2024-04-19 06:44 ص

المواقف من القدس والقضية الفلسطينية أردنياً وعربياً (2)

2017-09-02
بقلم : عبدالحميد الهمشري 
الأرض الفلسطينية ممتدة ما بين سيناء المصرية وسوريا ولبنان وشرق الأردن وهي حجر الرحى بالنسبة للأطماع الغربية ، ازداد الاهتمام بها لكي تكون دولة عازلة بين دول آسيا العربية والأفريقية خاصة بعد شق قناة السويس ، التي دفع المصريون ثمناً لافتتاحها عام 1869 " 100 ألف شهيد غرقاً " وقدموا ذات العدد من الشهداء وفق ما أعلن عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في صراعهم مع العدو الصهيوني ، فقررت كل من بريطانيا وفرنسا القوتين العظميين آنذاك في سبيل تأمين الملاحة البحرية فيها العمل على تحقيق الرغبة الاستعمارية وأطماع الحركة الصهيونية لأن تكون فلسطين وطناً قوميا ً لليهود يقدم لهم فيها كل أسباب القوة لكي تمنحهم اليد الطولى والسيطرة على دول المنطقة قاطبة وللحؤول دون وحدتها وتطورها أي الأقطار العربية لتبقى قناة السويس تحت السيطرة الغربية الصهيونية دون أن يتمكن العرب من فرض إرادتهم الكاملة عليها. ويمكن القول أن لفلسطين وبيت المقدس مكانة راسخة في الضمير العربي بشكل عام والضمير الأردني خاصة ، فالأردن لم يتردد ولم يهن أمام التحديات وخاض المعارك للدفاع عن فلسطين وأرضها الطاهرة بكل ما يستطيع وذلك انطلاقاً مما أعلن عنه الشريف الحسين بن علي مطلق الرصاصة الأولى للثورة العربية الكبرى عندما أعلن في أكثر من مناسبة ان الخطر الصهيوني لا يهدد عروبة فلسطين وحدها فحسب وانما يمتد تهديده ليشمل الأمة العربية بأسرها. حيث أخلَّت بريطانيا بعهودها معه بمنح العرب في المشرق العربي الاستقلال عن الدولة العثمانية وإقامة مملكتهم العروبية فيها بمنح اليهود وعداً من بلفور بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين حيث جرى نفيه إلى قبرص نتيجة رفضه الشديد لذلك الوعد المشؤوم ودفاعه المستميت عن فلسطين والتمسك بعروبتها وإسلاميتها وبالأخص القدس والأماكن المقدسة فيها والتي كانت محوراً هاماً في مراسلاته مع مكماهون، وكانت بالنسبة إليه تمثل قضية حياة او موت فكان أن نفي إلى قبرص نتيجة هذا الموقف الثابت والصلب فالقضية الفلسطينية شكلت أولوية ونقطة أساس في مستقبل المملكة العربية التي كان الحسين بن علي يسعى لإقامتها، فكان يعي جيداً أن القضية الفلسطينية والقدس هما حجر الأساس في بناء الدولة العربية القومية في تلك الفترة وهذه تعارضت مع المخططات والأطماع الاستعمارية. وكان الإعمار الهاشمي الأول للأقصى المبارك من قبله سنة 1924 اثناء زيارته الى عمان دليل جلي على مكانة القدس والمقدسات فيها لديه، حيث أعلن عن ذلك حين جاءته الوفود من فلسطين مبايعة في عمان بأن يكون ملكاً لكل العرب، وفق ما وثقته جريدة الشرق العربي التي كانت تصدر في عمان في العام 1924 ، حيث بينت أن الإعمار الهاشمي الأول كان بتبرع منه شخصياً قام الملك عبدالله المؤسس لإمارة شرقي الأردن حينذاك بتسليم هذا التبرع إلى المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، حيث استغرق إنجازه قرابة الأربع سنوات أي في عام 1928 في احتفال أقيم في مدينة القدس، وكان أول إعمار لقبة الصخرة والمسجد الأقصى تبعه إعمارات أخرى " الثاني والثالث" في عهد الراحل الحسين بن طلال عولج في الثالث منهما على نفقته الخاصة إعادة منبر صلاح الدين الذي أحرقه يهودي استرالي في 21/8/1969 إلى سابق عهده وكذلك الإعمار الرابع الذي أمر به جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الذي يقف بصلابة أمام كل محاولات العدو الصهيوني في الاستيلاء على المسجد الأقصى بإصراره على أن المسجد الأقصى ومقدسات المسلمين والمسيحيين في القدس في عهدة الوصاية الهاشمية.. ولما حاول الشريف حسين بن علي في عمان التوجه لفلسطين لزيارة القدس، منعته بريطانيا من ذلك ، خشية تفجر الأوضاع في فلسطين والبلدان العربية لما سيكون لكلماته من صدى واسع خاصة وأنه ينال ثقة مؤثرة في العالم العربي، حيث خشيت بريطانيا من ردات الفعل التي ستحصل ضدها في حال إتمام هذه الزيارة فقصرتها له على زيارة المقامات الدينية في غور الأردن دون القدس... وما دفع بريطانيا على منعه من التوجه للقدس قوله أمام الوفود من فلسطين وبلدان عربية أخرى والتي جاءت مرحبة بقدومه ولمبايعته في كانون ثاني عام 1924 في عمان أنه لا يقبل إلا أن تكون فلسطين لأهلها العرب حيث أنه ينظر إليهم نظره إلى أولاده وبتمسكه بحق العرب في السيادة على فلسطين وعدم التنازل عنها ورفضه واستنكاره لوعد بلفور الذي أثار سخطه وعكر خاطره رافضاً الوطن القومي للصهاينة فيها واصفاً الانتداب البريطاني عليها حينها أنه استعمار ، مبدياً استعداده لبذل روحه وحياته في سبيل تحقيق النهضة العربية واستقلال البلاد العربية وفلسطين على رأسها . وسار على نهجه الملك المؤسس عبدالله الأول وملك الدستور الملك طلال والملك الباني الحسين بن طلال رحمهم الله ، فالملك المعزز ربان السفينة الهاشمية اليوم الذي يبذل كل جهد ممكن في سبيل نصرة الأقصى والقدس عاصمة الأردن الروحية وقضية الشعب الفلسطيني متمسكاً بنهج السلف من الحسين بن علي إلى والده الحسين بن طلال في الوصاية الهاشمية على القدس الشريف والمقدسات فيها خاصة المسجد الأقصى المبارك. فالشعب الأردني كانت لفلسطين والقدس والأماكن المقدسة فيها خاصة المسجد الأقصى المبارك مكانة راسخة في ضميره حيث لم يترددوا أبداً ولم تهن عزائمهم أمام التحديات ولم يتوانوا يوماً عن تقديم الغالي والنفيس دفاعاً عن أرض فلسطين المباركة وقضايا شعبها العادلة بكل ما لديهم من إمكانيات وذلك انطلاقاً من استشعارهم بالأخطار المحدقة بأمة العرب جراء الحظر الصهيوني الذي لا يهدد عروبة فلسطين فحسب بل يشمل البلدان العربية قاطبة. فمواقف هذا الشعب وقيادته الهاشمية من قضية الشعب الفلسطيني عامة والقدس خاصة يشار لها بالبنان من خلال تقديم الدعم والإسناد لثوار فلسطين ضد الاستعمار البريطاني والوكالة اليهودية وشاركهم في كفاحهم ضد المشروع الاستيطاني الاحتلالي وقدم الشهداء على أرضها من فلذات أكباده دفاعاً عن عروبتها وضد الهجمة الصهيونية الشرسة والكل يعرف بأول شهيد أردني مفلح العبيدات الذي قضى شهيداً على الأرض الفلسطينية ومئات الشهداء بل الآلاف وهذا يدلل على مواقف العشائر الأردنية قاطبة في احتضان القضية الفلسطينية والدفاع عنها والتي قدمت الشهداء في سبيلها واحتضنت شعب فلسطين بعد النكبة وما زالت قيادته الهاشمية والشعب العربي الأردني يقفون إلى جانب قضايا الشعب الفلسطيني العادلة . أما عربياً فيمكن القول أن الأمة العربية رفضت رفضاً قاطعاً الاحتلال الصهيوني لفلسطين عامة وللقدس خاصة حيث شاركت كل من مصر وسوريا والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية إلى جانب الأردن في حرب عام 1948 بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين وتسليمها لليهود والتي لم تتمكن من منع المهزلة الدولية التي حلت بفلسطين وشعبها أمام الدعم الغربي والشرقي اللامتناهي للكيان الصهيوني بالمال والسلاح وفي الأمم المتحدة ومجلس أمنها التي كانت سبب مأساة شعب فلسطين بما صنعت خاصة من على أرضها مقراتها الولايات المتحدة التي ضغطت على الكثير من دول العالم الثالث في سبيل الوقوف مع قرار التقسيم حيث يقول وزير الدفاع الأمريكي فورستال آنذاك أن الوسائل التي اتبعت في الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على أغلبية الثلثين لقرار التقسيم تكاد تكون فضيحة كونه كان باطلاً لأنه يتناقض مع أحكام المادتين 10 و14 من ميثاق الأمم المتحدة التي تخول الأمم المتحدة حق إصدار التوصيات وليس القرارات والفرق بينهما واضح فالقرار ينطوي على قوة الإلزام أما التوصية فهي ليست قانوناً ينطوي عليها قوة الالزام ولا يترتب على مخالفتها أية مسؤولية قانونية كما أنها خالفت نص المادة 1 الفقرة 2 في الميثاق والتي تلزم الأمم المتحدة عند إصدارها توصيات تتعلق بمصير شعب باحترام مبدأ تقرير المصير للشعوب فالأمم المتحدة بقرار التقسيم تجاوزت صلاحيتها في اتخاذ قرار التقسيم لأنها مارست حق تقرير مصير الشعوب بموجب القرار وليس حق الشعوب بتقرير مصيرها والفرق بينهما بين وواضح وهذا يدلل على أن الولايات المتحدة تتخذ من الأمم المتحدة دميتها في صنع ما تريد واتخاذ ما تريد فتكيف كل قرار على مزاجيتها وهناك من يؤيدونها في كل ما تصنع إذعاناً لإرادتها. لكن ما يغلب على الموقف الرسمي العربي بعد الفشل في حرب 1948 وتوقيع اتفاقيات الهدنة مع العدو الصهيوني التي لم يكن للفلسطينيين فيها دور ،الاكتفاء بالشجب واستنكار الممارسات والاعتداءات الصهيونية على المقدسات الإسلامية في القدس والمجازر والسكان بالقمع والاحتلال والاستيلاء على الأراضي في الأراضي المحتلة دون القيام بإجراء فعال لوقف تلك الاعتداءات خشية غضب أمريكا حاضنة الصهيونية وهادرة الحق الفلسطيني وراعية الإرهاب الدولي ، وما صدر عن الجامعة العربية هو تأكيدها على عدم الاعتراف تحت أي ظرف من الظروف بشرعية الاحتلال والإجراءات التي يتخذها العدو الصهيوني السلطة القائمة بالاحتلال، والتي ترمي إلى تغيير الوضع القانوني أو الشكل الجغرافي أو التركيب السكاني لمدينة القدس، ورفض سياسة التهويد. ودعت كافة دول العالم إلى التحرك لوقف الممارسات الصهيونية ضد المقدسات الإسلامية والإسراع في التوصل إلى حل لقضية القدس من خلال المفاوضات. ويمكنني تقسيم المواقف العربية صراحة إلى مراحل ثلاث ، المرحلة الأولى الممتدة من قرار التقسيم عام 1947 حتى حرب أكتوبر التحريكية عام 1973.والمرحلة الثانية من عام 1976 وحتى 1991 .والمرحلة الثالثة من عام 1991 حتى الآن . ففي المرحلة الأولى كان هناك استشعار بالخطر الصهيوني لكن العرب الذين لم يملكوا زمام أمرهم بعد انهيار الدولة العثمانية وانتهائها لم تكن تمكنهم ظروفهم وتدخلات الدول المهيمنة على الساحة الدولية والقرار الدولي من منع التقسيم وإقامة الدولة اليهودية فحصل ما حصل دون إرادتهم وعجزهم عن منع ما يحاك للمنطقة لكنهم كانوا وما زالوا مع حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرض آبائه وأجداده حيث فرضت خلال هذه المرحلة حروب عديدة على دول الجوار العربي لفلسطين دون أن تسعفهم إمكانياتهم من إسقاط المشروع الاستيطاني الاحتلالي للأرض الفلسطينية حيث أسفرت تلك الحروب في نهاية المطاف إلى احتلال كل الأرض الفلسطينية في حرب عام 1967 ولما حققوا تفوقاً على العدو في حرب 1973 فرض عليهم قبول هذا العدو على الأرض الفلسطينية فأصبحت له سفارات في بعض الدول وهناك تململ من دول عربية أخرى بفعل ضغوط الولايات المتحدة وعبثها في الأرض العربية للسير على النهج الساداتي في حل الصراع مع العدو الصهيوني رغم أن العدو الصهيوني ينتهك المقدسات ويرفض الامتثال للشرعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية ويرفض المبادرة العربية التي تبنتها الجامعة العربية للسلام وهذا مكن العدو الصهيوني من التفرد بالشعب العربي في فلسطين إذ أصبح التحاور معه بشأن سكان الأراضي المحتلة بعد حرب 1967 هو تقديم العون لهم من خلال العدو الصهيوني أو مساعدتهم في المحافل الدولية بالحصول على قرارات تضرب بها دولة الاحتلال الصهيوني بعرض الحائط قبل أن يجف حبرها الذي كتبت فيه فما ينفذ من قرارات هو ما يلزم العرب بتنفيذه دون أن يلزم العدو الصهيوني بتنفيذ ما يتعلق بالحق العربي في فلسطين أو بحق شعبها في الحياة أسوة بكل شعوب الأرض لأن العالم الغربي وعلى رأسه أمريكا يريدون ذلك ويقفون ضد طموحات الشعب الفلسطيني والشعب العربي. المرحلة الثانية التي تمتد من العام 1976 وحتى 1991 تمثلت بتحرك اللوبي الصهيوني المتمثل بالآيباك بقيادة الخرف هنري كيسنجر الذي يخرج في كل يوم بتحليل على العالم يدعو فيه إلى إبادة العرب في أية حروب عالمية قادمة ، حيث كان تحرك الآيباك في سبيل حلحلة العقدة المصرية التي كانت تحتضن القضية الفلسطينية وترعى قضية الشعب الفلسطيني لإنهاء توجهات مصر عبدالناصر الرافضة لكل ما يُمَكِّن الكيان الصهيوني من فرض إرادته على الأرض الفلسطينية فحصل تقارب مصري صهيوني في عهد أنور السادات أفضى إلى اتفاقيات كامب ديفيد ببنودها العلنية والسرية حتى أن غزة التي كانت تحت إدارة مدنية مصرية اكتفت مصر بالقول أنها أرض فلسطينية، منظمة التحرير هي المسؤولة عن تحريرها بالتفاوض مع الجانب الصهيوني ، هذا هو الموقف المصري من قطاع غزة منذ اتفاقيات كامب ديفيد إلى درجة أنها تتمسك باتفاقيات المعابر رغم إعلان العدو الصهيوني الانسحاب من قطاع غزة وإعادة انتشار جيشه الاحتلالي خارجها ويبقي اتفاق المعابر ما بين السلطة ومصر والاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية وكأنه قائم رغم ذلك مع أن إعادة الانتشار يعني عملياً انتهاء اتفاق أوسلو ومن ضمنه اتفاق المعابر.المرحلة الثالثة وهي مرحلة تأليب العرب على بعضهم البعض ضمن سياسة حط حيلهم بينهم وما أسفر عنه تجييش الجيوش لإنهاء نظام الحكم في العراق واحتلال بغداد وتمزيق أركانه إنهاءً لدور العراق الريادي والداعم عملياً للشعب الفلسطيني حيث أصبح العرب في حيص بيص من أمرهم بعد تنفيذ شطب دور العراق الإقليمي ونشر الفوضى الأمريكية الخلاقة العابثة بأمن واستقرار كافة الدول العربية والتي أعلنت عنها كوندليزا رايس بعد احتلال العراق وحل جيشه وإنهاء سلطة الحكم فيه وتمكينها لإيران من السيطرة على مفاصل الأمور فيه بفعل مليشيات تعمل تحت إمرتها تعبث بأرض العراق وتعيث به دماراً وفساداً وإرهاباً حيث تمادى العدو في عدوانه على المقدسات بعد الحال المزري الذي وصل له الوطن العربي وتنفس الصعداء من الخطر الذي كان يستشعره من الجبهة الشرقية التي انتهت بتدمير العراق وجيشه وإنهاء دوره الإقليمي بعد أن كان الدرع الحصين للدفاع عن الأرض العربية شرقاً فأفسح ذلك المجال للعدو الصهيوني ليصول ويجول في أرجاء الوطن العربي جراء اختلال مختلف مفاصل الوطن العربي.
Abuzaher_2006@yahoo.co
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني