2024-04-26 02:02 ص

تفكّك فسيفساء الخليج؟

2017-07-11
بقلم: موفق محادين
هذه المناطق الصحراوية، قبيل وخلال اكتشاف النفط فيها، شهدت نشاطات سياسية حزبية أيضاً، كان أبرزها حركة القوميين العرب، التي نشطت في السعودية والبحرين وعمان والكويت، اتهمت بتدبير انقلاب عسكري فاشل في السعودية، وبإشعال ثورات مسلحة في عمان، فضلا عن بناء خلايا وحلقات لها في أوساط طلبة الخليج الدارسين في الجامعة الأمريكية في بيروت وغيرها.
يتألف مجلس التعاون الخليجي من الدول التي وقعت إتفاقية الرياض 1981، وهي السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، عُمان، والكويت.
وكانت قد أعلنت جميعها كدول مستقلة في ظروف وأزمان مختلفة، فمن الدولة السعودية عبر حروب قبلية ومذهبية، ترافقت مع الاهتمام البريطاني والأمريكي بالنفط، وبترويض الحركة الوهابية بعد ترسيم الحدود ومعركة السبلة، الى ما كان يعرف بالمحميات البريطانية، التي تحولت الى مشيخات وإمارات نالت عضوية الجامعة العربية والأمم المتحدة.
والحق، أن هذه المناطق الصحراوية، قبيل وخلال اكتشاف النفط فيها، شهدت نشاطات سياسية حزبية أيضاً، كان أبرزها حركة القوميين العرب، التي نشطت في السعودية والبحرين وعمان والكويت، اتهمت بتدبير انقلاب عسكري فاشل في السعودية، وبإشعال ثورات مسلحة في عمان، فضلا عن بناء خلايا وحلقات لها في أوساط طلبة الخليج الدارسين في الجامعة الأمريكية في بيروت وغيرها.
وكان أبرز نجاحاتها تأسيس دولة اشتراكية في جنوب اليمن قبل إخفاق هذه التجربة، كما عرف الخليج نشاطا للشيوعيين وخاصة في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية.
وقد ظلت هذه المناطق أقرب الى فسيفساء قبلية ومذهبية وأقوامية متعددة، بسبب نقص المكونات الإجتماعية المعاصرة للدولة الحديثة وثقافتها، كما كان ملاحظا ارتباط كل منها بعائلة حاكمة بعينها.
فأكبرها، السعودية، تضم خارطة قبلية معقدة، أبرزها تحالفات عنزة في نجد ومنها القبيلة الحاكمة، وخاصة تحالف آل سعود مع آل الشيخ الوهابيين، وكذلك تحالفات قبائل شمر وعلى رأسها آل رشيد، التي خسرت نفوذها مع خسارة حليفها التركي في الحرب العالمية الأولى، وكذلك الأشراف الذين كانوا يحكمون الحجاز ويمثلونها في مجلس المبعوثان العثماني.
ومن التحالفات الاخرى تحالفات قبائل عسير بزعامة قبيلة الأدارسة (أبناء عمومة مع الحكم المغربي) وكانوا أيضا قد نسجوا تحالفات متبدلة مع الطليان والإنجليز قبل أن تتخلًّ بريطانيا عنهم.
أما على الصعيد المذهبي، بالإضافة للمذهب الحنبلي الواسع الانتشار في نجد، وهو مذهب تحالف آل سعود وآل الشيخ، هناك جماعات زيدية وشيعية في نجران، وأغلبية شيعية في الاحساء التي تضم أكبر مخزون للنفط في شبه الجزيرة العربية، كما يشكل الشيعة الأغلبية الساحقة من المذاهب في البحرين، التي باتت تعتمد على اقتصاد المصارف والسياحة السعودية، وفيها حركة نشطة من الإسلاميين واليساريين والليبراليين على حد سواء.
ومن مظاهر الفسيفساء الأخرى في الخليج انتشار الشافعية أيضاً باستثناء الخارطة العُمانية (أغلبية أباضية الى جانب التيارات الأخرى).
كما يلاحظ أن الغالبية الكبرى من سكان الإمارات وقطر، هم من العاملين العرب والآسيوين بالإضافة لجاليات إيرانية كبيرة. وتتهم العديد من دول التعاون الخليجي بانتهاكات لحقوق الإنسان والعمالة المنصوص عليها في الإتفاقيات والهيئات الدولية، ومنها اتهام المعارضة للحكومة في البحرين بالتجنيس الطائفي وسحب الجنسية من السكان الاصليين، وكذلك اتهام هيئات دولية لقطر في المسائل الخاصة بحقوق العمالة الوافدة.
في الجانب السياسي، لا تنكر دول مجلس التعاون الخليجي علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، بل هي تتنافس على تمتين هذه العلاقة وتوقيع مئات الإتفاقيات الإقتصادية و صفقات الأسلحة وإقامة قواعد ومحطات عسكرية، أمريكية وبريطانية على أراضيها.
وهناك من يرى الخليج من زاوية النفوذ المباشر وغير المباشر للشركات الأمريكية والبريطانية الكبرى، مثل شركات النفط والغاز المعروفة، ومثل الجيل الجديد من شركة الهند الشرقية، وهو الجيل المتعالق مع جنسيات متعددة، انجليزية وهندية وآسيوية، وينشط في قطاع الخدمات والبنوك والبورصة.
بيد أن كل هذه القواسم المشتركة لا تكفي، فدونها اعتبارات أخرى تغذي عوامل الصراع والتشاحن وربما الإنفجار الداخلي، ومن ذلك:
1- يذكرنا الصراع القديم على مناطق مثل (فشة الدبل)، و (واحة البريمي)، بين العديد من الأطراف الخليجية، بتداخل الثارات القبلية مع ترسيمات الحدود، كما رسمتها بريطانيا وتحولها الى اشتباكات بين الحين والآخر وفقا لأجندة محلية وخارجية، متشابكة مع دور ونفوذ الشركات وحقبها (بين حقبة النفط و حقبة الغاز القطرية).
2-  تداخل الصراعات والمصالح الاقليمية والدولية، وانعكاسها على هذه الدول. فمن الصراع البريطاني – الأمريكي في إطار مرحلة ملء الفراغ وخاصة مع اكتشاف النفط، إلى التشابكات الإقليمية والدولية الجديدة وخاصة مع إيران. 
وحيث تحتفظ سلطنة عمان وبدرجة أقل قطر ثم الإمارات بعلاقات اقتصادية قوية مع إيران، فإن السعودية لا ترحب بذلك، فيما تحاول الكويت، تحت ضغط الجغرافيا أن تأخذ موقفا أكثر اعتدالا، أما الإمارات فموقفها هو الأكثر تعقيدا بالنظر لوجود استثمارات لجالية إيرانية كبيرة فيها، وبالنظر الى علاقاتها القوية مع واشنطن ولندن وتوظيف الجزر الثلاث في التحريض ضد إيران.
 
3-  التجاذبات داخل كل مشيخة وإمارة ومملكة، وخاصة داخل العائلة الحاكمة نفسها، فما من دولة هناك غير محكومة بعائلة محددة لكل منها تجاذباتها الداخلية:
-   أزمة تغيير الوراثة من الأخوة الى الأبناء، وهو أمر متوقع مع تنامي نفوذ ولي العهد الجديد.
- التراث المعروف لقطر بالإنقلابات المتتالية للأبناء على الآباء.
 
- تجاذبات النفوذ بين ملك البحرين وولي عهده من جهة، وبين رئيس الحكومة.
 
-  رواسب التجاذب بين السلطة الزمنية (السلطنة) والإمامة الدينية في مسقط.
- التجاذبات المعروفة داخل الإمارات بين أبو ظبي ودبي والشارقة
 
-  التجاذبات المعروفة في الكويت.
 
4-  ثمة اعتبارات أيديولوجية لا يجوز التقليل من شأنها، وتتصل بنفوذ أنماط من جماعات الإسلام السياسي، ومنها:
النمط الأول، الثقافة الوهابية التي تنتشر جماهيريا في السعودية وفي أوساط واسعة في قطر والكويت، بل أن السعودية وقطر بقدر ما تنفيان علاقتهما بالوهابية المتشددة المصنفة كمصدر رئيسي للإرهاب، بقدر ما تتنافسان على التأصيل القبلي لعلاقة آل الشيخ (الوهابيين)، مع كل منهما.
أما النمط الثاني، فهو جماعة الإخوان المسلمين، التي بقدر ما تتعرض للملاحقة في الإمارات، بقدر ما تحظى بالدعم من قطر وكذلك من أوساط شعبية في الكويت والبحرين.
وليس بلا معنى، أن القوى الخليجية المنخرطة في ما يسمى التحالف العربي، كثيرا ما اصطدمت عسكريا فيما بينها على أرض اليمن نفسها.
ويشار هنا الى انشطار الشوافع في تعز وغيرها بين تيارات متعددة: عروبي متعدد التحالفات، واخواني تدعمه السعودية والكويت وقطر، وتيار ثالث تدعمه الإمارات.
 
5-  لا يمكن إنكار أوهام التنافس على الزعامة السياسية للخليج ومحاولة كل منها تقديم أوراق الإعتماد اللازمة للقوى الدولية المعنية لهذه التجاذبات.
وتنحصر هذه الأوهام بين السعودية وقطر والإمارات، حيث تتمتع ثلاثتها بقدرات اقتصادية متشابهة تقريبا وبالتحالفات الدولية نفسها، وتبدو الإمارات هي الأكثر حظا في المستقبل.  فمقابل البيئة الموضوعية الحاضنة لثقافة الإرهاب في السعودية وقطر، فإن الامارات تعلن موقفا واضحا من هذه البيئة، وتتمتع بعلاقات أقوى مع دول وقوى مثل مصر والأردن وحفتر.
 
6-  ثمة عومل قد يزيد وزنها السياسي لاحقا وتغذي مناخات التمزق والتفسخ وربما الإنهيار الكلي لمجلس التعاون، ومنها:
-  سيناريو دولي لتجنيس ملايين الآسيويين، ودمجهم في بنية السلطات نفسها، تماما كما حدث في سنغافورة، حيث انتهت هذه الجزيرة تحت سيطرة المجنّسين.
 
-   شمول دول المجلس بسيناريوهات التمزيق والتقسيم الأمريكية – الصهيونية، كما وردت في مشاريع برنار لويس وتشارنسكي وبيريز وأوديد أونيون، وهي المشاريع التي تترافق أيضا مع حديث متزايد لنهب استثمارات وأموال الخليج في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة.
ويشار هنا الى أن أول زيارة للرئيس الأمريكي السابق، أوباما، بعد انتخابه كانت الى الشرق الأوسط والى القاهرة تحديدا، حيث أطلق من هناك شرارة الفوضى الهدامة أو ما يعرف بالربيع العربي. وقد تكون زيارة ترامب الى الرياض بداية العد العكسي لشرارة النار في الخليج، الثارات والتفكيك والتجنيس.
 
أخيراً، هناك النزاع السعودي ــ الإماراتي ــ البحريني مع قطر، وهو نزاع لا يتعلق بموقف بعينه من دعم الجماعات الأصولية، فالسعودية وقطر لاتختلفان كثيرا في هذا الموضوع.
والأدق القول أنه نزاع تغذيه المنافسات الداخلية والخارجية والثارات القبلية من جهة، والشحن الأمريكي لكل ذلك من جهة أخرى، وذلك في إطار سياسات الإحتواء الامريكي المزدوج واللعب مع الجميع وتصعيد الحروب والأزمات، بما يخدم تجار الأسلحة والمجمع الصناعي الحربي الذي أوصل ترامب الى البيت الابيض، كما أوصل قبله ريغان وإدارته التي تميزت بتصعيد دولي غير مسبوق. 
* كاتب ومحلل سياسي اردني