2024-04-19 06:44 ص

معركة الحدود العراقية-السورية ترسم خريطة جديدة

2017-06-13
الوضع على الأرض السورية بات أسير الصراع بين مشاريع الوحدة والتقسيم .وقد اعتبر البعض ان اتفاق المناطق الآمنة يكرس “تقسيمات الأمر الواقع” وهي موزعة على خمس مناطق نفوذ دولية -إقليمية: “الساحل الروسي”  مركزه اللاذقية، و”الشمال التركي” مركزه إدلب، و”الشرق الأميركي” مركزه الحسكة، و”الوسط الإيراني” مركزه دمشق، و”الجنوب الأردني – الإسرائيلي” مركزه درعا.

لكن التطورات الاخيرة أعادت تعديل الأولويات:

– أولوية النظام السوري وحلفائه لم تعد “إدلب” وشمال سوريا، وإنما دير الزور وجنوب سوريا، وهي الطريق الى وحدة سوريا.

– وأولوية الأميركيين لم تعد معركة الرقة والشرق وإنما دير الزور والجنوب، وهي الطريق لتقسيم سوريا.

في الواقع، ثمة سباق إيراني – أميركي للسيطرة على الحدود السورية – العراقية والتحكم بممراتھا، ھذا السباق دخل بمعركة كبرى ھي الثانية من حيث حجمھا وضراوتھا بعد معركة حلب، لا بل تفوقھا في البعد الاستراتيجي، لأن معركة الحدود العراقية – السورية ھي معركة الخط الذي يوصل إيران الى بيروت عبر بغداد ودمشق. الأميركيون يريدون قطع ھذا الطريق الحيوي في إطار استراتيجية فصل سوريا عن العراق وإضعاف النفوذ الإيراني، والإيرانيون يريدون “فتح” ھذا الطريق الذي يضمن لھم وصول الإمدادات الى حلفائهم في سوريا ولبنان.

لذلك فإن “المعركة الحدودية” لا تقتصر على الجانب السوري من الحدود، وإنما تشمل الجانب العراقي أيضا، حيث انطلقت عمليات يقودھا “الحشد الشعبي” باتجاه منطقة القيروان، جنوب غرب تلعفر، في مرحلة ثانية لعملية تحت اسم “محمد رسول لله”، تھدف الى تطھير المناطق باتجاه البعاج، ومنھا نحو المناطق الحدودية مع سوريا.

ويرى محللون سياسيون أن الصراع مع إيران لم يعد في المرتبة الثانية في سلم الأولويات الأميركية بعد الحرب على “داعش”. وقد بات الھدفان في مسارين متوازيين معاً. والطريقة التي يدير فيھا الأميركيون وشركاؤھم في المنطقة معركة الرقة والحدود السورية – العراقية تسعى سلفاً إلى رسم خريطة ھذه الحدود.

فمع وصول معركة تحرير الموصل الى نھاياتھا، معركة تحرير الرقة انطلقت، الموصل ھي عاصمة تنظيم “داعش” في العراق، والرقة ھي عاصمة “داعش” في سوريا، ولها أهمية عسكرية واستراتيجية والمعركة فيھا صعبة نظرا لجغرافية المنطقة المفتوحة على محافظات الحسكة ودير الزور المفتوحة على العراق في الجنوب الشرقي، وغربا على محافظتي حماه وحمص، وشمالا باتجاه تركيا.

محوران يتقابلان في المثلث السوري – العراقي – الأردني، وصولا الى دير الزور والرقة. الأميركيون ومعھم حلفاؤھم الإقليميون بدؤا محاولة لترسيم حدود على شكل حزام يلف سوريا من مرتفعات الجولان جنوبا الى الحسكة في الشمال الشرقي. وفي المقابل، يسارع الروس الى تسھيل مھمة الإيرانيين في السيطرة على الحدود العراقية – السورية لفتح طريق “طھران – دمشق – بيروت” على مصراعيھا، وھذه مھمة ذات طبيعة استراتيجية حاسمة للحفاظ على الجسر الإيراني الى قلب المشرق العربي. ونتائج ھذا السباق بين محورين كبيرين سوف تحدد طبيعة الحل في سوريا، وكذلك طبيعة الوجود الإيراني في المنطقة للمرحلة المقبلة. والمعطى المستجد على الخريطة الإقليمية مصدره التغيير الحاسم في السياسة الأميركية التي باتت ترى في الاختراق الإيراني للمشرق العربي، ولا سيما في سوريا، تھديدا لأمنھا القومي.

مدير معھد المشرق للبحوث الاستراتيجية في بيروت الدكتور سامي نادر يقول: “أن  المعركة الأساسية اليوم، بعد تحرير الرقة، ھي للسيطرة على الوسط السوري المتصل بالحدود العراقية، وإن أبعاد معركة الرقة إقليمية، تماما كما أبعاد معركة الموصل التي تمثل عملية رسم الخريطة الجديدة في المنطقة. والأكراد سيكونون عنصرا أساسيا في معركة قطع طريق الحرير من إيران إلى سوريا. ولو لم يحصل الأكراد على الدعم الأميركي لما رفعوا السقف ضد الحشد الشعبي، وھو ما يظھر أن معركة ما بعد الرقة ھي معركة ضد التمدد الإيراني”.

معركة الرقة تكتسب أھمية كبيرة، فتحرير المدينة سيخلق معادلة جديدة في الجغرافية السورية، لعل من أھم معالمھا ولادة إقليم في شمال سوريا تحت سيطرة القوات الكردية يتبع استراتيجياً للنفوذ الأميركي المباشر، مقابل منطقة تمتد من حماة وسط البلاد وصولاً إلى العاصمة دمشق والساحل تحت سيطرة النظام وحليفيه الروسي والإيراني، ومنطقة في الشمال في شكل مثلث يمتد من جرابلس نحو الباب وأعزاز تحت سيطرة قوات “درع الفرات” برعاية مباشرة من تركيا، فيما تبقى منطقة في أقصى الشمالي الغربي أي محافظة إدلب تحت سيطرة الجماعات المسلحة.

يسعى ترامب الى إعادة بلاده إلى صدارة الموقف والفعل  والقوى الاخرى في المنطقة تسعى إلى مواجھة أھدافه

يسعى الرئيس ترامب الى إعادة بلاده إلى صدارة الموقف والفعل في رسم خريطة العلاقات والمصالح في الشرق الأوسط. ولكن القوى الاخرى في المنطقة تسعى إلى مواجھة أھداف ھذه المطامع. ويبدو ان ايران وتركيا وروسيا لا تريحھا الشراكة المتجددة بين الولايات المتحدة وحلفائھا التقليديين في الخليج. وأمام ھذا الواقع، يتسابق الجميع للحصول على دور في معركة الرقة، لا انطلاقاً من شعار محاربة “داعش” فحسب، بل لحسابات سياسية تتعلق بالأوراق التي سيمتلكھا الطرف المنتصر في معركة الحل السياسي. التطورات الاخيرة اظهرت ان المنطقة دخلت في تحولات جديدة تنذر بتحالفات جديدة سيحددها مسار المعارك الميدانية في سوريا والعراق بالاضافة الى تداعيات الخلافات القطرية السعودية والدور الاميركي الملتبس.
"العهد"