13
بقلم: ايهاب شوقي
الوحدة هي أمل الشعوب والأنظمة الوطنية المخلصة، وهي الالية التي تحولت من عالم السياسة والواقع الى عالم الاخلاقيات والمثل!
فاصبحت حلمًا بعد ان كانت هدفا وتحولت من عالم التكتيك لعالم الاستراتيجية ومن عالم الوسيلة الى عالم الغاية!
الوحدة ايا كانت وطنية او عربية او اسلامية فهي قائمة على اسس منطقية متمثلة في حقائق سياسية وجغرافية وتاريخية وثقافية وحضارية، فلا يجوز اجتماع النقيضين في عالم المنطق وكذلك لا يجوز توحيد الاضداد او ذوي المصالح المتعارضة في عالم السياسة.
فالمتنافسون والمتصارعون والمتباينون تحكمهم قواعد الصراع او الحياد او ربما التعاون واقصى ما يجمعهم التحالف، اما ذوو المصير المشترك فالوحدة بالنسبة إليهم تشكل حتمية وخيارًا وحيدًا.

ولكن بالفعل ليست كل الحقائق العلمية هي حقائق سياسية، لا سيما واننا نعيش في عالم تحكمه افكار غير مبدئية تعكس مقولة وليم جيمس ابرز فلاسفة البراجماتية "فما كان حقاً بالأمس ـ أي ما كان أداة صالحة أمس ـ قد لا يكون اليوم حقاً ـ ذلك بأن الحقائق القديمة، كالأسلحة القديمة ـ تتعرض للصدأ وتغدو عديمة النفع "!

كان عزاء الوحدويين، ان الشعوب وحدوية ولكن انظمة التفريط هي التي تجهض الوحدة ولا تسعى لها لانها تابعة او لانها منعدمة الارادة السياسية، ما ادى لبعض الاطروحات ومنها جامعة الشعوب كبديل عن جامعة الدول.
اما الان فلا بدَّ من الاجابة الصريحة على هذا السؤال.. هل يمكن فعلًا الاعتماد على وحدة الشعوب، وهل الشعوب من الاساس وحدوية؟
في تقديرنا ان الاعتماد على وحدة الشعوب لن يتخطى الضغط بدءا من وجود رأي عام ضاغط وصولا الى اليات ووسائل للضغط ووجود تنظيمات وحدوية فاعلة بل والوصول ربما لثورات للاطاحة بالانظمة القطرية اذا ثبت عملها وتآمرها ضد الوحدة.
وهو بالتأكيد أمر غير هين ولكنه شرط حاكم ينبغي توفره لان الانظمة الوحدوية لو طبقت وحدة قسرية فإن مستقبلها الفشل الذريع والردة بما لها من تداعيات خطيرة.
وهنا السؤال الاهم المتعلق برغبة الشعوب ونزعاتها للوحدة وهل هي تابعة لحكوماتها فتصبح وحدوية وفقا لنظام تثق به وتنتمي اليه ثم ترتد لتصبح انفصالية وفقا لنظام اخر مناقض؟

التجربة تقول ان الشعوب للاسف تتبع الانظمة وهي على دين ملوكها فيما عدا القوى الحية المبدئية، والشعوب هنا لا يمكن ان نحكم عليها بالإثم لانها في معظم الحالات تقع ضحية وفريسة التضليل والتجهيل.
الا ان العامل الفطري القومي هو سلاح مضاد يصحح الامور سريعا، وبالتالي تنحصر معظم المشكلة في وجود انظمة وحدوية لان كل ما عليها ان تقنع الشعوب بفطرتها فقط وهو امر هين ولا سيما اذا ما قورن بالمعركة الكبرى مع دعاة الرجعية والانفصال والقطرية والقوى الكبرى التي تريد هذه التجزئة.
هذه الامور كانت هكذا قبل ان تنفق السعودية – وفقا للتقديرات - 87 مليار دولار لنشر الأيديولوجية الوهابية في العالم بينما صرف الاتحاد السوفيتي 80 مليون دولار لنشر الشيوعية!

هذا الفكر التكفيري الذي لا بد من الاعتراف انه نجح في التوغل داخل قطاعات لا بأس بها من الشعوب استهدف هويتهم ودينهم ووجدانهم فتحولت هذه القطاعات الى اشباه رجال وفريسة لكل ناعق واداة من ادوات الهدم والتفتيت.
كما تحولت النخب الى مرتزقة مرتبطة بمصالح تمويلية ناهيك عن انحرافاتها الفكرية والتباساتها وجمعها بين المتناقضات ووقوعها الدائم في فخاخ الازدواجية.
كما ان سيطرة رأس المال على الحكم وضعت رؤوس حربة للمصالح الاقتصادية الغربية والشركات العابرة للقارات يصعب معها الحديث عن استقلال اقتصادي او تكامل او اقتصاد مقاوم.

وعلى المستوى الفكري والوجداني، ينبغي التأمل ومحاولة الاجابة بصدق عن سؤال مفاده: هل وصلت الامور لنقطة اللاعودة الفكرية ام ان الامور قابلة للاصلاح والاستتابة الفكرية؟
فمثلا، تفيد بعض المعلومات ان موسكو توصلت إلى قلب مواقف قطر رأسا على عقب، وجعلتها واحدة من حلفائها الآن.
وأن هذا الانعطاف تجسد في بداية شهر ديسمبر/كانون أول الماضي، من خلال بيع موسكو خمس حصتها من شركة روسنيف للدوحة.
وروسنيف، هي في الواقع جوهرة روسيا، وهي أكبر شركة على مستوى العالم أيضا.
ووفقا لما تم تداوله – والعهدة على تييري ميسان - فإن البلدين بانجازهما هذه الصفقة، التي بدت ظاهريا على أن الهدف منها تعويم العجز في الميزانية العامة، تمكن ايغور سيتشين وفلاديمير بوتين، من توحيد سياسات أكبر دولتين مصدرتين للغاز في العالم.
وان قطر تخلت واقعيا عن جهادييها في سوريا، على الرغم من امتلاكها مكتب اتصال دائم، منذ شهر أيار الماضي، في مقر قيادة حلف شمال الأطلسي في بروكسل.
ترى لو صحَّت هذه المعلومات، كيف ستعالج قناة الجزيرة الاوضاع في سوريا وكيف ستقنع جماهيرها بالضد.
هل هذه الجماهير التي استقت معلوماتها ووجدانها من اشباه الجزيرة ستقتنع بتغير السياسات ام ستفقد الثقة بالجميع وتبقى على ضلالها وتتطرف فيه؟
وهكذا مع تركيا وتحولاتها وانهيار المشروعات العثمانية ومشروعات الخلافة المختلفة المسميات والتابع لها مختلف التنظيمات والتي شكلت ايقونات فكرية تبعتها قطاعات جماهيرية بما شكل جزرا منعزلة داخل الامة.

وبنظرة ايضا على التنوعات العرقية والطائفية والتي كان من المفترض ان تكون تنوعا في اطار الوحدة، وبعد وصول مخططات التقسيم لجعلها شبه منفصلة وفي طريقها لهذا الانفصال بمصالحها وثرواتها وقومياتها الخاصة بل وبتنافسها وربما صراعها مع الاقطار المنتمية اليها، هل ستسمح لنفسها بالبقاء داخل الاقطار والذوبان فيها ثم مزيدا من الذوبان في امة اكبر وتعاقب الذوبان وفقا للدوائر الاوسع للوحدة؟
كل هذه التساؤلات تبقى اجاباتها مدعاة للتشاؤم في ظل الاوضاع الراهنة، ولكن في ظل مشروع مقاوم يشكل مظلة للجميع و يعرف العدو الرئيسي له جيدا باعتباره المشروع الامبريالي والمتجسد حاليا في المشروع الامريكي الصهيوني، وتعرف فيه جيدا ادوات الصراع وانها منظومة شاملة عسكرية واقتصادية واخطرها فكرية وثقافية، وتحدد بهذا المشروع المقاوم ادوات المواجهة الشاملة، ستذوب هذه التناقضات الثانوية وتصبح التنوعات اثراء لا عبئا وستكون داعمة ورديفا لا طابورا خامسا او سكينا في الخاصرة.

في تقديرنا المتواضع البداية من الداخل عبر مواجهة المشروع التكفيري والرأسمالي لانهما رأسا حربة العدوان على الامم وتفتيتها.
والمهادنة باسم الوحدة العربية او الاسلامية هي تمييع للصراع، ومقاومة جانب واهمال الاخر هو مرادف لنصف الثورة ومصداقا للحكمة الثمينة التي تقول ان من يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده!
المخرج كما نراه يكمن في مواجهة حاسمة مع الاقطاع والسماسرة من جهة ومع التكفيريين ومن يقودهم من جهة اخرى بالتوازي لا بالتوالي...والا فان المعركة الوجودية على المقاومة قد تنتصر –لا قدر الله- في هذا الجيل رغم فداحة التضحيات وعدم تقصير الرجال في المقاومة.
المصدر/ العهد الاخباري