2024-04-20 04:53 م

هل أمريكا ربكم الأعلى يا دول الخليج؟

2017-06-22
بقلم: عميرة ايسر
منذ اندلاع الأزمة الخليجية وحتىَّ قبلها كنت أتابع السِّياسات الخليجية العامة والخارجية منها على وجه الخصوص وأحاول أن أقرأ ما بين السُّطور فيها لفك الشفرات المخفية بينَ طياتها والشيء الملاحظ هو أن كل الدول الخليجية وبدون استثناء تجعل على رأس أولويات سياساتها القومية إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية وتنفيذ إستراتيجيتها العسكرية والجيوسياسية حتىَّ ولو كان ذلك على حساب كرامة حكامها ومصالح دولهم القومية العليا فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز فواعل سياسية جديدة وتغيير في مسرح توازنات القوى الدولية التي تسطير على العالم بأفول الإمبراطوريات التقليدية كالروسية والألمانية والفرنسية والبريطانية وتحول العالم إلى القطبية الثنائية في ما عرف بمرحلة التوازن النوعي الاستراتيجي بين الرأسمالية والشيوعية كنظم سياسية واقتصادية والتي مثلتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر تاريخياً المعقل الرئيسي لنظام الرأسمالي على إثر تراجع الدور البريطاني وكذلك الاتحاد السوفيتي الذي كانت الثورة البلشفية سنة1917في روسيا الشرارة التي كونت العملاق السوفيتي وجعلته رقماً صعباً في المعادلات الدولية،وبعد سنة1971وهي السنة التي أعطت بريطانيا فيها الاستقلال لمشيخات الخليج العربي والتي كانت محميات بريطانية منذ نهاية القرن19وبداية القرن20ماعدا السعودية والتي أنشاها البريطانيون سنة1932وذلك حماية أكبر وأهم مناطق وحقول النفط في الشرق الأوسط وسلموا فيها الزعامة لآل سعود الذين كانوا سبباً مباشراً في فشل الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين وكذلك في التآمر على الدولة العثمانية وإنهاء وجودها في الشرق الأوسط في بدايات القرن المنصرم،ومنذ الانسحاب البريطاني كان لا بد من دخول واشنطن كلاعب وفاعل مؤثر في منطقة الخليج العربي التي اعتبر حكامها بأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ستكون المنقذ لهم والتي ستحافظ على بقاء ممالكهم وعروشهم في ظلِّ التجاذبات الإيديولوجية والسِّياسية المرحلية التي طبعت تلك الفترة الزمنية الممتدة من سنة1971-1990،فالولايات المتحدة الأمريكية ساندت كل الأنظمة الخليجية وإن بدرجات مختلفة وخاصة إبان الحرب العراقية الإيرانية أو ما يعرف بحرب الخليج الأولى والتي امتدت من سبتمبر1980إلى أغسطس1988والتي شهدت محاولات إيرانية لخلط الأوراق في المنطقة عن طريق استهداف السفن التجارية بالقرب من الموانئ الكويتية والسعودية رداً على دعم أنظمة الخليج لجيش العراقي آنذاك،وهذه الخطوة التي اعتبرتها أمريكا مساً بأمنها الحيوي في تلك المنطقة الطاقية الإستراتيجية لأمنها القومي فسارعت لإدانة تلك الهجمات واستصدار القرار الأممي رقم552الصادر في الفاتح من يونيو1984،بإدانة تلك الهجمات وحذَّر ريتشارد مارفي مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى وجنوب شرق آسيا وقتها الكونغرس الأمريكي من خطر استفحال تلك الحرب وامتداداتها في المنطقة وتهديدها لإمدادات النفط وأمن أصدقاء أمريكا المعتدلين بما فيهم دول الخليج العربي ولم تتردد الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها جورج شوتلر في عهد إدارة الرئيس رونالد ريغان سنة1987إلى التأكيد على حمايتها لدول الخليج بعد حرب الناقلات وارتفاع عدد الناقلات المحملة بالنفط والتي هاجمها الإيرانيون والمتجهة لدول الخليج لحوالي40ناقلة في تلك السنة،وبعد الغزو العراقي لكويت ودخول القوات العراقية إلى الكويت اتضحت الصورة أكثر لكل متابع لتطور العلاقات الأمريكية الخليجية إذ بعد حرب الخليج الثانية التي امتدت من17يناير إلى غاية28فبراير1991وتشكيل الولايات المتحدة لتحالف دولي ضمّ أكثر من34دولة لتحريرها اعتماداً على قرار مجلس الأمن رقم678ظهر جلياً السيطرة الكاملة لإدارة الأمريكية على دول الخليج العربي التي أجبرت على دفع أكثر من70مليار دولار في أقل التقديرات لواشنطن كفواتير أولية نظير تلك الحرب ومساهمتها الفعالة في إخراج القوات الأمريكية من الكويت ولم يقتصر الأمر على المقابل المادي فقد سمحت معظم دول الخليج بما فيها قطر والسعودية بإنشاء قواعد عسكرية أمريكية دائمة فوق أراضيها وذلك تنفيذاً لرؤية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارترسنة1980والتي تقضي باستعمال القواعد العسكرية وكل ما يلزم من أجل إحكام السيطرة عل نفط منطقة الشرق الأوسط وتلك القواعد العسكرية ليست إلا جزءً بسيطاً من القواعد الأمريكية المنتشرة عبر العالم والتي يلغ عددها حوالي800قاعدة لقوات الأمريكية بمختلف تشكيلاتها العسكرية. -وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان ومن ثم العراق سنة2003وانطلاق الطائرات الأمريكية من القواعد العسكرية لها في الخليج العربي وبموافقة حكامه بدآ واضحاً بأنَّ هذه الأنظمة الملكية المستبدة ليست إلا أدوات في يد الولايات المتحدة لتنفيذ استراتجياتها في المنطقة ولم تتحرك عندهم النخوة والحمية وحماية الأمن العربي المشترك والتي صدَّع هؤلاء بها رؤوسنا لعقود طوال،وحتىَّ عندما أعلن الرئيس جورج بوش الإبن ومن بعده دونالد رامسفيلد وزير دفاعه بأنَّ حربهم هي حرب مقدسة ضدَّ العراق وبأمر من الرب وبأننا ندخل عهداً جديداً من عهود الحروب الصليبية تحت عنوان الحرب على الإرهاب الإسلامي بقى حكام الخليج وخاصة في السعودية صامتين وكان على رؤوسهم الطير جاثياً ولم يكلف أحدٌ منهم عناء الردّ على ما قاله باعتبار أن شبه الجزيرة العربية هي مهبط الوحي وقلب الإسلام،بل هناك منهم من فعل المستحيل من أجل كسب ودِّ الرجل وصداقته،ووقعت دول الخليج آنذاك عقود تسليحية وصلت إلى مئات المليارات من الدولارات نتيجة السكوت على دعم تلك الدول للإرهاب وخاصة جماعة القاعدة والجماعات الإرهابية المرتبطة بها ولم يختلف الأمر كثيراَ في عهد إدارة أوباما والذي وظف هذه الدول لتمويل ما عرف بالثورات العربية والتي لم تؤدي إلى مزيد من الدمار والقتل وخاضت هذه الدول والجماعات الإرهابية المرتبطة بها في كل من مصر وسوريا وليبيا واليمن حروباً بالوكالة لإرضاء الرئيس الديمقراطي باراك أوباما قبل أن ينقلب السِّحر على الساحر فجأةً وتدور الرحى على عكس ما يشتهي شعيب ويشنُّ الرئيس في أشهر ولايته الأخيرة من عهدته الثانية هجوماً غير مسبوق على دول الخليج ويتهمها صراحة بدعم الإرهاب وفي تلك الفترة كانت العلاقات متوترة بينَ الطرفين ولكن كالعادة فعل الخليجيون كل ما طلب منه لنيل رضاه ولكنهم فشلوا في ذلك وبعد صعود الرئيس الجمهوري دونالد ترامب لسدَّة الحكم وتسلمه لزمام الأمور في البيت الأبيض وقد كان بادياً للعيان البراغماتية النفعية السِّياسية في تعامله مع تلك الدول ففي حملته الانتخابية وقبل أن يصبح رئيساً لأمريكا طالبها بدفع ثمن الحماية الأمريكية لها وبأن تخصصه له ميزانية سنوية تقدر بحوالي ربع دخلها وربما كان ترامب أفضل من هنري كيسنجر عندما طالب بعد حرب اكتوبر1973الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالاستيلاء على كامل ميزانية دول الخليج العربي ولا تعطي ملوكها وحكامها إلا مبلغ50ألف دولار شهرياً لاغي،فترامب بعد إقرار قانون جاستا لمحاسبة الدول والمنظمات التي تسببت أو دعمت هجمات11سبتمبر2011وعلى رأسها السعودية حسب القراءة الأمريكية الغربية وتعويض عائلات ضحايا تلك الهجمات بمبالغ فلكية سعى جاهداً لكي تدفع دول الخليج ثمن الهزائم الإستراتيجية الأمريكية وخسائرها الاقتصادية في حروبها العبثية في منطقة الشرق الأوسط فعلى أثر القمة الخليجية الإسلامية التي عقدت في الرياض بحضور حوالي54زعيم دولة عربية وإسلامية قامت الرياض بتوقيع عقود عسكرية واستثمارات آجلة وعاجلة لإصلاح البنية التحية الأمريكية المتهالكة بلغت قيمتها أكثر من450مليار دولار في أقل التقديرات،فدونالد ترامب وفي أطهر بقاع الأرض ووصف حماس وحزب الله وكل من يقاوم إسرائيل بالإرهاب وحتىَّ دعا إلى إسلام مميع وخال من مضامينه الروحية ومفاهيمه الأخلاقية العالية وبدل أن يتصدى له قادة دول الخليج وقفوا في صفِّه دائماً رغم انه وصف السعودية بعبارات مهينة ومنحطة في خطاباته السِّياسية وبأنها بقرة حلوب يجب ذبحها في الوقت المناسب طبعاً بعد الاستيلاء على كامل مواردها المالية والاقتصادية والطاقية. -ولأن ترامب رجل أعمال ومقاول سياسي عرف كيف يلعب على وتر الخلاف الإيراني الخليجي الحسَّاس فساند تلك الدول كلامياً ثمَّ أعلن الحرب الإعلامية والدبلوماسية فيما بينها وذلك لحصول على أكبر مقدار ممكن من أموال هذه الدول وابتزازها سياسياً ومالياً وهذا ما حصل فعلا إذ سارعت قطر التي تعاني حصاراً اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً غير مسبوق من طرف البحرين والإمارات والسعودية وبعض الدول العربية الدائرة في فلكها وتتهم بدعم الإرهاب هذه الدولة الخليجية الصغيرة وقعت عقوداً لاقتناء طائرات أف15وأف16الامريكية وصلت قيمتها لأكثرمن20مليار دولار فيما الشعب اليمني والسوري والليبي وقبله الفلسطيني منذ50سنة يعاني من الحصار والجوع والقتل والتدمير دون أن يرف لهؤلاء جفن أو يقدموا له ربع ما قدموه لأسيادهم في واشنطن من أموال،ليس غريباً في نظري هذه السِّياسية الإنبطاحية ولا هذا الذُّل والهوان الخليجي في مقابل السيطرة والاستعلاء الأمريكي ولكن الغريب هو أن تنقلب المفاهيم والقيم فتصبح إسرائيل التي تحتل الأرض والمقدسات صديقاً مخلصاً لها ولأشباه الرجال من الحكام العرب ومن يقاتلها ويتحداها ويطالب بإعادة كل شبر من أراضينا التي اغتصبتها إرهابياً دموياً،ولكن لا نستغرب شيئاً في هذا الزمن الأغبر الذي أصبح فيه العبد الأبق عن سيِّده ملكاً يهرف بما لا يعرف،ولا أعتقد بأنَّ الوضع سيتغير في المستقبل المنظور لأن دويلات الخليج لم تخلق إلا لتدمير الدول العربية الواحدة تلوى الأخرى وطبعاً لحماية إسرائيل ودعمها مالياً ونفطياً والاستمرار في لعق أحذية رؤساء دولة العام سام كالعادة.
*كاتب جزائري