2024-04-20 07:10 م

الأكراد في مهب المصالح الدولية

2017-04-29
بقلم: سركيس أبو زيد
ربما تكون الحالة التي عاشها إقليم كردستان العراق منذ عام 1991 وحتى اليوم هي الحالة المثالية التي يمكن اقتناصها في زحمة الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة وفي العراق تحديدا. فقد تمتع الإقليم بما يشبه الاستقلال غير الرسمي، ويسعى القادة الأكراد إلى تثبيت هذه الحالة كأمر واقع من خلال الطرح الفدرالي. وفي ظل نظام عراقي جديد، يبقى من الطبيعي وفي إطار العراق الموحد، أن تلعب الهوية الكردية والبعد الاثني والثقافي دورا رئيسا في المشروع السياسي الكردي.

ومع اقتراب الحسم في معركة الموصل، تعود كردستان العراق مجددا الى الأضواء، وتدخل في صلب النقاش الدائر حول مرحلة ما بعد الموصل وما بعد "داعش"، خصوصاً أنه كان للأكراد (البيشمركة) دور أساسي في معركة القضاء على "داعش"، وزادت الثقة الدولية بهم وحجم المكافآت والمساعدات.
والسؤال هنا، هل يتمكن الأكراد من تأسيس كيان سياسي خاص بهم في شمال العراق؟
عوامل كثيرة دفعت الى أن يتحول الأكراد عن فكرة تأسيس كيان خاص مستقل عن الدولة العراقية الى الفدرالية، لأن تأسيس هذا الكيان يصطدم بعقبات كثيرة، عراقية داخلية وإقليمية ودولية:
على المستوى العراقي الداخلي: هناك العلاقة الكردية - الكردية التي اتسمت بالصراع الدموي بين الفصيلين الكبيرين:
الأول: "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال الطالباني الذي يشكل إلى جانب حركة "التغيير" و"الجماعة الإسلامية" و"الاتحاد الإسلامي" جبهة عرفت بـ"الأطراف الأربعة"  لتقليص صلاحيات الرئيس والانتقال إلى نظام حكم برلماني.
والثاني: "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني صاحب النفوذ الأكبر في محافظتي دهوك وأربيل.
 وبالتالي فإن عدم قدرة الزعيمين وقيادات الحزبين على تجاوز إرث الصراع الطويل بينهما لتشكيل إدارة موحدة لإقليم كردستان المنقسم بين إدارتين أو حكومتين منفصلتين لمدينتي السليمانية منذ عام 1991 وأربيل، جعل الشرخ السياسي القائم في إقليم كردستان وتداعياته على وحدة الموقف الكردي في بغداد يهدد مسار خطوات إعلان الدولة، في ظل الصراع الدائر حول الإدارة وطبيعة نظام الحكم.
أما على المستوى الخارجي:
فإن تمتع الأكراد بفدرالية وكيان شبه مستقل يعني تجاوزا لخطوط حمراء كثيرة رسمتها دول الجوار ذات العلاقة بالمسألة الكردية، والتخوف من قيام كيان كردي مستقل في العراق يتردد صداه أيضا في طهران ودمشق.
فتركيا كانت ولا تزال واضحة بأن الكيان الكردي الخاص في العراق يعني تدخلا عسكريا من طرفها، لأن الفدرالية الكردية في العراق ستثير شهية أكراد تركيا بتحقيق كيان مماثل، وهي حالة أكثر تعقيدا وحساسية بالنسبة للحكومة التركية منها للنظام في بغداد.
وفيما يخص إقليم كردستان العراق، يَجمع الطرفين (التركي والكردي) مرحلة جديدة أساسها المصالح والتعاون، خصوصا بعد الاعتراف التركي الضمني بالحكومة المحلية، وفتح قنصلية تركية في أربيل. هذا التحول الكبير من جانب تركيا تقف وراءه أهداف تتجاوز العلاقة
بإقليم كردستان إلى أهداف إقليمية تتعلق بالدور والنفوذ والصراعات الإقليمية والطائفية في المنطقة، وأخرى داخلية، منها:
-الاستفادة من صعود الأكراد في العراق وتعاظم نفوذهم ودورهم في صوغ المشهد السياسي العراقي، ومن أجل إيجاد حل لمشكلة حزب العمال الكردستاني. فضلا عن الاستفادة من دورهم في إيجاد حل سلمي للقضية الكردية في تركيا بما يتناسب وسياسات حزب العدالة والتنمية في الداخل والخارج.
-    فتح الإقليم أمام المصالح التركية ومشاريعها الضخمة برغم خطورة ذلك على الإقليم مستقبلا. فقد عمدت تركيا الى تشجيع الاستثمارات التركية في المنطقة الكردية، وهناك أكثر من عشرة آلاف شركة تركية في الإقليم تقوم بتنفيذ سلسلة ضخمة من المشاريع الخدمية والبنية التحتية، وغير ذلك من المشاريع الاقتصادية والتجارية.
والأهم هو اتفاق أربيل وأنقرة على إقامة خط لتصدير النفط وآخر للغاز من إقليم كردستان إلى تركيا من دون موافقة بغداد. ومصلحة تركيا من كل ذلك تعزيز قوة سلطة أربيل إلى أن تصل الى الحد الذي يمكنها من سحب أربيل من قبضة بغداد وطهران.
أما إيران: فأكثر ما يقلقها هو توثيق مسعود البارزاني علاقاته مع تركيا، وإصراره على تنفيذ استفتاء عام في الإقليم بشأن تقرير المصير وإعلان الدولة الكردية في كردستان الجنوبية، ووجود قاعدة أميركية وأكثر من ثلاثين قنصلية وممثلية أجنبية في أربيل.
وتعتبر إيران أن وجود إقليم كردي موحد في ظل الوضع في العراق قد يكون مقراً ومرتكزا للنشاطات الأميركية والتواجد الإسرائيلي فيه، مما يسهل لـ"إسرائيل" الفرصة لمراقبة إيران.
وفيما يخص مصلحة أميركا فهي تريد العودة الى العراق من خلال بوابة أربيل ما يشير الى اهتمام أميركي بمستقبل إقليم كردستان (فضلا عن كونه غنيا بالنفط)، وذلك عبر إنشاء أكبر قنصلية لها في المنطقة. وستكون القنصلية غطاءً لمشاريع تديرها وزارة الدفاع والمخابرات المركزية الأميركية.
ولكن مسألة استقلال الإقليم ستكون صعبة في هذا الوقت، ولا يزال القادة الأكراد يتذكرون الخذلان الأميركي للحراك الكردي على مدى أكثر من نصف قرن، ولا يستبعدون تكراره في المرحلة الراهنة، والتضحية بهم على مذبح السياسة عند انقضاء الحاجة منهم.