2024-04-19 03:15 ص

آستنة.. حول الطاولة وما تحتها

2017-02-20
بقلم: علي قاسم 
لم يكن بمقدور طاولات آستنة المعدة بعناية خاصة من قبل الدبلوماسية الكازاخية ومواكبة متواصلة من نظيرتها الروسية أن تحجب جزءاً من العبث، الذي تمارسه بعض الأطراف علناً، سواء ما برز حولها أم ما أراده بعضهم أن يكون تحتها،
وسواء ما تعلق بتأخير الوصول أم ارتبط بهوية المشاركين، الذي مارس فيه الطرف التركي «الضامن» تجريب بالونات اختباراته، رغم ما تقتضيه المعطيات والأصول أن يكون حاضراً سواء نجح في تشكيل مرتزقته أم استلزم الأمر بعض الوقت ريثما يستطيع ضبط خيوط مرجعياتهم الإقليمية والدولية والتي لا تنحصر بالضرورة في التركي وحده.‏
والواضح من سياقات المتابعة أن بعض الأذرع الإقليمية المشغلة قد دخلت على خط التعطيل مبكراً، وقبل أن يصل ممثلوهم إلى آستنة، في بروفة تجريبية على العرقلة، وسط تراكم المعيقات الإضافية التي تلوح فيها التطورات الميدانية الناتجة عن صراع التنظيمات الإرهابية فيما بينها على النفوذ والاستحواذ، والتي تتم إدارتها من النظام التركي الذي يستعجل في إيصال رسالته، ومفادها الأساسي أن وضع «النصرة» ربيبته الأساسية على لائحة التنظيمات الإرهابية يحول دون تحقيق ما يريد، بل يضعه في عجز واضح عن قيادتها كما يرغب، لأن الجسم الأساسي لتلك التنظيمات يبقى النصرة وآخر التطورات زادت من حضوره ووجوده.‏
هذا لا يعني أن هذه التفاصيل غائبة عن المنظمين أو عن الدبلوماسيتين الروسية والإيرانية على حد سواء، بدليل أن التأخير التركي لم يفضِ إلى وقف أجندة اللقاءات في آستنة، كما لم يضف إليها ما يمكن أن يزيد من المصاعب التي تواجهها، بقدر ما عرى الدبلوماسية التركية التي تتكشف أوراقها وينفضح ما كانت تستر عليه، والأيام القليلة القادمة ستكون زاخرة بإضافات نوعية في تعرية النظام التركي الذي قد يضطر إلى الرمي بورقة النصرة في وجه آستنة كخيار تفجيري محتمل، يرجحه على الأقل ما يتسرب من تبعات الدخول الأردني على الخط، والذي قابلته التنظيمات الإرهابية المحسوبة على الخط السعودي بالكثير من التحفظ.‏
وهو لا يعود إلى اعتراض على الأردني وقد خبروا مودته وتحالفه المعلن والمضمر على حد سواء، بل على الدور الوظيفي الموكل إليه من الإدارة الأميركية الجديدة، والتي ينظر إليها الكثير من التنظيمات الإرهابية على أنها ليست نسخة مطابقة عن الإدارة السابقة، بل لديها من الدوافع والأسباب ما يكفي للخشية من الانزلاق في وعود قد يكون من الصعب الاطمئنان إلى مؤداها وإلى النتائج التي تقود إليها، خصوصاً أن هذا الدخول المفاجئ يأتي بعد زيارة ملك الأردن إلى واشنطن، ومهما تكن دوافعه ومبرراته أو أسبابه فإنه يبقى عاملاً مقلقاً، سواء كان بأمر عمليات أميركي مباشر أم جاء نتيجة قراءة أردنية - تصح في بعض الأحيان - لموازين القوى ومراكز النفوذ على المستويين الإقليمي والدولي.‏
وفيما نتائج اليوم الأول ستبقى معلقة حتى اليوم الأخير المفترض أن يكون ناجزاً من دون تمديد لاجتماعات آستنة، فإن ما يسطره في أروقته وقاعاته المغلقة والمفتوحة وفي لقاءاته الثنائية أو المتعددة الأطراف، يمثل قاعدة تصلح لتقديم نماذج من المقاربات لما ستؤول إليه العناوين في جنيف، ليس من بوابة التفاؤل أو التشاؤم، ولا هي من نافذة الإيجابية أو السلبية، وإنما من زاوية القناعات التي ستتشكل تبعاً لمجريات الأحداث والخلاصات النهائية التي تجزم بأن التركي لم يكن على مستوى الثقة الممنوحة، وأن الدفع بهذه التنظيمات الإرهابية للحل السياسي يشكل عبثاً خطراً بمكونات المسار السياسي، وأن المشغلين الإقليميين والدوليين لم تنضج لديهم القناعة بعد.‏
وهذا ينطبق على المشهد السياسي ككل، كما يصلح ليكون توصيفاً لما ستؤول إليه طاولات العاصمة الكازاخية بعد حين، حيث الفارق بين ما طرحته الملفات فوق الطاولة ممن أراد أن يكون حولها، وبين ما كان يراد له أن يمر تحتها، يشبه تماماً وأحياناً يطابق الفارق بين الجدية والتسويف أو المماطلة، بين من يريد مكافحة الإرهاب ومستعد للحوار ومن يدعم الإرهاب ويتلطى خلف السياسة ليكسب الوقت بانتظار تغيير في الموازين أو الكفة أو قواعد الاشتباك.. وهو ما لم يأتِ ولن يأتي أبداً..!!‏
المسألة المثيرة في اجتماع آستنة -الجديد منه والقديم- لم تعد فقط تلك الأسئلة المعلقة من دون أي إجابات، بل باتت أروقة العبث التي تتراكم على الهوامش بعد أن أتخمت العناوين الأساسية بحثاً عن أحجيات جديدة تضاف إلى ما سبقها، بدءاً من الخرق المتكرر من قبل التنظيمات الإرهابية، وليس انتهاء بالاستنساخ المتوالي للأسماء والتشكيلات التي يغيب بعضها ويحضر بعضها الآخر تحت مسميات جديدة أو قديمة، مروراً بأحجية الحضور الأردني وضمانته المشبوهة، وانتهاء بكم التسويف التركي مدعوماً بلغة من التصعيد السياسي والميداني، الذي يماطل على وهم تغيير تكتيكي في الميدان لن يحصل ووضوح سياسي تحدده مقاربة أميركية تحتاج إلى وقت أطول من المتوقع.‏
عن "الثورة" السورية