2024-04-19 12:24 م

البيت الابيض يحضّر لأزمة شاملة وعميقة بين الصين واميركا

2017-08-15
صوفيا ـ جورج حداد

أعلنت كوريا الشمالية الشهر الماضي عن اجراء تجربة ناجحة لصاروخ باليستي قادر على تجاوز حاجزالعشرة آلاف كلم، وهذا يعني ان كل الشواطئ الاميركية اصبحت تحت رحمة الصواريخ النووية الكورية الشمالية، وانه فيما اذا نشبت الحرب بين الكوريتين، فإن واشنطن لم تعد "حرّة" في التدخل ضد بيونغ يانغ، خشية أن تصبح معرضة لضرباتها النووية.. وقد بدأت كوريا الشمالية بصناعة هذا الصاروخ "الخاص باميركا" وتزويده بالرؤوس النووية استعدادا لساعة الصفر، ويقول بعض المحللين الموضوعيين انه من الطبيعي منذ الان ان تطلب كوريا الشمالية رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وكذلك طلب التعويضات من اميركا وحلفائها على ما سببته تلك العقوبات من اضرار للاقتصاد الكوري الشمالي.. وهذا يعني عمليا أن كوريا الشمالية ستستفيد من رفع العقوبات الاقتصادية من قبل اميركا والكتلة الغربية لتمويل برنامجها لبناء الصواريخ الباليستية المحملة بالقنابل النووية والموجهة الى واشنطن وحلفائها.

ومع ان الصين تعارض شكليا، رسميا وعلنيا، البرنامج الصاروخي ـ النووي لكوريا الشمالية، الا ان اميركا مصابة بخيبة امل من الموقف الصيني، وتعتبر ان المشروع الكوري الشمالي ما هو في جوهره سوى مشروع دولي سرّي صيني ـ كوري شمالي، ويحظى بالدعم التام العلمي والتكنولوجي من قبل روسيا، وهو ما يتيح وضع اميركا تحت رحمة الضربة النووية، مع "تبرئة ذمة" روسيا والصين والقاء المسؤولية على كوريا الشمالية.  

وخلافا للتصاريح الاميركية الشكلية حول التقارب مع الصين، تزمع ادارة ترامب تطبيق برنامج عقوبات اقتصادية ضدها، ولهذه الغاية فإن كبير مستشاري الرئيس الامريكي يعمل سرا للتحضير لسلة عقوبات اقصادية ضد بكين، وستشمل قيودا تجارية وفرض كوتا على استيراد الفولاذ الصيني ورفع الجمارك عليه، وغير ذلك من الاجراءات الناشئة عن عدم الرضا الاميركي عن موقف الصين من البرنامج الصاروخي ـ النووي الكوري الشمالي الموجه ضد اميركا.
وترى واشنطن ان الصين تعمل "القليل جدا" لمنع كوريا الشمالية من تنفيذ مشروعها النووي ـ الصاروخي، وكما تلاحظ جريدة Politico فإن ادارة ترامب لا ترى ان الصين تنوي مساعدة اميركا للوقوف بوجه المشروع النووي ـ الصاروخي الكوري الشمالي.

ولا بد من الملاحظة ان انصار الخط المتشدد في البيت الابيض، ومنهم المستشار السياسي للرئيس ستيفين ميللران والاستراتيجي الرئيسي ستيفين بينون والمستشار التجاري بيتر نافارو، جميعم يحرّضون ترامب على اتخاذ موقف اكثر تشددا ضد الصين.

وقد بحث هؤلاء المستشارون المسائل التجارية طوال شهور، ووجد ترامب انه بالامكان اتخاذ اجراءات عقابية تشمل تخفيض كوتا الاستيراد وزيادة ضريبة الاستيراد، ومنذ أمد وجيز صرح ترامب لجريدة Wall Street Journal، انه لا يريد التعجيل في اتخاذ الاجراءات العقابية، وان وزارة التجارة لا تزال تقوم بدراساتها.
وكما هو متوقع سيتم التحجج بمصالح الامن القومي من اجل تبريرالحد من الاستيراد.

وكانت جريدة "نيزافيسيمايا غازيتا" الالكترونية الروسية قد نشرت بتاريخ 31-07-2017 ان ترامب غرد في تويتر قائلا ان القادة الاميركيين السابقين سمحوا للقادة الصينيين بتحقيق ارباح من اميركا بقيمة 100 مليار دولار سنويا، دون ان يفعلوا شيئا لاميركا في مسألة كوريا الشمالية سوى اجراء بعض المحادثات، ووعد الرئيس بأنه سيضع حدا لذلك.

الممثلة الدائمة للولايات التحدة في الامم المتحدة نيكي هايلي فهمت هذه الكلمات على انها توجيه للعمل، وان وقت المحادثات قد انتهى وعلى الصين ان تجبر كوريا الشمالية ان تنفذ قرارات الامم المتحدة، ويستفاد من هذا التصريح لهايلي ان الولايات المتحدة لن تصرعلى اصدار قرارات جديدة من مجلس الامن حول كوريا الشمالية، فهي تبدو عديمة الفائدة: فكوريا الشمالية تخرق تلك القرارت دون ان تتحمل اية عقوبات، وعلى واشنطن ان تهز قبضة الامم المتحدة، والشروع في العملية العسكرية التي يمكن ان تؤدي الى فقدان مئات ألوف البشر لحياتهم، وحتى لو لم تكن مستعدة بعد لذلك، فإن هذه الوسيلة هي بين يديها. وحسب معلومات بي بي سي، فقد سبق وجرت محادثات حول امكانية القضاء على قيادة كوريا الشمالية، اي تصفية كيم جونغ اون.
ويقول جون نيلسون رايت، المتعاون القديم  مع بنك الادمغة  Chatham House في لندن، انه حتى لو نجحت مثل هذه العملية، فليس من المعلوم من سيأتي بدلا عن كيم، وإن نخبة كوريا الشمالية لديها مصلحة انتهازية في نجاة حكومة كيم ولا توجد معارضة سياسية.

يبقى الامل في استخدام الضغط الاقتصادي، الذي يمكن ان يسبب وجعا حقيقيا لكوريا الشمالية، وهنا تلعب الصين دورا رئيسيا، وحسبما يقول الخبراء في الغرب، فإن على اليابان وكوريا الجنوبية توجبه ضربة الى الوسيط الذي ينفخ الحياة في الاقتصاد الكوري الشمالي، والمقصود اولا البنوك الصينية، ثم الشركات الصينية التي تزود كوريا الشمالية بالنفط.

وقد نشرت رويترز انه في نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي فإن عملاق النفط الصيني اوقف موقتا بيع النفط الى بيونغ يانغ، والحقيقة ان الصينيين انطلقوا بهذا القرار من اعتبارات اقتصادية وليس سياسية لاتخاذ هذه الخطوة، وفي هذا الوقت كانت الولايات المتحدة تفرض العقوبات على البنك الصيني، بتهمة غسيل اموال لكوريا الشمالية.

ولكن الصين، كما يقول الخبير رايت، لا ترغب بأن تقوم بأي شيء يمكنه ان يؤدي الى زعزعة الاستقرار في نظام بيونغ يانغ، لأن النتيجة ستكون بداية مرحلة من الفوضى على الحدود الصينية.

هذا الموقف الصيني معروف تماما لدى القيادة الاميركية، ولكن يبدو ان هذه القيادة تنظر الى الصين نظرة استصغار، وانه يمكن التأثير عليها بالعقوبات الاقتصادية لاجبارها على تغيير مواقفها الاساسية.

فهل ترضخ الصين لهذا الدلع الاميركي ام تردّ على اميركا ردا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا مزلزلا تفقد اميركا معه مرة والى الابد دورها كدولة عظمى!