2024-03-28 04:29 م

محمد بن سلمان حاكمًا مطيعًا لواشنطن

2017-06-22
لطيفة الحسيني 

صحّت التسريبات التي لطالما تداولت بها وسائل الإعلام الأجنبية والمغرّدين السعوديين حول قُرب تنصيب محمد بن سلمان على العرش السعودي. فجر اليوم، قرّر الملك سلمان بن عبد العزيز تعيين ابنه محمد في ولاية العهد عازلًا بشكل نهائي محمد بن نايف منها، ثمّ ما لبثت أن عرضت وسائل الإعلام مشاهد لابن سلمان وهو يقبّل يد سلفه، مع إعلانها أيضًا عن تمديد إجازة عيد الفطر وإعادة جميع البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين بأثر رجعي، بعد فترة من التقشّف طالت هؤلاء جميعًا.

منذ تولّيه مقاليد الحكم عام 2015، اتّخذ الملك سلمان عشرات الخطوات التي من شأنها تعزيز نفوذه وابنه في السلطة. حارب أولاد نايف بن عبد العزيز ونافسهم كثيرًا، حاصر صلاحياتهم وأوكل نجله عشرات المسؤوليات مستحدثًا له منصب وليّ وليّ العهد الذي لم تعرفه المملكة سابقًا، ليصبح وليّ العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع السعودي ورئيس الديوان الملكي المستشار الخاص للملك ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ومُطلق رؤية 2030  الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة شركة "أرامكو".

إعفاء محمد بن نايف أتى بعد أن أصدر الملك قبل يومين قرارات رأى فيها مراقبون أنها تتضمّن مزيدًا من التهميش لسلطته تمهيدًا لتنازله عن العرش لصالح ابنه. أبرز تلك الأوامر كان جعل هيئة التحقيق والادعاء العام بيد الملك حصرًا وفصلها عن بقية الجهات بعد تعديل اسمها الى النيابة العامة. وعليه، ترتبط هذه الجهة بالملك مباشرة الذي يتولى تعيين رئيسها النائب العام. كذلك أُعفي محمد بن فهد بن عبدالرحمن العبدالله العريني من منصبه في رئاسة هيئة التحقيق والادعاء العام، ليعيّن سعود بن عبدالله بن مبارك المعجب نائباً عاماً بمرتبة وزير.

القرارات الملكية كلّفت هيئة الخبراء بمجلس الوزراء والجهات ذات العلاقة بمراجعة نظام هيئة "التحقيق والادعاء العام"، ونظام الإجراءات الجزائية، بهدف ما قالت إنه يضمن للنيابة العامة مباشرة عملها بكل حياد  ودون تأثير من أي جهة كانت، ودون أن يسمح لأي أحد بالتدخل في عملها.
التشديد على استقلالية النباية العامة، وجعلها بيد الملك حصرًا، كان لها صداه عند المتابعين لخلاف الأسرة الحاكمة، وصراع المحمدين، إذ اعتبر المراقبون أن في القرارات الأخيرة تهميشًا واضحًا لمحمد بن نايف، وأن هذه الأوامر تأتي ضمن مسلسل سحب صلاحيات بن نايف وجعل نجل الملك أقرب الى كرسي العرش.

وعلى الرغم من تبرير الأمر الملكي بأنه خطوة إصلاحية جديدة للنظام العدلي في المملكة بحيث يكون مستقلًا تمامًا عن السلطة التنفيذية، إلّا أن المراقبين أكدوا أن هذه الأوامر تصبّ في سياق واحد، وهو تجريد بن نايف من آخر أوراق قوته وهي وزارة الداخلية.

كلّ القرارات الأخيرة تشير الى شيء واحد وهو تعزيز مكانة محمد بن سلمان في السلطة، لذلك لم يكن الإعفاء مفاجئًا ولاسيّما بعد سلسلة طويلة من التسريبات المتواصلة عمّا يحصل في كواليس الديوان الملكي والأسرة الحاكمة، فمحمد بن سلمان بات الحاكم الفعلي، خاصة أنه سبق وأن جرّد محمد بن نايف من مسؤولياته الأمنية ليستحوذ على أغلب صلاحيات وزارة الداخلية، وفق ما يقول مصدر سعودي خبير بشؤون المملكة.

المصدر يصف ما جرى بأنه تجاوز لكل أنظمة وأعراف العائلة الحاكمة وخرق لأنظمة هيئة البيعة، لذلك يستبعد ما حُكي عن تأييد أغلبية أعضاء هيئة البيعة لأنه لا يعبّر عن واقع السخط لدى الكثيرين من الأمراء جرّاء تصرفات الملك سلمان تجاه ابنه، ومنحه الكثير من الصلاحيات على الرغم من وجود أبناء الملك عبد العزيز مثل الأميرين مقرن وأحمد. 


ويشير المصدر الى أن الذي دفع الملك الى تسريع هذه الاجراءات بشكل متدحرج هو الهروب إلى الأمام، بعد الفشل في جميع الملفات التي أمسك بها محمد بن سلمان من العدوان على اليمن إلى الحصار على  قطر.

لم يعد ممكنًا القول بعد اليوم إن هناك جناحين في الحكم، بحسب المصدر، فالصراع بين المحمّدين انتهى وعليه أُغلق ملف صراع الأجنحة لأن جميع مقاليد الأمور باتت في يد محمد بن سلمان، إلّا إذا حدث تمرّد كامل من قبل أمراء آل سعود.

أمّا الفيديو المصوّر الذي نُشر أثناء تقبيل محمد بن سلمان يد ورجل محمد بن نايف ما هو إلاّ نفاق إعلامي، بحسب تقدير المصدر، خاصة أن ابن نايف ظهر متجهّم الوجه منكسرًا ذليلًا.

يربط المصدر السعودي ما حصل اليوم في المملكة بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة لها، وعليه، يجزم بأن محمد بن سلمان قدّم ثمن وصوله لولاية العهد منذ الزيارة الأولى التي قام بها لواشنطن، غير أن الصفقة الكبرى أبرمت في الرياض على أن يكون مطيعًا بارًّا لأسياده الأمريكيين.

من جهة ثانية، يستبعد المصدر حصول أيّ تغيير على صعيد أداء السلطة في العوامية المُحاصرة وما يتعرّض له ساكنوها هناك من تنكيل وانتهاك حقوقي وإنساني، على اعتبار أن وزير الداخلية الجديد هو حفيد الأمير نايف وبالتالي كل أمراء آل سعود هم في القمع سواء، ويتشاركون الحقد على أهالي المنطقة الشرقية.