2024-03-28 06:06 م

ترامب وسياساته الخرقاء اتجاه إيران

2017-04-18
بقلم: عميرة ايسر
منذ انطلاق حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتخابية وحتى قبل أن يصبح رئيساً لولايات المتحدة الأمريكية وهو ما انفك يطلق العبارات النَّارية المسمومة ضدَّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي أصبحت في أدبيات الخطاب الرسمي الجمهوري الأمريكي منذ نجاح ثورتها الإسلامية سنة1979امبراطورية الشر العظمى التي يجب التخلص منها وإبادة نظامها المناهض للسّياسات الصهيو أمريكية مهما كلفهم ذلك من ثمن،فالإستراتيجية التي تتبناها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان على وجه التحديد تقوم على محاولة حصر إيران في الزاوية والعمل على عزلها دولياً وإضعافها وخلق نوع من الفوضى الديناميكية المتحكم فيها لإسقاط نظام الحكم الديني الديمقراطي حيث هناك انتخابات بلدية ورئاسية وبرلمانية ينتخب فيها الشعب من يمثله فالإيرانيون استطاعوا المزاوجة بين الفكر الديني الإيديولوجي وبين النظام السّياسي الديمقراطي الحديث وهذا ما أذهل الغرب ودوله واعتبروا ذلك خطراً على القيم الغربية السّياسية والفكرية العليا والتي تحاول إبعاد الدين عن الميدان السياسي والاقتصادي والعملي.وترى بأن العلمانية الدولية المعولمة لا تتوافق مع الأنماط الدينية اللاهوتية لشعوب والأمم،وهذا ما أثبت الإيرانيون خطأه تاريخياَ ومادياَ وواقعياَ،لذلك حاولت كل الدول الغربية ومنها أمريكا تفكيك المجتمع الإيراني بكل مكوناته وطوائفه وتوجهاته السِّياسية والفكرية والعقائدية لإيجاد معادلة داخلية مختلفة تكون فيها القيم الغربية هي المتحكم في حياتهم وطريقة نظرتهم لبنية نظام الحكم ومؤسسات الدولة،فواشنطن التي وضعت إيران منذ عهد الرئيس الجمهوري الابن جورج بوش والذي صنفها ضمن محور الشر،بالإضافة إلى العراق وكوريا الشمالية تريد أن تبقى إيران ضمن المجهر والنفوذ الأمريكي المستمر،فطهران التي كانت في عهد الشاه محمد رضا بهلوي أهم وأكثر لاعب إقليمي مؤثر في إدارة معادلات الصراع في الشرق الأوسط وقتها والتي كانت عبارة عن شرطي ينفذ السِّياسة الغربية الاستعمارية ويضمن المصالح الأمريكية الطاقية والنفطية لمجموعات المصالح والتأثير الأمريكي في صناعة القرار،والرئيس دونالد ترامب ينفذ هذه السّياسة وبحذافيرها.إذ يحاول من خلال علاقاته ونفوذه في دول المنطقة أن يحاصر إيران مرة ثانية بعد أن استطاعت في عهد الرئيس باراك أوباما النجاة من سيف العقوبات الغربية الدولية الذي كان مسلطاً على رقبتها طوال10سنوات ونيف،وبموافقة مجلس الأمن الدولي ومجموعة5+1وأصبح هذا الاتفاق ملزم من الناحيتين السِّياسية والقانونية لكل دوله الموقعة عليه بما فيها أمريكا وهذا ما لا يعجب رهطاً من الجمهوريين في مجلس الشيوخ والنواب وعلى رأسهم جون ماكين وستيفن هادلي كما أنه يثير سخط وخوف إسرائيل ودول الخليج العربي التي دفعت حوالي200مليار دولار لإدارة ترامب وعقدت حلفاً سنياً مع تل أبيب من أجل التصدي لمزاعم حول خطر إيران التوسعي في المنطقة،فترامب الذي يعتبر إيران دولة عدوة يجب احتوائها عن طريق إعادة العقوبات الاقتصادية مجدداً لأن سياساتها وتحالفاتها الإقليمية وخاصة مع حلفها الاستراتيجي مع سوريا وحزب الله وانخراطها في الصراع العالمي إلى جانب روسيا ومحاولتها بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب وبالتالي إنهاء القطبية الأحادية الأمريكية ومطالبتها الدائمة بإنهاء الوجود الصهيوني وإزالة دولة إسرائيل ودعمها لحركات المقاومة الفلسطينية بمختلف توجهاتها وفصائلها وأفكارها كل هذه المعطيات دفعت بإدارة ترامب لطرح عدّة سيناريوهات لتعامل مع التهديد الإيراني بما فيها إعلان الحرب على طهران. -فدونالد ترامب بسياساته المتهورة والغير المسئولة أو المنطقية يحاول كذلك كبح جماح التفوق العلمي والاقتصادي الإيراني وانتقال إيران من دولة إقليمية لها تأثير محدود في صناعة جيواستراتيجية المنطقة اقتصادياً وعلمياً لدولة إقليمية عظمى متطورة.إذ حسب إحصائيات البنك الدولي والمؤسسات الاقتصادية المالية الكبرى لسنة2010أي قبل رفع العقوبات الاقتصادية المالية عليها كان اقتصادها يحتل المركز3في منطقة الشرق الأوسط و29عالمياً بحجم تداولات مالية بلغت حوالي337مليار دولار أمريكي،ورغم اعتمادها على تصدير النفط والغاز في حصولها على العملة الصعبة وتمتلك 10بالمائة من احتياطات النفط المؤكدة عالمياً وتنتج4مليون برميل يومياً تستهلك2مليون منها والباقي يتمُّ تصديره عبر موانئها البحرية بالإضافة إلى أنها تنتج حوالي29.61ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي فيما تقدر احتياطاتها العالمية منه بحوالي15بالمائة وتصدر إيران الغاز إلى تركيا كذلك عبر خط تبريز أنقرة وإلى أرمينيا عن طريق خط أنابيب يصل من أرمينيا إلى إيران وبلغ إجمالي مداخليها من النفط والغاز سنة2015حوالي250مليار دولار ،بالإضافة إلى أنها تحتل المرتبة12عالمياً في إنتاج السيارات والمركز الأول عالمياً من ناحية الإنتاج العلمي والثقافي والفكري متفوقة بذلك على دول كأمريكا واليابان وألمانيا،والشيء الذي يخشاه دونالد ترامب ومن ورائه المحافظون الجدد المتشددون الذين عينهم في إدارته ومنهم وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير خارجيته ريكس تيلرسون المدير التنفيذي السابق لشركة إكسون،وهو الصناعات العسكرية الإيرانية المتطورة جداً وخاصة تطوير منظومات الصواريخ الباليستية كقاهر1وفجر،وزلزال وحصول إيران على منظومة صواريخ أس300الفتاكة والتي تم توزيعها على طول الرقعة الجغرافية الإيرانية وذلك لحماية المنشات الحيوية الإستراتيجية المهمة كالمؤسسات الحكومية المركزية ومحطات توليد الطاقة النووية والقواعد العسكرية الإيرانية ومجمعات البحوث العلمية والأمنية....الخ،فالرئيس الأمريكي البيروقراطي والمتعجرف والذي يتعامل بعقلية رجل الأعمال الفاشل يريد أن يقزم النفوذ الإيراني عبر سياساته التي تعتمد على القوة والترهيب والترغيب وهي لا تختلف عن سياسات الرئيس الأمريكي نيكسون صاحب نظرية السِّياسات المرنة والمتوازنة والصلبة إن اقتضى الأمر ذلك،في التعامل مع الخصوم الدوليين،ورغم علم دونالد ترامب بأنَّ إيران مستعدة على لسان المرشد الأعلى السّيد على خامنئي الذي بيده سلطة إعلان الحرب والسلم لمواجهة،إذ قال:في أكثر من خطاب بأنَ بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تعرضت لأي ابتزاز أو هجوم عسكري أمريكي لأنها سترد رداً عنيفاً ومزلزلا وستقوم بضرب القواعد العسكرية الإستراتيجية الأمريكية في كل دول أوروبا الغربية ودول الخليج وحتى قواعدها الكبرى في تركيا كقاعدة انجرليك التركية والتي وقعت القيادة العسكرية التركية اتفاقية استغلالها المشترك مع القوات الجوية الأمريكية سنة1954وتم بناؤها سنة1943إبان الحرب العالمية الثانية،وقاعدة ديار بكر الجوية وقاعدة باطمان العسكرية،فالصراع الأمريكي الإيراني لن يتوقف وسيؤخذ أبعاد أكثر تصعيداً وخطورة رغم أن ترامب يعلم علم اليقين بأن أكثر من 60بالمائة من الاقتصاد العالمي يمر عبر بوابة باب المندب ومضيق هرمز والخليج العربي ويمكن لصواريخ الإيرانية بسهولة تدمير أي سفينة أمريكية أو غربية تمر من خلالها وحرمان أوروبا وأمريكا من معظم سفن البترول والغاز وتدمير اقتصاديات الدُّول الغربية ولفترة زمنية طويلة وإلحاق ضرر هائل جداً وكارثي باقتصادياتها الصِّناعية والتي تعتمد على نفط الشرق الأوسط بنسب تتجاوز حاجز80بالمائة. -ورغم المُطالبات المتكررة من أركان إدارة ترامب والكيان الصهيوني بتنفيذ عمل عسكري أمريكي ضدًّ طهران أو السَّماح لسلاح الجوي الصهيوني باستهداف المفاعلات النووية الإيرانية وتدميرها على غرار مفاعل تموز العراقي الذي دمره سلاح الجو الصهيوني سنة1981حيث اشتركت8طائرات صهيونية في قصفه وتدميره فيما عرف بعملية أوبرا الجوية،ومطلب قصف المنشآت النووية الإيرانية والذي يطالب به نتنياهو إدارة اوباما المنتهية ولايته منذ أن كان مرشحاً لانتخابات الرئاسية في الكيان الصهيوني ومنذ تاريخ5ديسمبر وطالب الرئيس دونالد ترامب بذلك علناً إلا أنًّ احتمال حدوث حرب إقليمية عالمية كبرى يدفع عقلاء كبار في أمريكا كهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إلى الاعتراض وتذكير إدارة ترامب بأن عليه محاولة تجنب الصِّدام المباشر مع إيران في هذه الفترة بالذات لأن الانتخابات الرئاسية في إيران والتي ستجري قريبا ربما ستأتي بأحمدي نجاد رئيساً لإيران مجدداً وهو المتشدد أكثر من ترامب في ما يخص العلاقة من أمريكا والغرب،ولا يستطيع أحد أن يخمن ماذا؟سيكون ردُّ فعله الأولي في مواجهة إدارة ترامب المتهور.فالحكمة حسب رأيه تقتضي بأن تركز بلاده على تطوير الاقتصاد وإعادة العظمة لأمريكا التي بدأت في الانهيار تدريجياً وعلى كافة الأصعدة والمستويات تاركة المجال لدول كروسيا والصين والهند لتأثير الدراماتيكي على إدارة دفة القضايا الدولية الكبرى،ومحاولة بناء شراكة إستراتيجية مع دول كالصين مثلا،بدل الحديث المتكرر إعلامياً وإلقاء خطابات نارية ضدًّ إيران لكسب تأييد اللوبي الصهيوني في دوائر صنع القرار الأمريكي لأن أوباما في مرحلة إدارته الأولى جرب نفس الخطاب الخشبي العقيم ولكن اضطر في نهاية الأمر إلى الامتثال لضغوط المجتمع الدولي وأعاد قراءة الظروف والمتغيرات الدولية والإقليمية بحيث دفعته حسابات الربح والخسارة والمصلحة الإستراتيجية الأمريكية العليا إلى توقيع الاتفاق النووي مع طهران،والذي يرى فيه ترامب ضعفاً أمريكياً واضحاً ويطالب بإعادة العقوبات الاقتصادية على إيران وهذه المرة تحت ذريعة تطويرها لبرامج صواريخها الباليستية أو إجراء تجارب في نفس الإطار،رغم علمه المسبق بأنًّ هذه التجارب غير مجرمة دولياً وتقوم بها دول عديدة وبشكل روتيني شبه يومي،فهل سيستمر ترامب في إتباع نفس سياساته الحالية اتجاه إيران يا ترى؟أم أن لعبة المصالح والنفوذ الإيراني الهائل في سوريا وعدة مناطق ودول في الإقليم لأمريكا مصالح إستراتيجية فيها ستعيده إلى رشده عما قريب.
*كاتب جزائري