2024-03-19 07:15 ص

الاتفاق والتفاهمات الأخيرة بين فتح وحماس

2017-09-20
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني 
يبدو على السطح على الأقل ان الاوضاع في غزة ستشهد نوع من الحلحلة والانفراج بعدما ما أعلن من الطرفين فتح وحماس عن اتفاق وتفاهمات من المفترض فيما إذا ما طبقت ان تؤدي الى انفراج حقيقي بين الطرفين سيكون له مردودات إيجابية على أهالي قطاع غزة على وجه التحديد. ونأمل أن تكون هذه بواكير لإنهاء حالة التشرذم والانقسامات التي عصفت على الساحة الفلسطينية والتي دفع شعبنا وقضيته العادلة ثمنا باهظا لها للان. ونأمل ان لا تخيب آمال سكان قطاع غزة بالذات حيث وصلت الأمور الى حد لا يطاق ويبشر بانفجار كبير غير محسوب النتائج التي قد تكون كارثية على جميع المستويات. وربما هذا ما دعا وفرض على بعض الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية أن تعمل على تفادي وقوع ما لا يحمد عقباه للأطراف المختلفة. وكان لا بد من فعل شيء يقلل من الاحتقان الذي شمل جميع المرافق والنشاطات اليومية الحياتية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية ومعدلات البطالة وغيرها. وقد وصل هذا الاحتقان الى الذروة ولم يعد للإنسان الغزي ما يخسره. ومن هنا جاء تحرك العديد من الأطراف الإقليمية خاصة بالإضافة الى تحرك تنظيم فتح وحماس وكل له أسبابه ومراميه. فمنهم من سعى للحفاظ على كينونته على الساحة وخاصة بعدما أن تكشف لشعبنا الفلسطيني أن هنالك تنظيمات تضع مصلحتها الحزبية والتنظيمية فوق مصالح الوطن والقضية بعد أن وفرت لها عناصر السلطة والقوة والنفوذ مكتسبات لم تكن تحلم بها يوما وبالتالي تشبثت في المراكز والسلطة على الرغم من فراغ السلطة والحكم والقوة من المضمون والمفهوم ولم تكن الا صورا شكلية لا أكثر من هذا، فالاحتلال ما زال قائما وجاثما على الصدور. ومنهم من تحرك وأبدى استعداده "لمساعدة" أهل القطاع "وإعادة الاعمار" بدفع ملايين الأوراق الخضراء وذلك حتى يضمن له موطئ قدم في الساحة الإقليمية ولكن للأسف بصورة سلبية للغاية وفي أقل تقدير تدخل ضمن التنافس على الحضور والقدرة على التأثير كما هو واضح من الملايين التي صرفت أو الاستعداد لصرفها من قبل قطر والامارات في غزة مؤخرا. ومنهم من تدخل وعمل على التسريع في إيجاد قواسم مشتركة بين فتح وحماس ربما سعيا لتبيان أنه ما زال قوة إقليمية وازنة ومؤثرة في المنطقة وخاصة بعد أن غاب أو غيب دوره في السنوات الأخيرة في المنطقة لصالح دولة أخرى، وهذا ينطبق على مصر والتي غيب دورها لصالح النظام السعودي. أما الطرف الدولي المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية فإنها تسعى لتصفية القضية الفلسطينية ولا بد لنا من تسجيل نقطة هامة هنا وهي أنه على الرغم من الترحيب الذي لقيه الاتفاق بين فتح وحماس وخاصة في محاولة إنهاء الأوضاع المأساوية لشعبنا في القطاع والعودة الى حكومة الوفاق الوطني على أمل تشكيل حكومة وطنية والاعداد للانتخابات العامة، نأمل ان لا تكون هذه الخطوات تأتي تمهيدا للتضيق على المقاومة وإنهاء القضية الفلسطينية لصالح العدو الصهيوني ضمن المخطط الذي ترعاه دول إقليمية ودولية بالإضافة الى أطراف فلسطينية والتي بمجملها تعمل وتنشط بشكل غير معهود هذه الفترة من وراء الكواليس وخاصة وأن لحظة القضاء على الارهاب في سوريا والعراق قد قاربت على الانتهاء وأن انتصار محور المقاومة قد بات في حكم المؤكد بعد كل الانتصارات الاستراتيجية التي حققها هذا المحور في الفترة الأخيرة. وهذا يفسر حالة الاستعجال لبعض الأطراف الإقليمية والدولية في إيجاد وتمرير حلول استسلاميه يتم فيها تطويع الطرف الفلسطيني لتقديم مزيد من التنازلات والقبول بما سمي بـ "السلام الاقتصادي" حيث تنصب الجهود الى تنشيط الاقتصاد الفلسطيني من خلال ضخ ملايين الدولارات من الدول الخليجية لتحسين الأوضاع الاقتصادية لفلسطيني قطاع غزة والضفة الغربية ورفع مستوى المعيشة للسكان وإيجاد فرص عمل لجيش العاطلين عن العمل. وهو نفس المنحى الذي نادى به الرئيس الصهيوني بيريس والذي سعى لتطبيقه توني بلير ونتنياهو من خلال إقامة مشاريع مشتركة بين إسرائيليين وفلسطينيين على المناطق الحدودية في المنطقة الشمالية للضفة وكذلك بالقرب من غزة. وفلسفة "السلام الاقتصادي" كانت تقوم على ان تحسين الأوضاع الاقتصادية لعامة الناس يجعلهم يبتعدون عن المقاومة لان هنالك شيئا سيفقدونه في هذه الحالة. ولا شك إن تضييق الخناق على أهالي غزة ولفترة طويلة والوعود الان بأن الأحوال ستتغير ماديا كان جزءا من هذا المخطط. وفي الوقت الذي يجري فيه تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع والضفة يجري بالتوازي العمل على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني من قبل ما يسمى " بمحور الاعتدال العربي" بشكل علني ورسمي تحت شعار "الواقعية السياسية" والقبول بالأمر الواقع، وكل هذا بالطبع سيكون في حالة تمريره على حساب القضية الفلسطينية. ومن الضروري ان ننظر الى التصريحات الأخيرة لملك البحرين الذي ندد بالمقاطعة العربية لدولة الكيان الصهيوني بشكل علني بمحمل الجد لأنه يمثل التوجه الرسمي "لمحور الاعتدال العربي" لحرف بوصلة الصراع في المنطقة من صراع مع العدو الصهيوني الى صراع مذهبي وطائفي مع إيران ومحور المقاومة. وكلمة أخيرة نقولها ولا نمل من تكرارها وهي أن شعبنا وقضيته ونضاله ومقاومته لا تختزل بفتح وحماس مع احترامنا لكلا الفصيلين اللذين من الواجب عليهما أن يترفعا عن المصالح الضيقة والتحزب للتنظيم والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية للحال التي وصلنا اليها. كما أن العودة للوحدة الوطنية والعمل سويا تحت مظلة حكومة وطنية يجب أن لا تكون مرهونة بالمحاصصة بين الطرفين وتقسيم المناصب فيما بينهم. فالوطن هو البوتقة التي ينصهر بها كل من يعمل لأجله والدفاع عنه والذود عن فقراءه وليس حكرا على أي تنظيم أو حزب أو فئة مهما علت مكانتها ونفوذها.