2024-04-19 09:35 ص

لم أفهم... !!

2017-09-06
بقلم: نبيه البرجي
هذه الضوضاء التي تجتاح المشهد العام لاعلاقة لها البتة لا بالفكر السياسي، ولا بالرؤية السياسية. كل ما في الأمر أنها تكرس بقاءنا في قعر الزجاجة. في قعر المنطقة...
هل كان لنا هدف آخر سوى تنظيف سفوح، وتلال، السلسلة الشرقية التي لم تكن غالبية أهل السلطة تعلم أين تقع، وما هي تضاريسها، من البرابرة، وهم نتاج التواطؤ، والغباء، والاختلال السوسيولوجي في التفاعل مع ديناميات الحداثة؟
هؤلاء ارتحلوا. لا يعنينا كيف. فاجأنا الذين يدعون الى الخيار التفاوضي لاستعادة أرضنا من اسرائيل، حيث العقل التلمودي أو الاسبارطي، المقفل، بالاعتراض على التسوية بانتقال «داعش» من الأرض اللبنانية الى الأرض السورية...
جدل في قعر الزجاجة، وأسئلة متوترة (أم موتورة؟) عن الصفقة. أي صفقة اذا كان التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة عسكرياً، واذا لم يبق له من أثر سوى مواقف «أبو عجينة» و«أبوطقية»؟
لسنا معنيين بأي شيء آخر، سواء ذهبوا الى جهنم، وهم في الطريق اليها، أم الى البوكمال، مايعني تشتتهم أيدي سبأ في البادية اذا ما عادت دير الزور الى أهلها، وزغردت قبور الذين قطعت رؤوسهم من فتيان وأطفال العشائر...
حجتهم تعقّب ومعاقبة مقاتلي «داعش» بقتلهم أوبمثولهم أمام القضاء الذي يعاني ما يعانيه بفعل التصدع السياسي والتصدع الطائفي على السواء.
نقتلهم لأنهم قتلو جنودنا الذين لم ننقذهم في اللحظة المناسبة بل تركناهم، بسبب التصدع اياه، بين أسنان الآتين من احدى فوهات الجحيم.
نحن دولة، وللدولة قيمها، ومفاهيمها، حتى للعدو حين يقع بين أيدينا . ليس أمامنا سوى قوس المحكمة اذا ما استسلموا. هل نحن بحاجة الى كمية اضافية من هؤلاء في سجن رومية الذي احترنا ما اذا كان فندقاً بخمسة نجوم، أو غرفة عمليات، أو مستودعاً للتائهين.
المسألة باتت وراءنا. سفوحنا وتلالنا عادت شاهقة، وتفتح ذراعيها للأهل في عرسال وفي رأس بعلبك وفي القاع.
البعض الذين كانوا يراهنون على بقاء «النصرة» و«داعش» اغتاظوا وتساءلوا. يا جماعة هؤلاء وجهتهم البوكمال لا اقليم التفاح ولا وادي خالد لكي ننفخ في الأبواق. مصيبة وارتحلت الى مكان آخر.
نحن هكذا. الغساسنة والمناذرة، أهل داعس وأهل الغبراء، ان لم نشتبك بالقصائد، نشتبك بالسيوف، وان لم نشتبك بالحجارة نشتبك بالدبابات.
أحدهم اعتبر أن الصفقة تندرج في اطار السيناريو الايراني. خيال السيدة الدجاجة. حتماً، بتشكيلنا الثقافي، لا يمكن ان نتفاعل مع البنية التيوقراطية للنظام هناك، ولا نتصور أن ايران بريئة من الهيستيريا الجيوسياسية التي عادت الى الظهور في المنطقة. ولكن، أين كان الايرانيون حين احتدم الصراع بين دمشق وبغداد (تحت مظلة الحزب الواحد)؟
استطراداً، أين الايرانيون في الصدام المصري ـ السعودي في اليمن، وعلى امتداد المنطقة؟ وأين هم في الصراع الجزائري ـ المغربي (وحيث الحدود المقفلة)؟ واين هم في الحرب الأهلية داخل البيت الواحد في اليمن، وفي لبنان، وصولاً الى ليبيا والصومال؟ وأين هم في غزو صدام حسين للكويت؟؟
هذا هو تاريخنا من ألف عام، تاريخ القبائل التي تأكل بعضها البعض دون أي خط فاصل بين لحظة الغبار ولحظة الدم. تراثنا أن نتقاتل حول السراب أو حول الخراب. هذا ما يحدث تحديداً في لبنان...
أين هم اللبنانيون الذين يعرفون كيف ان الفساد، كما الغرغرينا، يهدد بسقوط الدولة على من فيها؟ وأين هم اللبنانيون الذين يطأطئون الرؤوس أمام ثقافة الجواري في المحاصصة؟
وأين هم اللبنانيون الذين لم يدركوا حتى الآن ان الضوضاء تلو الضوضاء انما هي لذر الرماد في العيون، وترك عرابي المافيات، وعرابي الطوائف، يستنزفون ما تبقى من الهيكل العظمي للدولة، فيما الخبراء يحذرو ن من الساعة الأغريقية (التراجيديا الاغريقية) التي تدق على ظهورنا؟
لم أفهم، شخصياً، سبب الضجيج. هل فهمتم انتم؟!

"الديار" اللبنانية