2024-03-28 04:14 م

السياق الاسرائيلي الاقليمي للعدوان على سوريا

2017-04-11
لم ينبع الاحتفال الرسمي والاعلامي الإسرائيلي بالعدوان الصاروخي الاميركي ضد سوريا، من فراغ. بل انطلق من رؤية تتبناها مؤسسة صناعة القرار السياسي والامني في تل ابيب، لمدى تجسيده مصالح ومتطلبات الامن القومي الإسرائيلي، ومن تقدير لمفاعيله المفترضة على الساحتين السورية والإقليمية.
مع ذلك، حمل العدوان الاميركي بعداً صريحاً يتصل بصورة ترامب في الداخل الاميركي وتحديدا بعد النكسات التي تعرض لها، وصولا إلى طرح علامات استفهام بعلاقة العديد من الشخصيات الاساسية حوله، بالروس. اضافة إلى فشله في تسجيل انجازات جوهرية تتعلق بالسقوف والشعارات التي رفعها على مستوى الداخل الاميركي. وهكذا يمكن القول أن ترامب استطاع أن يُعزِّز صورته التي يعمل على الترويج لها "أنا لست اوباما".
في المقابل، اراد ترامب ايضا، توجيه رسالة متعددة الاتجاهات: سوريا، روسيا وايران وحلفائها في المنطقة، وصولاً إلى كوريا. وبالتالي يبقى للعدوان الاميركي سياقاته الإسرائيلية الإقليمية:
أتى العدوان بعد فشل الرهانات الإسرائيلية على مجموعة من المحطات التي جاهر كيان العدو وغيره من القوى الإقليمية، بكونها موضع امالهم أن تؤدي إلى تفكيك التواصل بين أطراف محور المقاومة، عبر الساحة السورية، وتطويق حزب الله تمهيدا للقضاء عليه. محطة الذروة في فشل هذا المسار تمثل بتحرير مدينة حلب، وما ترتب عليه من نتائج وتداعيات ميدانية وسياسية اقليمية ودولية.
في أعقاب ذلك، نشط الإسرائيلي على خط العلاقة مع الروس في محاولة لطرح مطالبه أمام القيادة الروسية بهدف أخذها بالحسبان في أي ترتيب سياسي مستقبلي يتصل بالساحة السورية. وهو ما بات يعرف بالخطوط الحمراء الإسرائيلية المتصلة بشكل مباشر وغير مباشر بالمقاومة. ثم تلمست قيادة العدو بعضاً من مفاعيل بداية تغيير المعادلة، من خلال التصدي والرد السوري على الغارة الإسرائيلية الاخيرة بالقرب من تدمر.
وفي سياق الرهانات الفاشلة، جسد الاتفاق النووي الايراني ايضا، فشل كل محاولات ردع الجمهورية الاسلامية عن دعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. وعما يسميه العدو ايضا تمدد "النفوذ الايراني" في المنطقة. خاصة وأن تل ابيب رأت فيه مصدرا لتهديد أمنها القومي على المدى البعيد..
أمام هذا المشهد الإقليمي الذي تشكل بفعل سلسلة من المنعطفات. بات المحور الاميركي الإسرائيلي، أمام مجموعة خيارات ضيقة، تبدأ من التسليم بموازين القوى والتكيف مع الواقع، وهو أمر مستبعد ابتداء.. وصولا إلى الانفجار الإقليمي الكبير، وهو سيناريو يحاول جميع الاطراف تجنبه بفعل معادلات القوى المتبادلة.
في هذه المحطة بالذات، اجترح ترامب خيار العدوان المحدد والمحدود على سوريا، لخدمة مسارين، اقليمي إسرائيلي، وايضا لتعزيز صورته في الداخل الاميركي.
ومن أبرز ما اتسم به خياره العدواني، (إلى جانب بعده الداخلي وحرصه على التمايز عن اوباما) أنه تجنب الخيارات التي كان يمكن أن تؤدي إلى "تكسير الاواني" وتدفع نحو مواجهة عسكرية واسعة في هذه المرحلة. وهو ما يتطابق مع ما نقلته صحيفة معاريف، استنادا إلى صحيفة نيويورك تايمز، بأن الرئيس الأميركي طلب اعداد خيار عسكري "ينجح في توجيه رسالة ولكن لا يكون كبيرا بما يؤدي إلى التدهور نحو مواجهة عسكرية".
وهكذا يتضح أن هذا الخيار العدواني المدروس بدقة، كشف عزم ترامب على محاولة استعادة دور أميركي أكثر فعالية (بعد فشل الوكلاء) في سوريا والمنطقة، وفي الوقت نفسه ادراكه – رغم تبجحه – لمعادلات القوة والخطورة الكامنة في الذهاب بعيدا في خياره العسكري..