2024-03-28 02:48 م

هل للأحلام الكردية أفقٌ من دون الإقليم؟

2017-07-15
بقلم: موفق محادين*
ينتشر الكرد على مساحة واسعة في الشرق الأوسط، أكبرها في تركيا ثم العراق ثم إيران وسوريا، وينتسبون إلى آرومات قومية مُتداخِلة مع القوميات الأخرى في جذورها الإثنية وفي تاريخها، وخاصةً العرب والتُرك والشعوب الإيرانية، فيما يُفضّل المُتعصّبون منهم الحديث عن آرومة هندية – آريّة.
وكما كل شعوب المنطقة، يتوزّعون على كل المذاهب والأديان، من أهل السنّة إلى الشيعة، إلى الأزيدية والمسيحية واليهودية، كما ينتمي ملايين الأكراد في تركيا إلى المذهب العَلَوي، ومنهم عبدالله أوجلان، مؤسّس وزعيم حزب العُمّال الكردستاني في تركيا والمعروف بـ "آبو".
كما يتوزّعون سياسياً على تيّارات وآيديولوجيات شتّى، من الوطنية إلى القومية إلى اليسار والإسلام السياسي، والمُلاحَظ هنا تشابُك بعض الإنتماءات السياسية مع الخصائص الجغرافية المحليّة، إن صحّ التعبير.
فالقوى الأساسية في كردستان العراق تنحصرُ في حزبين كبيرين، وذلك بالإضافة إلى نشاط واسع سابق للحزب الشيوعي العراقي في أوساطهم، كما يُلاحَظ أن الحزبين المذكورين يتقاسمان النفوذ في مناطق خاصة بكل منهما، وهي منطقة أربيل التي ينتشر فيها الحزب الديموقراطي الذي أسّسه الملّا مصطفى البرزاني ووريثه نجله مسعود، فيما ينتشر حزب الإتحاد الوطني الذي أسّسه جلال الطالباني في منطقة السليمانية.
أما في تركيا فالحزب الأكثر نفوذاً وسط ملايين الأكراد، فهو حزب العُمّال الكردستاني الذي أسّسه عبدالله أوجلان سنه 1978، وتخرّجت أفواجه العسكرية الأولى من مُعسكرات المقاومة الفلسطينية في سوريا ولبنان، حيث استشهد العشرات منهم ومن الجيش الأرمني السرّي المُعارِض لتركيا أيضاً، خلال مشاركتهم مع المقاومة بالتصدّي للعدوان الصهيوني عام 1982 وخاصة في معركة قلعة الشقيف.
إلى ذلك، وفي ما يخصّ سوريا فقد كان الحضور السياسي للأكراد السوريين بارزاً، عبر الحزب الشيوعي السوري وقائده التاريخي الكردي الراحل، خالد بكداش، كما عبر رموز وتيّارات إسلاميه (سنّية) مُقرّبة من الحُكم في دمشق، مثل تيّار الشيخ الشهيد، البوطي وتيّارات أخرى كان على رأسها شيوخ مثل كفتارو وشيخو.
كما كان للأحزاب الكردية خارج سوريا نشاطات مُتزايدة بين أكراد الشريط الحدودي مع العراق وتركيا، وذلك قبل أن توفِّر الأزمة السورية مناخات أوسع لهذه الأحزاب، ومنها ما يُعرَف بوحدات الحماية الكردية وقوات سوريا الديموقراطية.
 
 
بالمُجمَل، عاش الأكراد في الوسط العربي كجزء لا يتجزّأ من هذا الوسط وثقافته ومصالحه وتركيبته، ومن ذلك:
1-    بالإضافة إلى البُعد التاريخي المعروف للعائلة الكردية الأيّوبيّة بزعامة صلاح الدين، فقد جعل العرب من شاعرنصفه كردي، هو أحمد شوقي أميراً لشعرهم وهم أمّة الشعر، ومن محمّد كرد علي أميراً لبيانهم وهم أمّة البيان، فضلاً عن أدباء ومُفكّرين معروفين مثل الجواهري والعقّاد وقاسم أمين.
2-    إن الضبّاط الأكراد في الجيشين العراقي والسوري، هم مَن دشّن الانقلابات العسكرية في الحياة السياسية العربية، ومنهم بكر صدقي الذي قاد أول انقلاب عسكري في الوطن العربي، وحسني الزعيم في سوريا.
3-    دور الأكراد في تشكيل العديد من الحكومات العربية، مثل محمود الأيوبي في سوريا، وبابان في العراق، وسعد جمعة في الأردن.
4-    من الصعب الحديث عن الحركة الشيوعية في سوريا والعراق من دون الحديث عن الأكراد ودورهم فيها.
 
أثمان الاستقلال بعيداً عن حركة التحرّر في الإقليم
من بين الجماعات العربية التي حُرِمَت من تشكيل كيان خاص بها على غِرار بقيّة الكيانات القُطريّة، كان الفلسطينيون الأقرب إلى الحال الكردية، في حِرمانها وفي أوهامها.
وفي الحقيقة كان الأكراد سبّاقين في هذه الأوهام بُعَيد الحرب العالمية الأولى، فبعد هزيمة تركيا في هذه الحرب أُجبِرت على توقيع إتفاقية سيفر 1920، التي أعطت الأكراد والأرمن حقّ الإعلان عن حُكمٍ ذاتي على أراضيهم التاريخية التي كانت تحتلها تركيا وخاصة في الأناضول وديار بكر.
لكن الزعامة التركية العلمانية آنذاك بزعامة مصطفى كمال أتاتورك، تمكّنت بفضل التدخّل العسكري الروسي بعد الثورة الإشتراكية، من إجبار المُستعمرين الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) على استبدال اتفاقية سيفر باتفاقية لوزان 1923، التي شطبت الحقوق التاريخيه للأكراد والأرمن، وكان ذلك أول درس تعلّمه الأكراد من وعود المُستعمرين وتوظيفهم المجاني لهم.
في المرة الثانية، وبُعَيد الحرب العالمية الثانية عاد الأكراد إلى أوهامهم، وقد شاركهم الفلسطينيون أوهاماً مُماثِلة، فأعلن الأكراد عن جمهورية كردية في مهاباد شمال إيران، وأعلن الفلسطينيون بزعامة الحاج أمين الحُسيني حكومة عموم فلسطين في غزّة برئاسة حلمي باشا المُقرَّب من الملك فاروق في مصر.
بَيد أن الظروف الدولية سرعان ما تكالبت على الطرفين، وانتهى المشروعان، الكردي والفلسطيني، ضمن صفقات إقليمية ودولية معروفة.
هكذا، وبالرغم من إدراك أوساط كردية وفلسطينية أن استقلال الشعبين مرتبط بتغيير ميزان القوى على مستوى الإقليم، وبانتصار حركة التحرّر في عموم المنطقة، إلا أن اليمين الكردي والفلسطيني ومعه أوساط يسارية وإسلاموية ظلّ يُغذّي الأوهام بالاستقلال، اعتماداً على القوى الأطلسية والإمبريالية، وهو يُدرِك كل الإدراك الآفاق المسدودة لأشكال مثل أوسلو الفلسطينية وأخواتها الكردية.
والخطير أو المُشتَرك الجديد بين الأوهام المذكورة عند الطرفين يتعدّى التوظيف الأطلسي هنا وهناك، إلى دخول العدو الصهيوني على هذه الأوهام، ضمن الإسم المُستَعار لما يُسمَّى إسرائيل الكُبرى، وهو كونفدرالية الأراضي المُقدَّسة، الذي يدعو لمرحلة هذه الكونفدرالية على دفعات، تضمّ الأردن والضفة الغربية بالإضافة إلى كيانٍ كردي، يُعيد إحياء خط كركوك حيفا النفطي ويلعب دور البافرستيت العازِل بين سوريا والعراق وإيران.
وليس بلا معنى أن المشروع الكردي المُتداوَل، يُركّز على الشريط الحدودي السوري العراقي، وموقع أربيل فيه، حيث تحظى حكومة الإقليم هناك، بعلاقات قوية مع تركيا وتل أبيب في الوقت نفسه.
 
مُقارنة مع التجارب السابقة، فإن ما يُغذّي هذه الأوهام هو المشروع الأميركي الصهيوني لتمزيق المنطقة، واستنزاف القوى الإقليمية الصاعِدة فيها، وحصر النفوذ الإقليمي بالكيان الصهيوني، واستخدام الأكراد لهذه الغاية، بَيد أن هذه الحِسبة تصطدم بوقائع ومُعطيات موضوعية وسياسية، منها:
1-    التجربة السابقة التي أظهرت الدور الوظيفي العابِر والمؤقت للأكراد في حِسبة القوى الدولية المعنية، من بريطانيا وفرنسا إلى الولايات المتحدة، فما أن تستنزف هذه الوظيفة حتى تدير ظهرها للأكراد وتتركهم لمصيرهم الذي يتكرّر في كل مرة.
2-    توافق القوى الإقليمية على طيّ الورقة الكردية كلما أبدى الأكراد نزعات انفصالية هنا وهناك، لا سيما وأن هذه النزعات تختلط بالصراع على الموارد والجغرافيا السياسية.
وحتى تركيا التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع كردستان العراق بزعامة البرزاني، تُدرِك حدود هذه العلاقات ومخاطر تحوّلها إلى دولة مُستقلّة، بالنظر إلى أن تركيا بالذات تحتفظ بالعدد الأكبر من الأكراد، والمساحة الأوسع من أراضيهم التاريخية، كما بوجود أكبر حزب كردي مُسلّح في المنطقة.
 
المصدر: الميادين نت

* كاتب ومحلل سياسي أردني