2024-04-19 02:51 ص

فنزويلا ما زالت في عين العاصفة الامريكية

2017-08-04
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
أجراء الانتخابات للجمعية التأسيسية الوطنية في فنزويلا والتي ستأخذ على عاتقها كتابة أو إجراء التعديلات على الدستور المعمول به حاليا ونجاحها شكل ضربة قوية للولايات المتحدة التي عملت أجهزتها الاستخبارية ومن خلال عملائها داخل البلد لمنع حدوث الانتخابات لمعرفتها المسبقة بأن احتمال نجاحها أكبر بكثير من فشلها. واستخدمت الإدارة الامريكية الضغوط الاقتصادية الى جانب المسيرات الشبابية في العاصمة كاراكاس مستخدمة العنف ومهاجمة الدوائر والمؤسسات الحكومية والاشتباك مع قوات الشرطة ومكافحة الشغب. وكذلك الدعوة الى الاضراب العام لشل الحركة في العاصمة والبلاد لخلق نوع من الفوضى وتبيان أن الحكومة قد فقدت السيطرة على الشارع والذي كان من الممكن أن يتبع بسقوط الحكومة وتولي المعارضة للحكم بثورة ملونة على غرار ما حدث في أوكرانيا أو جورجيا على سبيل المثال. وكانت المعارضة وبتشجيع من الولايات المتحدة قد شكلت حكومة موازية لتسلم السلطة فيما إذا نجحت في إسقاط حكومة مادورو وإذا فشلت محاولاتها فإن هذه الحكومة الموازية يمكنها ان تطلب الدعم المادي والتأييد والاعتراف الدولي بها كحكومة شرعية للبلاد ومدها بالسلاح كما ورد في مقال في نيويورك تايمز 26 أيلول الماضي على لسان مكتب واشنطن لأمريكا اللاتينية الذي كان منخرطا في الانقلاب الذي حدث في هندوراس على أيام هيلاري كلينتون عام 2009 ( واشنطن بوست 19 ابريل 2016) وهو ما اعترفت به هيلاري كلينتون في احدى مقابلاتها التلفزيونية. ولكن كل هذه المحاولات للتخريب على عملية الانتخابات أو إحداث ثورة ملونة باءت بالفشل وهذا يعود ربما لعدة أسباب. منها الدعم الشعبي الذي تحظى به الحكومة في الأرياف والقرى وفي أوساط الطبقة الفقيرة وهي الطبقات المسحوقة في المجتمع الفنزويلي التي حرمت على مدى عقود من نصيبها من ثروات البلاد الا أن تولى الرئيس شافيز الرئاسة عام 1999 عندما نجح في الانتخابات في البلاد. وجاء مادورو الرئيس الحالي ليكمل المسار الشافيزي والثورة البوليفارية بعد وفاة شافيز بعد صراع مع داء السرطان. الى جانب هذا إن الجيش الفنزويلي والذي في معظمه بني من الطبقة المحرومة والفقراء بقي منحازا الى الحكومة والرئيس مادورو وأعلن ذلك صراحة دون مواربة وبالتالي فان عملية تغيير الأنظمة عن طريق الانقلابات العسكرية التي اتبعت من قبل أجهزة المخابرات المركزية الامريكية في العهود السابقة كما حدث في تشيلي عام 1973 عندما اسقطت حكومة سلفادور اليندي لم تكن لتنجح في فنزويلا. الى جانب ذلك فشلت الدعوات التي أطلقتها المعارضة للإضراب العام في البلاد. فلقد اقتصرت هذه الإضرابات على الجانب الشرقي من العاصمة الذي تقطنه الطبقة الغنية ورجال الاعمال وحتى هنا لم يكن الاضراب كاملا، بينما المنطقة الغربية من البلاد والعاصمة التي يقطنها أغلبية الطبقات الفقيرة لم تعر دعوات المعارضة للإضراب العام أية أهمية وأهملته. وما يجب أن يشار اليه هنا أن محاولة اسقاط الحكومة الفنزويلية هذه ليست بالمحاولة الأولى. فمنذ عام 1999 ومجيء شافيز الذي انتهج سياسة معادية للإمبريالية الامريكية وتسلطها وهيمنتها وخاصة على دول أمريكا اللاتينية ولعب دورا مميزا في هذا النهج لم تتوقف الإدارات الامريكية المتعاقبة ومن خلال أجهزة المخابرات المركزية الامريكية على العمل على اسقاط حكومته الى أن نجحت عام 2002 ولكن الانقلاب الذي أطاح به سرعان ما فشل عندما عمت شوارع كاراكاس المظاهرات الشعبية المطالبة بعودته وانحياز القوات المسلحة له وعاد بعد أيام فقط من عملية اعتقاله. بعد ذلك عمدت الولايات المتحدة الى سبل أخرى في محاولة "تغير النظام" وذلك من خلال بناء شبكة من المنظمات الغير حكومية ودعم المعارضة ماديا وإعلاميا على أمل أن تستثمر ذلك عندما يحين الوقت كما حدث مؤخرا في أوكرانيا. أما الان وقد فشلت السبل المتبعة من المعارضة وبدعم كامل من الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخبارية فان ما يجب ادراكه أن هذا وان شكل انتصارا للمسحوقين في فنزويلا فإن المحاولات الامريكية لإسقاط النظام في فنزويلا لن تنقطع. ومن الممكن ان يقوم سي أي ايه في المستقبل القريب بتزويد المعارضة بالسلاح –هذا إذا ما لم يكن قد تم سابقا - عن طريق الدول المحيطة بفنزويلا وإدخال المرتزقة الى البلد مما قد يغرق البلاد في حرب أهلية دموية وخاصة مع الانقسام العمودي والافقي الذي تشهده البلاد. ولا نستبعد نشاط فرق الموت الدموية للعمل على الأراضي الفنزويلية التي تكون قد تدربت على ايدي أمريكية وقد سبق أن استخدمت مثل هذه الفرق في نيكاراغوا وتشيلي وهندوراس وغيرها من دول أمريكا اللاتينية أسئل عن نيغروبونتي الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في هندوراس في الثمانينات من القرن الماضي. الولايات المتحدة ستعمل بكل جهودها لإجهاض الثورة البوليفارية والارث الشافيزي وتداعياته وتأثيره على ساحة أمريكا اللاتينية التي ما زالت تعتبرها حديقتها الخلفية وإن تكن قد أهملتها لفترة وجيزة لانشغالها وانغماسها في بؤر أخرى في العالم. وما زالت تأمل بأن تنجح في فنزويلا كما نجحت مؤخرا في البرازيل الى حد كبير بإزاحة حكومة معادية للمصالح الامريكية. ولا شك ان الاحتياط النفطي الهائل لفنزويلا والاستثمارات في هذا المجال من قبل شركات الطاقة الامريكية والمليارات التي يمكن أن تحصل عليها هو عامل أساسي أيضا في المحاولات الامريكية لإعادة فنزويلا الى المظلة الامريكية. التجربة الفنزويلية كما هي التجربة البرازيلية وربما غيرها في أمريكا اللاتينية تشير وتؤكد بشكل واضح ان الاوليغاركية ( الطبقة الغنية وكبار رجال الاعمال والطبقة السياسة الفاسدة) التي كانت تمتلك ثروات ومقدرات البلاد بالرغم من أنها لم تشكل في العديد من دول أمريكا اللاتينية أكثر من ربما 1% من السكان والتي تحالفت مع أعتى الديكتاتوريات المجرمة لا يمكنها ان تتقبل أية تحولات ديمقراطية في هذه الدول لان ذلك سيجردها من الجزء الأكبر من مصالحها الاقتصادية وامتيازاتها التي كانت تحظى. وربما ما حدث في البرازيل وما يحدث الان في فنزويلا خير دليل على ذلك ومن ثم فإنه من الضروري عدم مهادنة هذه الطبقة الطفيلية لأنها ستنتهز أية فرصة للانقضاض على اية حكومة وطنية حتى لو كانت منتخبة.