2024-03-29 06:22 م

حينما تبتعد القاهرة عن الرياض.. وتقترب من بغداد

2017-01-24
بغداد ـ عادل الجبوري 

سجّل العام الماضي تراجعاً واضحاً في مسيرة العلاقات المصرية-السعودية، قابله تقارب ملموس بين بغداد والقاهرة، وإعادة ترتيب للأوراق، على ضوء حقائق ومعطيات المشهد الاقليمي، وطبيعة التوجهات والمواقف إزاءها.   

وحتى لو لم يكن هناك ترابط حقيقي بين المسارين، فإنّ مجمل التفاعلات الاقليمية، وطبيعة مواقف العواصم الثلاث -بغداد والقاهرة والرياض- حيال القضايا والملفات الحساسة، يجعل التأثر والتأثير حاضراً في مختلف النقاط والمنعطفات.

فمن الطبيعي، حينما تتبنى القاهرة موقفا معينا حيال قضية ما، ويكون ذلك الموقف متقاطعا مع موقف الرياض وقريبا من موقف بغداد، فلا بدّ أن يفضي ذلك الى حراك يترتب عليه اصطفافات وتوجهات جديدة، وما حصل من هذا القبيل، ولغير مرة، رسم صورة أخرى لواقع العلاقات بين العواصم العربية الثلاث.
فما الأسباب التي جعلت الهوة تتسع بين القاهرة والرياض:

-الأول: طبيعة الموقف المصري من الأزمة السورية، والمتمثل بدعم وتأييد الرئيس السوري بشار الاسد، أو في أدنى تقدير معارضة خيار اسقاطه عسكريا.

وهذا الموقف يختلف كثيراً عن الموقف السعودي المصرّ على الاطاحة بالأسد، ولعل ما أثار حفيظة الرياض، هو تأييد القاهرة لمشروع القرار الروسي الذي طرح في مجلس الأمن قبل ما يقارب الثلاثة أشهر، والذي اعتبرته الرياض مؤشراً على تواؤم موقف مصر مع مواقف النظام السوري وروسيا وإيران، اذ علقت عبر مندوبها الدائم في الامم المتحدة بالقول "انه كان من المؤلم أن يكون الموقفان السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب المصري".

الثاني: الموقف المصري الرافض لمشاركة قوات مصرية في اطار التحالف الاسلامي المزعوم الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن، اذ رفضت القاهرة اغراءات كثيرة وكبيرة من الرياض، للعدول عن موقفها الرافض، ما أغضب الساسة السعوديين الى حد كبير.

-الثالث: ردود الفعل المصرية الحادة والغاضبة في مختلف الأوساط الشعبية والفكرية والثقافية والاعلامية ضد المملكة العربية السعودية، بعد صفقة جزيرتي تيران وصنافير، اللتين منحتا للسعودية.

وكان لردود الافعال الغاضبة تلك أن تأزمت الأمور، وتعطلت الصفقة، وأفشلت نهائيا بعد قرار المحكمة الادارية العليا المصرية ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية التي أبرمت منتصف العام الفائت.

وحملت السعودية، حكومة القاهرة مسؤولية الحملات السياسية والاعلامية المصرية الموجهة ضد نظام الحكم السعودي، واعتبرت أن هناك أيادي من دوائر القرار العليا في القاهرة هي التي دفعت باتجاه التصعيد ضد الرياض.     

وبينما قال عضو مجلس الشورى السعودي السابق أنور ماجد عشقي "ان السعودية قد تلجأ إلى الأمم المتحدة والتحكيم الدولي"، أكّد "أنّ التوتر في العلاقات بين البلدين ناشئ عن خلافات بشأن قضايا إقليمية، وليس في الأساس بسبب تنازع السيادة على الجزيرتين".

-الرابع: إقدام شركة "أرامكو" السعودية على إلغاء اتفاق أبرم العام الماضي مع هيئة البترول المصرية، والذي كان يفترض بموجبه أن تزود السعودية مصر بـ(700) الف طن من المنتجات النفطية شهرياً، خمسة أعوام، بقيمة ثلاثة وعشرين مليار دولار.

وخطوة شركة "أرامكو"، التي حاولت كل من القاهرة والرياض إبعادها عن أية عوامل ومؤثرات سياسية، جاءت في واقع الامر على خلفية المواقف المصرية المخالفة للتوجهات السعودية بشأن الازمتين السورية واليمنية.

وقد تداخلت الاسباب الأربعة أعلاه فيما بينها بشكل يبدو الواحد منها نتيجة للآخر، كما تجدر الإشارة الى إمكانية وجود أسباب وعوامل أخرى، ترتبط أو تكمل الاسباب المذكورة، مثل التقارب المصري-الايراني، وان لم يرتق الى مستوى الطموح، والضغط الحكومي المصري الكبير على جماعة "الاخوان المسلمين"، رغم أن الاخيرة تعد خصما او نداً للسعودية من زاوية مذهبها الرسمي الوهابي، وكذلك التضييق والمضايقات التي تتعرض لها العمالة المصرية في السعودية.    

أسباب التقارب بين بغداد والقاهرة

وبصورة أو بأخرى، نجد أن الاسباب والعوامل التي باعدت بين الرياض والقاهرة، وفّرت مناخات وأجواء مناسبة للتقارب بين بغداد والقاهرة.

فبغداد، تبنت منذ اليوم الاول للأزمة السورية موقفا رافضا للخيار العسكري من أجل الاطاحة بالرئيس بشار الاسد، ورافضا للتدخلات الخارجية، وبقيت بغداد على موقفها، رغم الخلفيات والتراكمات السلبية في العلاقات العراقية-السورية، ورغم الضغوطات الخارجية، لتصنف ضمن معسكر (موسكو-طهران-دمشق-حزب الله).

ولشيء نفسه بالنسبة للأزمة اليمنية، فقد كان الموقف العراقي الرسمي-وحتى الشعبي والنخبوي غير الرسمي-واضحا جدا، برفض العدوان السعودي على اليمن، ورفض الانخراط في أحلاف عسكرية لدعم طرف على حساب طرف اخر.

ومثلما باعدت المواقف المصرية بين القاهرة والرياض، فقد باعدت المواقف العراقية بين بغداد والرياض، وطبيعي أن يفضي ذلك الى تقارب بين بغداد والقاهرة، بدا واضحا من خلال حراك سياسي واقتصادي متميز بين العاصمتين خلال النصف الثاني من العام الماضي، تكلّل في جانب منه بإبرام اتفاق يقضي بقيام العراق بتزويد مصر بمليون برميل من نفط البصرة الخفيف شهرياً بشروط دفع ميسرة، لتلبية جزء من احتياجات السوق المصرية بعد تنصل "آرامكو" السعودية عن التزاماتها. وبحسب السفير العراقي في القاهرة حبيب الصدر، فإنّ "تلك الكمية قابلة للزيادة خلال الفترة المقبلة".

وبهذا الصدد، يقول السفير الصدر "نحن نقدر عالياً وقفة مصر ومساندتها للعراق عربيا ودوليا ومساهمتها في الحرب ضد الإرهاب، وإن تطوير العلاقات العراقية المصرية محل اهتمام كبير من جانب البلدين".

وهناك مؤشرات على رغبة عراقية بتعزيز فرص الاستثمار للشركات المصرية في العراق بعد مرحلة "داعش"، فضلا عن امكانية استقدام عمالة مصرية بمقدار معين، في الوقت الذي يبدو أن مصر ترى ان دخول شركاتها وأياديها العاملة الى السوق العراقية، من شأنه أن يحرك وينشط الاقتصاد المصري، ويفتح له آفاقًا جيدة، ويخلصه من حالة الركود التي يعيشها.

وهذا ما اشار إليه رئيس الوزراء المصري شريف اسماعيل عند لقائه وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري أواخر العام الماضي في القاهرة، بقوله "تتطلع الشركات المصرية للمشاركة فى مشاريع إعادة الإعمار بالعراق، والمساهمة في عملية التنمية الشاملة على أرضه، بما يعود بالنفع على البلدين، وما يساعد على تنمية الجانب الاقتصادي في العلاقات العراقية-المصرية، هو موقف القاهرة الايجابي الداعم لبغداد في حربها ضد الارهاب، بل وأكثر من ذلك هناك تعاون جيد في المجال الاستخباراتي بين العاصمتين، لا سيما وأن مصر تعد من الدول المستهدفة من قبل تنظيم "داعش" الارهابي، وما تعرضت له من عمليات ارهابية خلال العام الماضي، وما تتعرض له باستمرار يؤكد ذلك، خصوصاً وان الجماعات الارهابية تقف على مرمى حجر من حدودها الغربية مع ليبيا".     

ولعل مجمل مسارات الأمور في المنطقة تؤشر الى أن هناك آفاقا جيدة للتعاون العراقي-المصري، يمكن أن تكون لها انعكاسات مهمة على الجانبين، لا سيما مع الحلحلة الحاصلة في مختلف الملفات الاقليمية(الملف السوري-الملف اللبناني-الملف اليمني-الملف الايراني)، فضلا عن الانتصارات الكبيرة المتحققة على تنظيم "داعش" الارهابي في العراق، ولا شك أن تلك الافاق الجيدة والرحبة في مسيرة العلاقات بين بغداد والقاهرة، تعني انحسار وتقوقع الرياض، خصوصاً اذا استمر نظام الحكم هناك في منهجه المتزمت والمنغلق في التعاطي مع مشاكل المنطقة وأزماتها.
عن موقع "العهد" الاخباري