2024-04-24 06:14 ص

تنامي الحركات الشعبوية وصعود اليمين المتطرف في دول الاتحاد الأوربي وتأثيرها على مستقبل الاتحاد

2017-04-18
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
الاتحاد الأوروبي يمر بمرحلة مفصلية تهدد كيانه ووجوده بشكل لم يعهده من قبل منذ نشأته قبل ما يقرب من 60 عاما. هذه الخطر يتمثل بصعود التيارات والأحزاب الشعبوية والقومية المتطرفة التي بدأت تحقق مكاسب لا يستهان بها في الانتخابات المحلية والعامة. وفي هذه المرحلة تتجه الأنظار الى ماذا ستكون عليه نتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا الذي ينظر اليها أنها معركة تخاض ما بين الشعبويين والقوميين وقوى المؤسسة الفرنسية والتي يراها البعض أنها الصدى المرعب لثلاثينيات القرن الماضي التي جاءت بالحزب النازي في المانيا. ومما يجعل الانتخابات الفرنسية على جانب كبير من الاهمية بهذا الشأن هو أن أحد المرشحين للرئاسة هي رئيسة الحزب الوطني الفرنسي مارين لوبان تريد لفرنسا أن تنسحب من منطقة اليورو وأنها مصممة على طرح قضية البقاء في الاتحاد الأوروبي الى الاستفتاء العام كما أنها تطرح الانسحاب من حلف الناتو وهي تنتهج سياسة ضد المهاجرين . وتأتي هذه الانتخابات في أعقاب الانتخابات البرلمانية الصعبة في هولندا، مما يطرح تساؤلات عديدة حول المستقبل السياسي الأوروبي وخاصة وأن مع الانتخابات القادمة في المانيا وإيطاليا في مطلع عام 2018. وتشير معظم استطلاعات الرأي في إيطاليا تقدم كبير لصالح حركة الخمسة نجوم الشعبوية في هذه الاستطلاعات وهذه الحركة تريد الانفصال عن منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي أيضا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي الأسباب وراء ظهور وتنامي الشعبوية كقوة سياسية في أوروبا؟ بنظرة سريعة ومراقبة للأحداث في أوروبا يستطيع المرء أن يستخلص ربما ثلاثة أسباب رئيسية للجابة على هكذا سؤال. أولا تنامي الغضب والسخط الشعبي وحالة الامتعاض العامة في العديد من الدول الأوروبية بسبب غياب العنصر الديمقراطي في مشروع الدمج الأوروبي الكبير. فهنالك العديد من الشعوب الأوروبية تشعر بأن البيروقراطية في بروكسل الغير منتخبة هي التي تحدد الاجندة الأوروبية وهذا ما أدى في نظر الكثيرون الى استلاب القرار الوطني. وهذا ربما أدى الى الشعور بفقدان الهوية القومية أو الوطنية. ثانيا: الهجرة والمهاجرين والنظر الى هذه المشكلة من زاوية أنها أصبحت تهدد طريقة ونمط الحياة الأوروبية. وقد تفاقم تأثير هذه المشكلة على المجتمعات الأوروبية بوصول أعداد كبيرة وغير مسبوقة خلال السنوات الماضية نتيجة الصراعات وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط وكذلك بعض الدول الافريقية. فقد شهدت وخاصة السنتين الماضيتين أمواج كبيرة من المهجرين واللاجئين اما هربا من الحروب بحثا عن الامن والمأوى أو البحث عن فرص عمل ومستقبل أفضل. ومما أدى الى زيادة النفور من المهاجرين والوقوف ضد الهجرة من الخارج هو الحوادث الإرهابية التي حصلت في أكثر من مدينة أوروبية التي ذهب ضحيتها العشرات من الضحايا. ولا شك ان بعض الدول الأوروبية تتحمل الجزء الأكبر عن مثل هذه الحوادث التي حصلت على أراضيها اما لان أجهزتها الأمنية والاستخباراتية قد غضت الطرف عن التجييش للشباب الأوروبي من أصول عربية أو أفريقية في المساجد التي كان البعض منها يحث على الجهاد ويحث الشباب بالسفر للجهاد في سوريا علنا في خطب الائمة في المساجد ومن خلال الحلقات الدراسية للدين التي كانت تعقد في الجوامع الاوروبية، واما لان حكومات تلك الدول الأوروبية وقياداتها السياسية أتبعت سياسة عدوانية ضد الدولة السورية وذلك لمصالح اقتصادية أو سياسية ضيقة. ثالثا: الظروف الاقتصادية الصعبة التي عايشتها الدول الأوروبية مع حالة الركود عام 2008 والتي ما زالت أوروبا تعاني من أثارها لهذا اليوم وخاصة في البلدان التي تعاني من معدلات كبيرة من البطالة كما هو الحال في فرنسا واسبانيا واليونان وإيطاليا. ولقد اضطرت العديد من الدول الى تبني سياسة تقشفية كبيرة مثل اليونان وتخفيض الرواتب وتقنين الخدمات الصحية والاجتماعية والتلاعب بصناديق التقاعد وزيادة الضرائب ..الخ مما اثار سخطا جماهيريا كبيرا نظرا لتأكل مستويات معيشتها ولقد استغلت الحركات الشعبوية والأحزاب اليمينية المتطرفة ولعبت على هذا الوتر والمزاج الشعبي الغاضب واستطاعت تحويله الى مكتسبات سياسية لها في صناديق الاقتراع. ومن هنا رأينا زيادة عدد المقاعد التي حصلت عليها هذه التيارات المتطرفة في البرلمان الأوروبي. رابعا: الفشل الذريع للعديد من الأحزاب التقليدية الأوروبية التي تصدرت المشهد الأوروبي السياسي لفترة طويلة من الزمن في عدم العمل على تفهم وتلبية احتياجات الفئات الفقيرة وحتى الطبقة الوسطى التي تآكلت على مدى السنوات السابقة بفعل سياسات التقشف الاقتصادي التي فرضت على أغلب الدول الأوروبية كشرط أساسي لتقديم الدعم والمعونات المالية لها من قبل الاتحاد الأوروبي (حقيقة من المانيا) والتي قدرت بمئات المليارات لإنقاذها من براثن اعلان افلاس الدولة. واعتبر الشعب اليوناني على سبيل المثال أن تكالب بروكسل والتدخل الالمان بالتحديد في شؤون البلد الداخلية وفرض الهيمنة والتسلط على برنامج الحكومة الاقتصادي والاملاءات التي فرضت على الحكومة في كيفية صرف المعونات والقروض المقدمة، انه يشكل إهانة لهذا الشعب العظيم ذو التراث الحضاري والإنساني. وربما لعب هذا دورا في شحذ الشعور القومي والوطني وفي هذه الفترة بالذات تنبه الكثيرون الى ازدياد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة. فعلى سبيل المثال فقد حقق حزب الفجر الذهبي وهو من أبرز الأحزاب اليمينية المتطرفة في اليونان نصرا كبيرا في الانتخابات البرلمانية التي حصلت عام 2012 بحصوله على 18 مقعدا في البرلمان. وقد وصف الحزب بالحزب النازي الجديد من قبل المجلس الأوروبي لحقوق الانسان عام 2013 لنظرته المتشددة تجاه المهاجرين وهو يرى أن الاتحاد الأوروبي هو سبب بلاء اليونان. في شهر فبراير من هذا العام عقد ثلاثي اليمين الأوروبي الفرنسي والألماني والهولندي اجتماعا في مدينة كوبلنز غرب المانيا وقد شكل هذا الاجتماع نقلة نوعية ومفصلا تاريخيا هاما لليمين المتطرف في أوروبا لكونه شكل جبهة واحدة على نطاق القارة الأوروبية التي تدعو الى عملية تغيير جذرية في الخارطة السياسية الأوروبية المستقبلية في حال نجاح أي من هذه الأطراف بالسلطة السياسية للبلاد. فقد صرحت ماري لوبان الفرنسية إن الهدف من الاجتماع " الهدف تحديدا هو رسم ملامح أوروبا الغد التي ستحل مكان هذا النظام الردىء الذي بات عليه الاتحاد الأوروبي" وذكرت " سأذهب الى المانيا لألتقي مستقبلها" في إشارة الى حزب البديل من أجل المانيا " لا ماضيها" بمعنى الاتحاد المسيحي الديمقراطي". في النهاية نؤكد على أن نمو هذه التيارات الشعبوية إذا ما استمر بنفس الوتيرة في الدول الأوروبية للسنوات القادمة فانه سيشكل خطورة كبيرة على المستقبل السياسي للاتحاد الأوروبي. ولا شك أن مجيء ترامب الى البيت الأبيض وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أعطى عوامل قوة لنمو هذه التيارات الى جانب الأسباب الموضوعية التي ذكرناها سابقا. ومن هنا فان العديد من المراقبين يصوبون أعينهم على نتائج الانتخابات القادمة في فرنسا والمانيا وإيطاليا على وجه التحديد باعتبارها مؤشرات لمدى تأثير هذه التيارات على رجل الشارع الأوروبي.