2024-03-28 02:06 م

مصر ليست "يأجوج ومأجوج"

2017-02-22
بقلم: إيهاب شوقي
لا نظن ان احدا يشك في ان التسوية السورية المثلى لامريكا والصهاينة (الاسرائيليين والعرب على حد سواء) هي تقسيم سوريا بشكل يحول دون التقاء سوري عراقي وسوري لبناني وسوري مع فلسطين المحتلة. وان مفهوم المناطق الامنة وما يحيط به من تجاذبات يتمحور في النهاية حول هذا الهدف. بل ان زراعة "داعش" نفسها والمناطق الجغرافية التي انطلقت منها المؤامرة على سوريا كانت اماكن تمركز استراتيجية لهذا الهدف بالنهاية وهو قطع محاور اتصال محور المقاومة. منصات الحرب او مايطلق عليها اعلاميا منصات المعارضة السورية كمنصة الرياض وموسكو والقاهرة هي ايضا انعكاسات للحالة السورية لتي ينظر اليها الكثيرون على انها اصبحت كعكة للتقاسم. من المعيب ان تكون هناك منصة بالقاهرة والا تكون الدولة السورية وجيشها العربي هو منصة القاهرة وان تكون القاهرة التي كانت عاصمة التحرر الوطني ومنبر المقاومة منصة للمنشقين في غمار الحرب وان تقوم بالدور الذي تعيبه على قطر وتركيا من استضافة اعداء النظام والترويج للمنشقين عنه مثل البرادعي وغيره. من المفهوم ان تكون هناك منصات في الرياض عاصمة العمالة منذ انشاء المملكة وان يكون هناك منصات بموسكو التي لا تدعي انها تحارب مع سوريا لاهداف ايدلوجية والتي تحمل على عاتقها توازنات عالمية لا نجد مصر محملة بها. ومن الطبيعي ان نجد للاتراك تمثيلا في الوفود الذاهبة لجنيف حيث ان لها مقاتلين على الارض وفصائل ارهابية تابعة لها. من الطبيعي ان تسعى هذه الدول لتقاسم النفوذ كل بحسب مصالحه واهدافه. اما لو تساءلنا عن اهداف مصر في سوريا فما هي؟ بالطبع مصر ليس لها اهداف استعمارية او مصلحة في التقسيم او حتى مصلحة ستعود عليها ولو بشكل غير مباشر في قطع التواصل السوري العراقي او السوري الايراني او اضعاف سوريا في مقابل العدو الصهيوني، بل على العكس فجميع دول المواجهة مع العدو الصهيوني من مصلحتها قوة جميع الاطراف او حتى بعضها من منطلق تخفيف الضغط. اللهم الا اذا قد صدقت مصر كذبة السلام الكبرى واعتبرت ان معاهدة ما اطلق عليه السلام هي نهاية للعداء وتدشين للوفاق والاخوة وليست مجرد هدنة لم يحترمها حتى العدو الصهيوني وعاث في مصر خرابا اقتصاديا وزراعيا وفكريا وتآمريا طيلة عقود السلام المزعومة. ان من يعول على النظام المصري الحالي في شئ من المقاومة هو تماما كمن يعول على التكفيريين في الانخراط في الوحدة الاسلامية او كمن يعول على الصهاينة في الانخراط بالوحدة العربية!!! قد يكون هناك تخاصم حقيقي بين النظام المصري وقطر وتركيا وايضا السعودية وهي نفس الاطراف المعادية لمحور المقاومة الا ان هناك طرفا يحل لغز عدم انخراط مصر في المقاومة وهو الطرف الامريكي. لازال البيت الابيض هو معبود النظام المصري منذ بدايات السبعينيات ومنذ طرد الخبراء الروس والاقتناع بأن 99% من اوراق اللعبة في يد امريكا. تعاقبت النظم وتعددت الاسماء وتخللت ذلك الانتفاضات الا ان مؤسسات الدولة المصرية بنت اعمدتها على التجربة الامريكية ونمطها وقواعدها الحاكمة للاسواق بل والهيكلة الداخلية للمؤسسات. اما الاختراقات للرجال في كل المؤسسات الفكرية والاعلامية بل والمناصب التنفيذية فحدث ولا حرج. حتى النخب الثورية باتت تفكر بطريقة امريكية وشابت بلورتها لاهداف الثورة الوان امريكية ولم تعد ثورات خالصة للتحرر الوطني. ما نراه من معارك جانبية بين الازهر والرئاسة هو ملخص للاختراق السعودي ومدى تمكنه، ومانراه من انتحار اقتصادي هو ملخص للاختراق الامريكي ومانراه من اختفاء للروح القومية واضمحلال لها وللحماسة للقضية الفلسطينية هو ملخص للاختراق الصهيوني. نواة مصر المقاومة محاصرة بمدارات مخترقة ومشبوهة وقلبها التحرري محاط بأغشية فاسدة وشرايين مسدودة ومسمومة وجسدها المنهك يبحث عن جراحة عاجلة تستأصل الاورام التي تفشت فيه. ان اصوات المقاومة القادمة من مصر لها صدى عميق لانها اتية من كهف بعيد او من قاع جب عميق. لقد فرض على مصر سورا كبيرا وتعاملت امريكا والعدو الصهيوني ورجالاتهم بمصر مع المقاومين بمنطق ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج. فقد طلب المفرطون في مصر من الامريكان والصهاينة الاسرائيليين والعرب ان يجعلوا بينهم وبين المقاومين ردما، فقام هؤلاء بمعاونة رجالاتهم باشعال زبر الحديد وافرغوا عيه قطرا فما اسطاع المقاومون بالداخل حتى الان ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا. ان المراد بسوريا ان تقسم فعليا والتسوية تسير الى هذا المصير بكل اسف..فالشمال والشرق يمضي الى نفوذ امريكي تركي بتسوياته البينية بين امريكا وتركيا حول الملف الكردي والجنوب ايضا بين امريكا والاردن والعدو الصهيوني ونقاط التماس مع لبنان ستحاصر بمناطق امنة والتهديدات الصهيونية والامريكية لايران وحزب الله للفت الانظار والحصول على تنازلات في الداخل السوري، ولا مانع من ترك دمشق والشمال الغربي والسواحل للنفوذ الروسي خاضعا لتسويات تركية روسية بينية. ماهي مصلحة الخليج والسعودية غير الحقد والطائفية وما مصلحتهم في تقسيم عراقي على الجانب الاخر خاضع في النهاية لنفوذ امريكي؟ ربما لهم مصالح تنافسية متعلقة بالطاقة ولو ان مصالحهم كان الطريق اليها اقرب باحترام الوحدة العربية والتعاون الاخوي مع ايران فلربما كان ذلك اقصر طريقا واقل كلفة واضمن فوزا، الا انهم اختاروا طريق العمالة ولا عجب فهو من شروط بقائهم لانه كان شرط انشائهم. اما مصر ذلك البلد العريق الممتلك لمؤهلات القيادة والذي اثبت كفاءته بها ولازال يعيش على اثارها، فماهي مصالحه وماذا سيجنيه؟ هل ارتضى بدور وظيفي تابع للامريكان تتحدد تقارباته وتباعداته بناء عليه؟ هل اصبح توجهه للعراق بسبب ازمة نفطية او كمحاولة لاستقطابه بعيدا عن الفلك الايراني؟ هل اصبح اسير اختراقاته الداخلية واستسلم لها؟ وهل سيستسلم الشعب العربي في مصر لهكذا انظمة...لانظن ونظنه سيحطم السد ويجعله دكاء في لحظة غير متوقعة لا داخليا ولا امريكيا ولا صهيونيا..نعم مصر ليست يأجوج ومأجوج ولم تكن مفسدة في الارض حتى في قمة ضعفها واختراقها ومصر ليست انظمة تستوفى شرعيتها من الخارج . ان زمن العولمة وما افرزه من ادوار كبرى لدول صغرى عبر مؤهل المال والثروات فقط مثل الدور القطري والذي تمدد بالخيانة لم يمنع ان يكون لدولة صغيرة في الجهة المقابلة مثل لبنان دورا كبيرا عبر المقاومة! هذه المقاومة والتي هي شرف يزين الرؤوس تبحث عن مصر كما تبحث هي عنه فهو ضالة هذا البلد الذي لا يستطيع الاتساق مع ذاته منذ الزيارة المشؤومة لرئيسه للقدس المحتلة، فقد اعتاد الفقر مع المقاومة ولكنه لم يستسيغ بعض الرفاه مع التفريط، فكيف يستسيغ الفقر مع الخيانة؟! ربما ينتظر النظام في مصر صدمة للافاقة لكن الصدمة ستأتي من الداخل ولن تنتظر احتلالا متوقعا لسيناء او اجتياحا من الغرب او الجنوب ولن يسمح لمصر ان تكون في حلف واحد مع الصهاينة للحرب على ايران او المقاومة ومن يحاول تخطي السقف عليه بتحمل انهياره فوق رأسه.