2024-04-18 09:06 ص

الأزمة الكورية: لا حل عسكرياً

2017-09-13

باسكال بونيفاس
أدت التجربة النووية الحرارية التي أعلنت كوريا الشمالية مؤخراً عن إجرائها إلى ارتفاع أجواء التصعيد من جديد في شبه الجزيرة الكورية. وضمن ردود الفعل تحدث الرئيس دونالد ترامب صراحة عن احتمال «رد عسكري جارف».

لذلك يحبس العالم الآن الأنفاس
وأسوأ السيناريوهات يمكن أن يتكشّف عن مواجهة شاملة، تنخرط فيها إلى جانب كوريا واليابان، أيضاً الولايات المتحدة والصين. ومواقف ترامب لا تسهل الخروج من الأزمة. والدبلوماسية لا تعني أيضاً برهنة طرف، بكل الطرق المتاحة، على قوته الكاسحة بإرغام الطرف الآخر على الانحناء والإذعان.
ولا يتعلق الأمر هنا طبعاً بإعفاء النظام الكوري الشمالي من مسؤولياته ولا من أفعاله الشائنة الخرقاء العديدة، وإنما القصد أن التفكير العقلاني هو أفضل طريقة لحل عُقد هذه الأزمة.

ولم يعد من الوارد الآن للأسف الحديث عن إمكان نزع التسلح النووي لكوريا الشمالية. فربما كان هذا ممكناً في تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت سياسة الشمس المشرقة التي اتبعها الرئيس الكوري الجنوبي الأسبق «كيم داي- جونج» (وهي مستلهمة من سياسة «التقارب» للمستشار الألماني الأسبق ويلي برانت)، تسمح بالتطلع إلى تطبيع سائغ وسلس بين الكوريتين.

وفي سنة 2000 وصل التقارب إلى حد الاستعراض معاً في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، لكن تعرضت سياسة التقارب تلك إلى انتقادات شديدة من طرف الصقور، سواء في كوريا أم في الولايات المتحدة، هذا في وقت كانت قد بدأت فيه تؤتي أكلها فعلاً.

وفي يناير 2002، أدرج الرئيس الأميركي بوش الابن كوريا الشمالية ضمن الدول التي سماها «محور الشر»، وهو ما ساهم في تصليب مواقف نظام بيونج يانج. وتلا ذلك مباشرة التدخل العسكري في العراق، ثم فيما بعد في ليبيا، وهو ما أقنع تماماً المسؤولين الكوريين الشماليين بأن امتلاك سلاح أو أسلحة نووية، بات الوسيلة الوحيدة الضامنة لنجاتهم هم أيضاً. فليس غرض السلاح النووي إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية بالقوة، أو مهاجمة اليابان، وإنما هو لتأمين النظام الكوري الشمالي نفسه. ويعتقد كيم يونج أون أن صدام حسين ومعمر القذافي لو أنهما امتلكا السلاح النووي لكانا الآن على قيد الحياة، وفي سدة الحكم.

ورغم تهديدات ترامب، فلا حل عسكرياً في متناوله. ولو هاجم كوريا الشمالية، فسيربح الحرب ولكن في تلك الأثناء، ستكون المواجهة قد دمرت سيئول وطوكيو بشكل كامل. ولن تتمكن الصين أيضاً من جعل كوريا الشمالية تتبنى مواقف أقل استفزازية، وهي لا تتمنى أيضاً سقوط النظام.

والحال أنه ليس لبكين سوى قدر محدود من قوة التأثير على كوريا الشمالية التي رفضت اتباع نصائحها فيما يتعلق بجدوي الانفتاح الاقتصادي. ولدى الصين أيضاً دواعي قلق خاصة من حالة التصعيد في شبه الجزيرة الكورية لأنها تسمح للأميركيين بتعزيز وجودهم العسكري، كما تتيح لليابان أيضاً فرصة تعزيز قدراتها التسلحية.

ومن المعروف أن يابانَ شينزو آبي تتطلع إلى تعظيم قدراتها العسكرية، كما أن علاقاتها غير واضحة أيضاً مع كوريا الجنوبية (الخصم التاريخي). ولذا فهي لا تستطيع لعب أي دور مؤثر في الأزمة. ومن جانبه يستطيع الرئيس الكوري الجنوبي الجديد «مون جاي- إن»، الذي كان ضمن المقربين من الرئيس الأسبق «كيم داي- جونج»، التأثير في مجرى الأحداث بشكل أفضل، وبالتشاور مع الصين (بكين باتت تميل إلى سيئول أكثر من بيونج يانج).

وقد تحدث مؤخراً بنبرة حازمة.

وما تريده كوريا الشمالية اليوم هو الاعتراف بوضعها كدولة نووية، وعقد لقاء قمة بين كيم «جونج- أون» ودونالد ترامب. والمطلب الأول مستحيل طبعاً لأنه يعني إعادة مراجعة نصوص اتفاقية حظر الانتشار النووي، وهو ما سيفتح الباب العريض للانتشار النووي، لكن المثال الإسرائيلي، وكذلك الباكستاني والهندي، يظهر أن بعض البلدان يمكن أن يصبح لها وضع نووي غير رسمي، ولكنه مقبول بحكم الأمر الواقع. وطبعاً فعقد قمة ثنائية مع الرئيس الأميركي سيكون إنجازاً معنوياً كبيراً لـ«كيم جونج- أون»، لكن من غير المؤكد إلى حد بعيد أيضاً أن الإدارة الأميركية ستسمح بهذا المطلب أو المكسب.

ويلزم، قبل أي شيء آخر، أن يمتنع ترامب عن إطلاق تصريحات وتهديدات قوية. فالتلويح بحل عسكري، لا يمتلك وسائله، لا جدوى منه سوى توتير النظام الكوري الشمالي بشكل أكبر، وخاصة أن هذا النظام لن يأسف كثيراً إن أتيحت له الفرصة للبرهنة أمام الجميع على قدرته على الصمود بسهولة أمام القوة العظمى الأميركية. فالحل إذن لن يأتي من التصريحات الاستعراضية، وإنما من الاتصالات السرية. وفي هذه القضية، لا يوجد في النهاية سوى حزمة حقائق أحلاها مُرة. ويتعين الحرص على عدم تحويل هذه الحقائق المرة إلى حقائق كارثية. وحتى إذا كان النظام الكوري الشمالي جديراً فعلاً بالكراهية، فلن يستطيع أحد أيضاً دحره وتحييد خطره، بمجرد تغريدة تنشر على التويتر.